أصبح تفعيل سوق حقيقية للأعمال الفنية التشكيلية في الجزائر، يشكل في الوقت الراهن أكثر من ضرورة ملحة، وهذا أمام التزايد الكبير لعدد الفنانين التشكيليين الجزائريين من جهة، واحتدام المنافسة القارية والدولية في التسابق على المقتنيات الفنية المختلفة التي بلغت أسعارها أرقاما خيالية..
ولمعرفة أراء الفنانين التشكيليين في هذه الموضوع، طرحنا على البعض منهم مجموعة من علامات الاستفهام: هل توجد مثل هذه السوق كإطار ثقافي وقانوني لسيولة الأعمال الفنية في الجزائر؟ وفي حالة غيابها، كيف يمكن إرساء مثل هذه الثقافة في مجتمعنا على غرار ما هو متأصل في العالم؟
الأجوبة كانت مختصرة، لكن حملت في طياتها الكثير من الدلالات، كون هذه النخبة كانت دائما تبحث عن مخرج لإرساء مثل هذه الثقافة للرقي بأعمال الفنانين التشكيليين الجزائريين المختلفة والتي في حقيقتها لا تختلف من حيث نوعيتها وقيمتها عما هو موجود في العالم.
الأستاذ والفنان محمد غرناوط :
“النقد الفني معيار لتقييم العمل الإبداعي”
“في الحقيقة لا يمكننا الحديث اليوم عن سوق للأعمال الفنية في مجال الفنون التشكيلية في الجزائر، هذا النوع من التوجه التجاري غير موجود في بلادنا، مقارنة بما يوجد في أمريكا، الصين وأوروبا، حيث بلغ سوق الأعمال الفنية أرقاما قياسية تصاعدية تسجل في كل عام، ففي سنة 2012 سجلت 43 مليار أورو، وأحسن بيع للوحات الفنية كانت للفنان” بول سيزان” بمائتين وخمسون مليون دولار.
وأنا شخصيا لم أقم بأي تجربة في هذا المجال، ما عدا تنظيم معارض مختلفة هنا وهناك، لعدم وجود بنية أساسية لتفعيل هذا السوق.
..أما بالنسبة للحديث عن كيفية إرساء ثقافة في مجتمعنا في هذا المجال، فإن هناك تقاليدا وآليات من شأنها ضبط تسيير سوق الأعمال الفنية نذكر منها: توظيف أروقة متخصصة للعرض والبيع بالمزاد، صنع جسور بين المجتمع والفنون بواسطة النقد لتفسير وتقدير وتوضيح العمل الفني، تقييم وتصنيف الفنان، الاهتمام بالنصوص القانونية المتعلقة بتنقل الأعمال الفنية داخل وخارج الوطن وفتح باب الاستثمار في هذا المجال، تأمين التحف الفنية، يخضع هذا المجال أيضا لقانون العرض والطلب، وبالتالي نجاحه يجلب المقتنين الأجانب للأعمال الفنية.
وخلاصة القول، إنه توجد بالجزائر حركة فنية كبيرة بدون تقييم خاضع لمقاييس النقد الفني الذي من شأنه بلورة العمل الجيد من الرديء، وبالتالي تتشكل لدينا صورة واضحة لكل ما هو إبداع فني.
أحمد صالح بارة :
“إنعاش السياحة وسيلة للرقي بالفن”
“..حسب تجربتي، لا يمكن الاعتقاد بوجود سوق حقيقية للفن التشكيلي عندنا رغم العدد الكبير من أروقة العرض المتواجدة عبر الوطن، والدليل الأول، هو أن الكثير من هذه الأروقة تغلق بعد سنوات قليلة من افتتاحها، لعدم جدوى النشاط، وأيضا لعدم وجود الزبائن بعدد كاف، وهو الدليل الثاني كما أنه لا يوجد تنظيم قانوني لعمليه البيع كالحد الأدنى والأقصى لسعر اللوحات، ولا قانون ينظم عمل الفنان، ولا وجود لقاعات المزادات كما أن الزبائن قليلون جدا وهم على قلتهم يمثلون النخبة المثقفة التي تهوى اقتناء الأعمال الفنية الأصلية، إضافة إلى عدد ضئيل من الزبائن الذين يبحثون عن لوحات تتناسب مع الديكور بغض النظر عن القيمة الفنية للوحة وهم من الأثرياء الذين لا يزعجهم إنفاق بعض المال على اللوحة..
..إن انحصار المشترين في بعض النخب المثقفة وليس جميعها، يساهم في غياب السوق الفنية، فالمجتمع مازال بعيدا عن ثقافة اقتناء الأعمال الفنية الأصلية.. كما أن أغلب أروقة العرض متواجدة فقط في العاصمة بعكس دول الجوار والدول الأوروبية، حيث تتواجد أروقة العرض في الكثير من مدنها وسبب ذلك اهتمام تلك الدول وكثرة عدد المشترين بسبب التدفق السياحي الكبير، وعليه فلكي تنتعش سوق الفن يجب إنعاش السياحة وزرع ثقافة الفن في المجتمع ابتداء من الكتاب المدرسي والصحف والقنوات التلفزيونية وإشراك مؤسسات الدولة في اقتناء الأعمال الفنية المختلفة..
..وبالنسبة لي شخصيا، قضيت سنوات عديدة في إقامة المعارض دون بيع، لأن الطريقة التي كنت أستخدمها مستهلكة وغير مجدية، ولكنني لم أتوقف عن الرسم والعرض والقيام بأبحاث، حتى توصلت إلى أسلوب يميزني عن بقية الفنانين التشكيليين، حيث بدأ بعدها مشواري في البيع مع رواق” إيزو آرت” بالمركز التجاري لباب الزوار في سنة 2012، حيث بيعت لوحاتي بسرعة وهذا ما شجعني على التمسك بأسلوبي، والبحث عن فضاءات جديدة للعرض في الفنادق والأروقة إلى اليوم مع نجاح معتبر ماديا ومعنويا فتأكدت أن الطلب يكون على الجديد غير المتكرر المتماشي مع روح العصر”.
الفنان سعيد بوطمينة :
“الثقافة الجمالية جوهر الحراك التشكيلي”
“..لا شك أن العمل الفني يبدو ناقصا ما لم يصل إلى الجمهور من خلال الملتقيات أو التظاهرات الثقافية، فلا وجود للفن ما لم يكن هناك جمهور والذي يحتاج بدوره إلى وسائل وفضاءات للعرض حتى تقيم تجربة الفنان، والجمهور هو الناقد الأول للعمل الفني، فهذه التجربة لها دور أساسي في تنشيط الفنون التشكيلية ببلادنا، وفي اعتقادي، يمكن القول أن العمل التشكيلي في الجزائر خجول وأسير واقع ثقافي منطوي على نفسه، نجد أن بصيص الأمل يكمن عند الخواص وأصحاب الأذواق وعشاق الألوان، وهذا في ظل غياب ثقافة “ذوقية بصرية” لم تستغل بعد من طرف مبدعين تشكيليين جلهم مهمشين..
أسئلة كثيرة طرحت ولم تعالج حتى الآن، ما دام بعض الساهرين على القطاع ليست لهم دراية كافية عن الفنون التشكيلية في الجزائر بل هناك اهتمام عشوائي فقط، فأروقة العرض تعد على الأصابع وتتباين أنشطتها وهذا يتوقف على سمعة وتجربة صاحب المساحة إن كان فنانا تشكيليا من غيره..
.. إن الفنان التشكيلي في الجزائر يشكو في اعتقادي من تقصير الوصاية على المستوى المحلي فهذه لا تهتم بوضعه الاجتماعي والمعيشي فدورها يقتصر على حضور المشرفين في افتتاح واختتام المعرض فلا نجد اهتماما خاصا بالإبداع، إزاء هذا الواقع فليس أمام الفنان التشكيلي سوى السعي إلى الخواص وفي بعض الأحيان المؤسسات العمومية من خلال بعض الصداقات، وبخصوص أصحاب الأروقة والمؤسسات العمومية نقول أن هناك تقصير في الإعلام والإشهار والذي يكلف أصاحبها مبالغ كبيرة رغم مساهمتها في الوعي والاهتمام والتحسيس نظرا للإمكانات لهؤلاء الخواص من أصحاب الأروقة، لاستدعاء فنانين تشكيليين للعرض ومساعدتهم، أقول فنانين مبدعين وليس “لبانين متجولين” للأسف إننا بعيدين كل البعد عما هو موجود في الغرب من قاعات عرض ومساحات في الهواء الطلق ومن نقاد في الفن التشكيلي ومن بيع وشراء تحف أو أعمال تشكيلية، أما نحن فلم نصل بعد إلى هذه المرحلة؟؟
..ونضيف أنه يوجد من بين الفنانين التشكيليين المحترفين والهواة من فرض نفسه على الساحة، وهناك من المحترفين المبدعين الخجولين المنطوين على أنفسهم، فجميع أعمالهم مكدسة، وإذا لم يسعفهم الحض ويجدوا صديقا يساعدهم سواء للعرض أو البيع عند الخواص فلن تقم لهم قائمة؟
ومن هنا، لا يمكن أن نتصور وجود حركة تشكيلية في ولاية، دائرة أو بلدية دون وجود قاعات للعرض، فمثلا لا يوجد مسرح أو سينما دون قاعات، فاللوحة أو العمل التشكيلي يحتاج إلى فضاء مكاني ليصل إلى الجمهور فالقاعات الخاصة بهذا المعنى ضرورة لا غنى عنها..
.. وفيما يخص سوق التحف الفنية التشكيلية في نظري غير موجود في الجزائر، لأنه لا توجد قوانين تؤطر عملية العرض والطلب على التحف الفنية التشكيلية، كما لا يوجد نقاد في هذا المجال وإن وجدوا فهو اجتهاد إعلامي وصحفي فقط؟ فالجزائري غير مهتم بالجانب الجمالي التشكيلي وغير متعطش لهذه الثقافة مثل تعطشه لفن الغناء مثلا؟ على الرغم أننا نعلم بأن الفنون التشكيلية نقطة تلاقي عرض وطلب، وأن هذه العلامة غائبة غيابا كليا، وأخيرا وحتى تكون هناك مساحات وأروقة للعرض تعطى الفرصة، ويد المساعدة للفنانين لمشاركتهم في التنمية الفكرية والحس الجمالي والذوقي، يبقى السؤال متى يتحقق هذا الحلم على أرض الواقع؟”