تجزم السيدة بوعكاز عتيقة مديرة مكتبة باتنة سابقا، ونائب رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية باتنة المكلفة بالشؤون الثقافية، أن المقروئية في الجزائر تشهد في السنوات الأخيرة نقلة نوعية في الهياكل، حيث سخرت الدولة ـ حسبها ـ كل إمكانياتها المادية والبشرية للدفع بالحركة الثقافية إلى الأمام، كما طبقت وزارة الثقافة إستراتيجية موحدة لتشجيع المقروئية في الجزائر، من خلال إنشاء مكتبة بكل بلدية، لتقريب الفعل الثقافي من المواطن حتى في المناطق النائية، ليصل الكتاب إلى كل الجزائريين ضمانا للمساواة بينهم في “حق المعرفة والقراءة”.
وتؤكد الأستاذة عتيقة بوعكاز المتحصلة على شهادة الماجستير في علم المكتبات من جامعة الجزائر، أن المقروئية ببلادنا تعتبر من أهم القضايا التي سخرت لأجلها الوزارة أغلفة مالية ضخمة، لما لذلك من أهمية كبرى في تحسين مستوى الفرد الجزائري، والذي أكدت بشأنه الإحصائيات حسب المتحدثة أن نصيبه من الكتاب مهما اختلف محتواه لا يزيد عن نصف كتاب في السنة، ولعل هذا ما دفع بالدولة الجزائرية ممثلة في وزارة الثقافة بالتنسيق مع وزارة الداخلية إلى إنجاز المئات من المكتبات لمحاربة “العزوف” عن القراءة في الجزائر.
وأشارت إلى أن مدينة باتنة تتوفر على سبيل المثال على 4 مكتبات بلدية، موزعة عبر أكبر الأحياء بالبلدية، غير أن الإقبال عليها ما يزال ضعيفا لأسباب مختلفة ومتداخلة أحيانا أخرى، هذا يكفي للقول والجزائر تشهد ديناميكية ثقافية متسارعة وتستعد لاستقبال العرب في تظاهرة “قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015”، أن الجهات المسؤولة عن الفعل الثقافي قد قدمت ما عليها من حيث إنجاز الهياكل، “في انتظار إرفاق ذلك بسياسة ثقافية تتمثل أساسا في تشجيع القراءة مهما كان نوعها ورقية أو الالكترونية أو حتى القراءة الصحفية”.
وأضافت عتيقة بوعكاز أن المكتبات البلدية بباتنة تتوفر على عدد هائل من المراجع والكتب القيمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن تخزين أكثر من 70 ألف كتاب بمكتبة المجزرة بوسط مدينة باتنة، غير أن المتحدثة ترفض ربط تشجيع المقروئية بعدد المكتبات الموجودة بالولاية، كون الأطراف المعنية بالمقروئية تتفق على ضرورة إعادة النظر في السياسة الثقافية المنتهجة من طرف الوصاية، حيث يعتبر الكتاب كصناعة والقراءة كثقافة من أهم العلاقات التي يجب تدعيمها، وهو ما تسعى له ولاية باتنة في إستراتيجيتها الثقافية، فالقارئ مثلا ـ حسب المتحدثة ـ يرى أزمة المقروئية في تكلفة الكتاب، بينما يلخصها الناشر في غياب دعم الوصاية، وهذه الأخيرة ترد بالقول أنها تكرس صندوقا لدعم الكتاب، وتخصص أغلفة مالية ضخمة لذلك، كما أنها تقتني مئات العناوين المهمة لتزويد المكتبات البلدية بها وما على المواطن أو القارئ سوى التوجه إلى البلديات لممارسة “حقه” في القراءة.
تشجيع القراءة تربية وثقافة تُكتسب منذ الصغر
القراءة في الجزائر حسب نائب رئيس بلدية باتنة المكلف بالشؤون الثقافية مرتبطة بالإنتاج، وعليه تقول “نحن لا نقرأ لأننا لا ننتج، إضافة إلى التنشئة الاجتماعية التي جعلت من الكتاب مادة ثانوية وأحيانا غير مهمة في حياة الجزائريين”، وأضافت بأن التكنولوجيا المتسارعة لعبت دورها في عزوف الجزائريين عن القراءة، حيث يكفي الدخول إلى موقع “غوغل” مثلا وغيره من المواقع الإلكترونية الأخرى، للولوج إلى عالم يتوفر على أحدث الأخبار وأكثرها دقة لذلك، ليصبح الكتاب لا يحتل مكانة أولية في سلم اهتمامات الجزائريين.
وهنا تتأسف محدثتنا عن واقع القراءة في الجزائر رغم توفر المرافق، حيث تسير هاته الأخيرة في اتجاه مقلوب، مبرزة بأن الكتب متوفرة ولكن لا يوجد من يقرأها باستثناء الإقبال المسجل في العطل ونهاية الأسبوع وأثناء فترة الامتحانات والبحوث الجامعية، والحقيقة ـ حسب بوعكاز- أنه من الانعكاسات السلبية لهذا الوضع، عدم وجود قابلية للقراءة والأكثر من ذلك، هناك تشكيك في القدرة على القراءة، “حيث نجد البرنامج الدراسي للتلاميذ مكتظ عن الآخر فهو يدخل المدرسة ولا يخرج منها إلى في حدود الخامسة مساء”.
وأكدت المكلفة بالشؤون الثقافية ببلدية باتنة بأن دور النشر لها دور في ذلك، فهي تسهم في عملية صنع الكتاب، والقارئ في هذا الزمن يبحث ويرغب في قراءة أخر العناوين، وهو ما لا تقدر عليه في أحيان كثيرة عديد دور النشر، فالعلم متسارع والكتاب ينظر له كمجرد سلعة تباع وتشترى وليس كوسيلة تعليمة وتربوية، وأولى تبعات هذا الوضع تقول هي اللجوء إلى الكتاب المستورد الذي يتحمل أعباء أقل من الكتاب المنتج محليا، لأن رسوم هذا الأخير كبيرة جدا.
ويضاف لما سبق ـ حسب المتحدثة ـ الغياب الكلي للدور التوجيهي للأسرة والمدرسة في غرس ثقافة المطالعة لدى الطفل لأنه، من لا يقرأ في الصغر لن يقرأ في الكبر، حيث نسجل بمؤسساتنا التربوية غياب المطالعة الموجهة كمادة أساسية ومستقلة في المقررات الدراسية وأخيرا غياب الحوافز التشجيعية للقراءة في كل الأطوار.
زوار المكتبات يقتصرون
على فئات معينة
تؤكد بوعكاز اقتصار زوار مكتبات باتنة على فئات معينة دون غيرها، والمتمثلة في الطلبة “المجبرين” على إنجاز بحوث، وهذا بسبب إهمال الناشرين لبعض الميادين الهامة والمفيدة في الرفع من مستويات القراءة ، خاصة ما تعلق بكتاب الطفل، مشيرة إلى أنه كلما ربينا أبناءنا على القراءة كلما أنتجنا جيلا قارئا، حيث يصبح الطفل مع مرور الوقت “صديقا” للكتاب، وتحرص السيدة بوعكاز على ضرورة مرافقة عمل ونشاط المكتبات بأنشطة ثقافية خارج المناسباتية، حيث لا بد من تسطير برنامج ثقافي بحث، على غرار المعارض، مسابقات القراءة، محاضرات، عرض لأفلام متبوعة بمناقشات وغيرها..
وتختم السيدة عتيقة بوعكاز المكلفة بالشؤون الثقافية ببلدية باتنة، حديثها عن دور المكتبات البلدية في تشجيع المقروئية في الجزائر، بأن الحل لن يكون بعيدا عن تفكيك البنى الاجتماعية والثقافية التي تنشأ ضمنها هذه “المشكلة”، ذلك أن هناك ارتباطا وثيقا بين مشكلة وجود هياكل ثقافية كالمكتبات البلدية و«عزوف” الجزائريين عن المقروئية من جهة وبين مسألة الثقافة وقيمتها من جهة أخرى، فكثيرا تضيف ما تتعدى تداعياتها لتنعكس على المنظومة القيمية للمجتمع، وهذا ما لاحظته المتحدثة خلال مشوارها ودراساتها لماجستير علم المكتبات.