تزخر ولاية تندوف بتنوّع الطبوع الثقافية التي تشكّل فسيفساء بهيّة تزيّن المشهد الفني بالولاية، وتضع المواطن التندوفي أمام موروث ثقافي مادي ولامادي غني، هو نِتاج اندماج ثقافي عربي أمازيغي إفريقي بحكم الموقع الجغرافي للمنطقة التي تشكّل بوّابة الجزائر على دول غرب إفريقيا.
موسيقى القناوي والديوان وغيرهما من الألوان الموسيقية الإفريقية التي لا يمكن أن يكون لها وجود دون استحضار آلة «القمبري» التي يتفنّـن الشاب سالم كابوس في صناعتها يدويا، والذي فتح باب ورشته لـ«الشعب» للحديث أكثر عن يوميات فنان تندوفي يعتز بانتمائه الإفريقي.
حاوره: علي عويش
- الشعب: في البداية، من هو سالم كابوس؟ وما مجال نشاطه الفني؟
الفنان سالم كابوس: سالم كابوس شاب من ولاية تندوف، فنان موسيقي وصانع آلات موسيقية تقليدية، امتهنت هذه الحرفة عن حب بسبب تعلقي الكبير بآلة «القمبري»، هذا الشغف دفعني إلى توسيع نشاطي الحرفي ليشمل صناعة كل الآلات الموسيقية التقليدية باستخدام الجلد والخشب.
شاركت في العديد من الصالونات الدولية الخاصة بالحرفيين، وكانت لي إسهامات في الأسابيع الثقافية التي كانت تقام بشكل دوري، كما نظّمت معارض للتعريف بالآلات الموسيقية التقليدية وجولات فنية غنائية في العديد من ولايات الوطن.
مكّنتني موهبتي في صناعة الآلات الموسيقية التقليدية واختصاصي في الموسيقى التقليدية الإفريقية إلى تكوين وتخريج العديد من الفرق الشبانية بالولاية، على أمل أن نحافظ على هذا الموروث الفني من الضياع.
- ما هو «القمبري»؟
القمبري هو آلة موسيقية وترية وفي نفس الوقت إيقاعية، يتكون من ثلاثة أجزاء هي الحوض، العصا والجلد قبل إضافة الجزء الرابع والمهم وهو الأوتار، ويختلف عدد الأوتار في «القمبري» حسب نوع الايقاع والموسيقى المراد عزفها.
أصول الآلة إفريقية محض، وهي لا تختلف عن آلة «التيدينيت» الموريتانية مع اختلاف بسيط في نوع الموسيقى، ونحن نعمل على التعريف بالقمبري باعتباره جزء من الهوية الثقافية للجزائر، إلى جانب الآلات الموسيقية الأخرى التي لم تحظى بقدر كافٍ من الأضواء.
«إصرار على العمل الحرفي رغم شح الامكانيات»
- هل تتلقّى صعوبات في تسويق منتجاتك من الآلات الموسيقية التّقليدية؟
تندوف ملتزمة بالطّبوع الموسيقية التقليدية سواء موسيقى القناوي والديوان أو الموسيقى الحسانية أو الطبوع الموسيقية الأخرى، وأنا حالياً أجد صعوبة في التكفل بالكم الهائل من الطلبات، لأنّ صناعتي للآلات تتم بشكل يدوي تقليدي، وتأخذ مني وقتاً طويلاً لإتمام الآلة الواحدة بسبب حرصي على الدقة والإتقان في صناعتها وتقديمها للزبون في أبهى حلة.
تأتيني طلبات كثيرة من زبائن من مختلف الأعمال من داخل الولاية وخارجها، فهناك إقبال كبير على اقتناء آلة «القمبري» أو الآلات الموسيقية التقليدية الأخرى، فمن الزبائن من يقتني الآلة للعزف عليها، وهناك من يجعل منها جزءاً من ديكور البيت التقليدي.
- هل المواد الأولية التي تدخل في صناعة هذه الآلات متوفّرة في السّوق المحلية؟
آلة «القمبري» وغيرها من الآلات الموسيقية التقليدية تحتاج إلى قدر كبير من الإتقان، خاصة إذا كانت صناعتها تتم بشكل يدوي، وهذا ما يفرض عليها الحرص على إيجاد مواد أولية تليق بمكانة الآلة، غير أنّ واقع الولاية وبعدها عن مصادر التمويل جعلنا نلجأ إلى استخدام مواد أولية بسيطة ومحلية في صناعتها بما يضمن الوجه الجمالي للآلة، ويحافظ على وظيفتها التي وجدت لأجلها.
مادة الجلد التي تعتبر مكوناً أساسياً في صناعة كل الآلات الموسيقية التقليدية، وبالرغم من وفرتها في المنطقة على شكلها الخام إلا أن تحويلها الى مادة صالحة للاستخدام يحتاج منّا جهدا إضافيا عبر مراحل تأخذ الجهد والوقت، وهذا راجع إلى افتقار المنطقة إلى مدبغة للجلود.
- كيف تنظر إلى واقع الطّبوع الموسيقية الإفريقية في الوقت الحالي؟
تشهد الطبوع الموسيقية التقليدية عودة قوية إلى الساحة الفنية، خاصة بين أوساط الشباب بعدما شهدت في فترات سابقة بعض التراخي والتراجع، فاسحةً المجال لغزو الموسيقى العصرية خاصة تلك الطبوع الشبابية الصاخبة التي تستعمل فيها التكنولوجيا الحديثة.
مكّنتنا مشاركاتنا في الأسابيع الثقافية وجولاتنا الفنية عبر ربوع الوطن من التعريف بهذا الفن، واستقطاب فئات عمرية مختلفة، وقد لمسنا إقبالاً كبيراً للشباب - ليس فقط على الموسيقي الافريقية - بل على كل الطبوع الموسيقية التقليدية في الجزائر.
- إلى أي مدى أثّر وباء كوفيد 19 على نشاطك كحرفي؟
التزامنا بتدابير الحجر المنزلي قلّل من نشاطنا ولكنّه لم يوقفه، فقد حوّلت زاوية من منزلي إلى ورشة لمواصلة نشاطي وكسر الروتين اليومي للحجر، كما تمكّنت من تأليف عدة أغاني جديدة في الموسيقى التقليدية ستطرح على مسامع عشاق هذا الفن بعد رفع الحجر الصحي على بلادنا.
«أعمال فنيّة كثيرة ولكنّها عشوائية»
- هل تعتقد أنّ الهياكل والمنشآت التي تعنى بالجانبين الثّقافي والحرفي كافية بالولاية؟
لم تدّخر الدولة جهداً في إنشاء المرافق الرياضية والثقافية الموجّهة للشباب، ولكن غياب عامل توجيه الشباب وتأطيرهم قوّض من مجهوداتنا في إنعاش المشهد الثقافي بالولاية.
الهياكل والمنشآت موجودة وهي أكثر من كافية، ولكن بعض الجمعيات التي تعنى بالجانبين الثقافي والحرفي على وجه الخصوص تفتقر إلى التوجيه في خلق نشاطاتها، فلا تكاد تجد جمعيتين أو أكثر يشتركون في تنظيم نشاط موحّد، فكل جمعية تعمل بمفردها بشكل عشوائي.
شباب الولاية متعطّش للفن وذوّاق للموسيقى يحتاج فقط إلى من يوجّهه ويؤطّره ويصقل مواهبه، نحن نطمح كحرفيين وفنانين إلى تشكيل لجنة خاصة بالفنانين على المستوى المحلي، والتي ستأخذ على عاتقها مسؤولية تنظيم المناسبات الثقافية على المستوى المحلي بإشراك كل الفنانين والحرفيين.
النشاط الثقافي والفني في دور الشباب هو نشاط تربوي بالأساس، فما دُمنا نستقطب فئة الشباب والمراهقين، فنكن بذلك نكون قد قضينا على البيئة الخصبة التي تنمو معها الجريمة والآفات الاجتماعية، وقطعنا الطريق أمام انحراف الشباب.
- ما هي أهم المشاكل التي يعاني منها الحرفي بولاية تندوف؟
نعود للحديث عن مسألة غياب التوجيه من جديد، فأهم مشاكل الحرفيين اليوم هو غياب إطار تنظيمي موحد يجمع الفنانين و الحرفيين بالولاية يعمل على التنسيق بينهم بشكل رسمي.
أنا أعتقد أنّ مسؤولية غياب التنسيق بين الفنانين بالولاية تتحمّل الإدارة جزءاً يسير منه، فيما تقع المسؤولية الكبرى على الفنانين أنفسهم بسبب تقاعسهم عن الانخراط في هياكل تنظيمية موحّدة توفر لهم الأرضية الخصبة لخلق أعمال فنية مشتركة، و لِم لا تنظيم تظاهرات فنية وطنية بالولاية.