حمزة بونوة فنان تشكيلي جزائري، يمزج بين التراث الإسلامي والجماليات والتقنيات المعاصرة. تمكّن بونوة من اكتساب تجربة دولية في مجاله، ارتأى استثمارها في الجزائر، التي عاد إليها بمشروع أسماه «ديوانية الفن». يحدّثنا بونوة في هذا الحوار عن قراءته للمشهد التشكيلي الوطني، ويعتبر أن الفعل الثقافي ينتجه المجتمع وليس وزارة الثقافة، كما يدعو الفنان المحلّي إلى التخلّي عن الاتكالية والبحث عن الفرص، ورفع قيمته السوقية التي تحدّدها معايير ومؤسسات مرجعية.
- الشعب: بداية..هل لك أن تحدّثنا عن تجربة «ديوانية الفن»؟
حمزة بونوة: «ديوانية الفن» هو رواق فني جديد يقع ببوشاوي بالعاصمة، يتميز بكونه لا يقتصر على الفنانين الجزائريين، ويُراد له أن يكون مشروعا رائدا يهدف إلى تحريك ديناميات سوق الفنون في الجزائر.
وهدفنا هو تعزيز الحركة الفنية في الجزائر، والمساعدة في نحت مكانة لبلدنا كمركز إقليمي للفن. كما نهدف إلى تقديم الدعم للمواهب الجديدة التي تعمل اليوم من جميع أنحاء المنطقة من خلال عرض أعمالهم ورفع مستوى ملفهم الشخصي من خلال الترويج لفنهم على نطاق أوسع.
وحينما أقول «نحن»، فأنا أقصد فريقا من الشباب انضم إلى هذا المشروع الذي أسسته،وسيكون عملي دعم المشروع من خلال روابطي بعالم الفن العالمي، ومساعدته على شغل مكانه على الساحة الدولية. كما سنعمل على إبراز الأساليب والتقنيات الجديدة، ونخطط لإطلاق حيث يمكّن المشاركين من تبادل الأفكار المتعلقة بالفن والثقافة وغيرها من القضايا.
وقد فكّرنا في الإعلان عن افتتاح المشروع بتنظيم معرض «مسارات»، الذي سيكون على شكل أيام مفتوحة، وخطّطنا لأن يكون ذلك مبدئيا من 04 إلى 11 جويلية المقبل، ولكن المحافظة على هذا التاريخ وعدم تغييره معتمد على تطورات الأزمة الصحية الحالية.
ويقترح «مسارات» مجموعة متنوعة من الفن المعاصر العربي والإسلامي، ويعرض أعمال تسع فنانين من داخل الجزائر ومن خارجها، وهم ثيللي رحمون ورشيدة أزداوو من الجزائر، راشد دياب من السودان، لؤلؤة الحمود من السعودية وتعيش وتعمل في المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة، ومن مصر محمد أبو النجا ومحمد إبراهيم المصري، محمد العامري من الأردن، غادة الزغبي من لبنان، شادي طلايي وهي خطاطة ناشئة من إيران.
- تعود إلينا أيضا بمعرض افتراضي عنوانه «ريفورمات»..هل من تفاصيل أكثر حول هذا المعرض؟
المعرض من تنظيم «غاليري المرخية» في العاصمة القطرية الدوحة، وذلك عبر موقع الإنترنت العالمي «أرتسي»، وقد انطلق في 9 جوان ويستمر حتى 27 جوان الجاري، ويمكن للجمهور مشاهدة الأعمال الفنية من خلال الرابط .
هذا المعرض مجموعة من الأعمال التي تتناسب جميعها مع حالة التباعد الاجتماعي بفعل انتشار فيروس كورونا، وفي هذا السياق أحرص على استخدام منصات التواصل الاجتماعي في عرض عدد من الأعمال المتنوعة، بهدف إثراء الحركة التشكيلية على النت، وإحداث حالة من النقاش حول الأعمال المطروحة عبر التعليقات، فضلاً عن القيام بتقديم عدد من المبادرات الفنية المعتمدة لإقامة المزيد من المعارض الافتراضية المصحوبة بالنقاشات الفنية في ظل توقف المعارض الحية.
كل هذا ساهم في ولادة سلسلة من الأعمال الفنية تحت اسم «ريفورمات»، وخلالها يتم الكشف عن الحاجة الشديدة للتفكير وإعادة صياغة ما تم استيعابه، ومن هنا جاء استخدام الخط لجعل الأعمال قريبة بدرجة معينة من العلامات والرموز التي لا يمكن تفسيرها، والتي تتشابه بما ينبثق عندما يحتاج الكمبيوتر إلى إعادة تنسيق أو لإكمال إعادة التشغيل..معرض «ريفورمات» يأتي بمثابة ردود فعل المستخدمين على تلك العلامات والرموز المزعجة التي قد تظهر بشكل غير متوقع على الشاشة.
- بالحديث عن المعارض الافتراضية، هل يمكن أن تكون حلّا من الحلول الممكنة لإنعاش الفن التشكيلي الجزائري، سواءً خلال الأزمة الصحية الحالية أو ما بعدها؟ وما الذي يجب توفّره لنرى مثل هذه المعارض حاضرة أكثر في مشهدنا الثقافي؟
تجربة المعارض الإلكترونية نالت استحسان الجمهور، سواءً الفنانين أو قاعات العرض الفنية أو المتلقي، كونها جاءت في ظروف الحجر الصحي، وقد أصبحت متنفسا ثقافيا وفرصة للاطلاع على التجارب الفنية والإبداعية، وبناء علاقات إنسانية، والتأكيد على أن الفن لا حدود له.كما أن المعارض الافتراضية ليست بنفس التكلفة المادية التي أرهقت قاعات الفن الخاصة، وهذه هي المرة الأولى التي تنجح فيها مزادات الفن في بيع جيد افتراضيا. شخصيا أعتقد أن مستقبل المعارض الفنية سيكون مواقع الانترنت، ولكن لا يجب فهم الافتراضي على أنه فيسبوك مثلا، هذا خطأ، وأنا أتكلم عن المواقع المتخصصة.
@ كثيرا ما نسمع انتقادات تتعلّق بغياب سوق للفن التشكيلي..ما هو رأيك في هذا الصدد؟
@@ أولا، يجب الاتفاق على أمر أراه مهمّا، وهو أن الفنان الجزائري، في معظم الأحيان، لم يفهم أن سوق الفن ليس من تنظيم وزارة الثقافة، ولا من تنظيم الفنان نفسه.. كما لا يوجد مصطلح «خلق سوق الفن»، ولا توجد دولة في العالم فعلت ذلك، ولكن هذه السوق تنشأ بطريقة آلية ومنطقية، وترتبط بالمجتمع وثقافته وبالتربية والتعليم.
وقد سبق وأكّدت خلال مشاركتي في مشاورات «صمود الفن»، التي نظمتها كتابة الدولة للإنتاج الثقافي بالتعاون مع اليونسكو، أن سوق الفن ليست مهمة وزارة الثقافة، بل هي شيء يتطور في المجتمع، ولا يتأسس بمعرض بل بإستراتيجية على المدى القصير، وكذا على المدى البعيد تمسّ المدارس والتعليم وتثقيف النشء.
ما حدث في السنوات الأخيرة هو تنظيم معرض تحت تسمية «سوق الفن»، عُرضت فيه أعمال تشكيلية حُدّدت لها أسعار وبطريقة عشوائية، وصراحة لم أكن سعيدا بهذا المنظر: الأعمال الفنية لا نضع عليها أسعارا فهي ليست أحذية أو ملابس.
بالمقابل، توجد القيمة السوقية للعمل الفني وهي القيمة الحقيقية للفنان المتمكن، والقيمة السوقية لا يحدّدها الفنان بل الكثير من الأطراف على المستوى الدولي، وعرض الفنان لأعماله، ونسبة تواجده في المتاحف الدولية، وبيع أعماله في المزادات، ومن يرفع السعر هو هذه المؤسسات بمجملها.
للأسف فالفنان المحلّي لا قيمة سوقية له، وطبعا هذا ليس انتقاصا من قدر الفنانين المحليّين، بل نصيحة لهم لكي يخرجوا من هذه الحالة غير الصحية من الاعتماد شبه الكامل على وزارة الثقافة، والبحث على فرص أفضل والتواصل مع العالم بأسره.
من جهة أخرى، فإن الذي يريد شراء عمل فني يجب أن يكون مثقّفا قبل أن يكون «غنيّا» وذا أموال، بينما ما حدث عندنا هو أن الذي يمتلك المال ليس لديه بالضرورة ثقافة كافية لفهم العمل الفني ودعم الفنانين، كما يحدث الآن في دول، بما فيها العربية، أين يوجد رجال أعمال يهتمون باقتناء أعمال فنانين على مختلف المراحل. أرى أن مشكلتنا في الجزائر هو أننا نريد إنجاز أشياء تحتاج إلى إستراتيجية بعيدة المدى في أيام قليلة، وهذا هو الخطأ الكبير.
وبالعودة إلى مشروع «ديوانية الفن»، فهو يسعى إلى خلق تحوّل في الطريقة التي يعمل بها سوق الفن المحلي، من خلال تقديم طبقة إضافية من الاحتراف عند التعامل مع عالم الفن التجاري.
- بالاعتماد على خبرتك الدولية..ما هي التّجربة الأقرب التي يمكننا الاستئناس بها في الحالة الجزائرية؟
هنا أنا لا أريد المقارنة بدولة بعيدة عنّا، بل مقارنة أنفسنا بدول مجاورة، كتونس والمغرب، والفعل الثقافي بهذين البلدين جيّد نوعا ما، وحسب خبرتي في تونس فإن 70 بالمائة من النشاطات لا تنظمها وزارة الثقافة، وهناك الكثير من القاعات الخاصة المؤثرة جدا في الفعل الثقافي، مثل مؤسسة كمال لزعر التي لديها نشاطات كبيرة محليا ودوليا، وتقوم بدعم الفنانين وشراء أعمالهم..وفي المغرب هناك بينالي الدار البيضاء الذي أسسه مصطفى رملي ولا علاقة له بالوزارة، و»بينالي مراكش للفنون»، ومزاد علني لبيع الأعمال الفنية لا دخل لوزارة الثقافة فيه.
لذلك، أرى أنه على وزارة الثقافة في الجزائر أن لا تحتكر كل شيء وتترك قليلا المساحة للناس لكي تقوم بالفعل الثقافي، دون التخلي عن صلاحياتها من مراقبة ومتابعة وإشراف وشأن إداري، مراعاة لسياسة الدولة. ونحن في معرض الديوانية نأتي ضمن هذا السياق في بعث القطاع الخاص وتنشيط الحركة الثقافية الجزائرية، لأنّ الفعل الثقافي والفني الحقيقي يجب أن يبنى وفق رؤية وإستراتيجية بعيدة المدى.
- في الأخير..كيف ترى مستقبل الفن التشكيلي عندنا؟ وما الذي تقترحه من أجل واقع أحسن وأبهى ألوانا؟
أعتقد أنّه يتوجّب بعث القطاع الخاص في الثقافة، سواءً في الإنتاج السينمائي أو الحفلات الموسيقية والقاعات الفنية، مع تسهيل بعض المسائل الإدارية، ثم نترك الأمور تتطور منطقيا.