أكّد الفنان التشكيلي رابح لموشي على أنّ الفن التشكيلي استفاد كثيرا من جائحة كورونا، من خلال إعادة العالم بصفة عامة والجزائريين بصفة خاصة لاكتشاف هذا النوع من الفني العريق والمهمّش، حيث انتعش افتراضيا وكشف النقاب عن الكثير والعديد من الفنانين المدفونين منهم، والذين يعانون في صمت سواء أكانوا أكاديميين أو عصاميين وأعادهم إلى الواجهة الفنية.
أشار الفنان المبدع صاحب اللوحات التشكيلية والمجسّمات الفنية الرائعة رابح لموشي، في تصريح لجريدة «الشعب»، إلى استثماره فنيا في جائحة كورونا، من خلال مشاركته في المسابقة الوطنية «محمد خدة الافتراضية» لمدارس الفنون الجميلة، وإفتكاكه للمرتبة الأولى، حيث ساهم العالم الرقمي والافتراضي في خلق جسور تواصل فنية بين مختلف المبدعين وعشاق هذا الفن من كل ولايات الوطن، وحتى بين عديد الدول التي اجبرها الحجر الصحي على البقاء بالمنازل واستغلال هذه الفترة في إنجاز إبداعات فنية رائعة تم الترويج لها عبر منصات التواصل الاجتماعي ومختلف الفضاءات الرقمية والافتراضية.
وبخصوص واقع هذا الفن في بلادنا كشف لموشي، وهوخريج المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بولاية باتنة، وصاحب المراتب الأولى في العديد من المنافسات الوطنية، أنّ تفشي كوفيد 19 أعاد فعلا بعث الفن التشكيلي وأنعشه، حيث كان الحجر الصحي المنزلي وما رافقه من إجراءات وقائية صارمة رغم تأثيراته «فرصة رائعة» للعالم اجمع وخاصة الجزائر لتنشيط وتفعيل هذا الحق الثقافي افتراضيا.
ويتوقّع إبن منطقة بوزينة الخلاّبة، أنه سيكون لهذا الفن مستقبل زاهر ومختلف عمّا كان عليه قبل كورونا، من خلال إنشاء سوق افتراضية له تكون فرصة لكل المبدعين للترويج لأعمالهم التي تعاني التضييق والتهميش، والغلق من طرف الجهات المسؤولة عن الشأن الثقافي ببلادنا واقعيا.
ويستدل محدثنا بتعمد مختلف الجهات المعنية من بلديات وولاية أو حتى وزارة الثقافة، في تعمّد إقصاء وتجاهل الفنانين التشكيلين خلال تسجيلهم لمختلف العمليات التنموية على غرار تزيين واجهات ومداخل المدن، فمثلا عندما يتم برمجة مشروع إنجاز لوحة تشكيلية أو مجسم بمحور دوراني، فيتم منح المشروع مثلا لبناء وليس لنحات. ونفس الشيء بالنسبة لإنجاز معرض لوحات، فيمنح المشروع أيضا لمهندس معماري ويقصى عمدا الفنان التشكيلي الذي له القدرة الفنية على إنجاز مثل هذه المشاريع بلمسة فنية مبدعة دون الحديث عن مشاريع الصباغة والتلوين والتزين التي تمنح تحت الطاولة لأشخاص لا علاقة لهم بالألوان، فما بالك بالإبداع، يضيف المتحدث.
وقد ناشد لموشي الجهات المعنية إعادة النظر على الأقل في طريقة منح مثل هذه المشاريع ذات الصبغة والمحتوى الفني، وحصرها على المبدعين والفنانين التشكيليين دون سواهم، لخلق موارد مالية لديهم تمكّنهم من مواصلة الإبداع، فالنجار عندما يصنع مثلا ألف سرير ولا يجد لمن يبيعه، فهو سيتوقّف أكيد عن الصنع، هكذا الفن في الجزائر - حسب لموشي - لن يتطور إلاّ إذا أصبح للفنان شأن وتقدير لمجهوده ومرافقة لتسويق أعماله.
النّظرة الدونية حالت دون تطوّره
أوضح رابح لموشي في سياق متصل، أنّ الفن التشكيلي في الجزائر لا يزال يعاني الكثير من التهميش بداية بالنظرة الدونية والقاصرة لهذا الفن وأهله، الأمر الذي يساهم في تراجع مكانة وقيمة الفن التشكيلي إضافة إلى «تعمد» أغلب المؤسسات استغلال الفنان بدون مقابل مادي من أجل إنشاء معارض ومسابقات لنحت أو رسم أو تشكيل جدارية مجانية تأخذ الكثير من جهد ووقت الفنان اولرسم لوحات للتزين في مؤسساتهم اوجمعياتهم مقابل ورقة مكتوب فيها «شهادة تقدير» لا تسمن ولا تغني من جوع ــ حسبه ــ
ولعل عزاء الفنان الوحيد في مثل هذه المواقف وأهم جائزة يتلقاها هي رؤيته للزائرين والمعجبين بلوحته وانبهارهم بها، ثمّة فقط يشعر الفنان بالراحة النفسية ويرتاح قلبه يضيف المتحدث، الذي ينتمي للمدرسة الوحشية، فمعظم مواضيع أعماله الفنية طبيعة صامتة يستلهمها بين النور والظلام من خلال تجسيد الطبيعة في أعماله الفنية في شلالات ونافورات يعتبرها غذاء فنيا للعين.
ويقترح لموشي لإعادة الفن التشكيلي إلى سكّته الحقيقية، التركيز على خريجي مدارس الفنون الجميلة في مختلف الأعمال الفنية للمساهمة في تطوير بلادنا اقتصاديا وثقافيا وسياحيا على غرار الحاصل في بعض الدول الجارة التي يعتمد اقتصادها على السياحة الثقافية، كمنحهم الفرصة هو وغيره من الشباب المبدع لإنشاء مثلا منتجع سياحي يجسّدون فيه الحضارات التي تعاقبت على الجزائر، وبأشياء بسيطة لا تكلّف ويستقطب الكثير من السياح الأجانب، خاصة وأنّ بلادنا ثريّة بالمعالم والفضاءات الطبيعية والتاريخية والسياحية والدينية وغيرها، دون أن يقتصر دوره على رسم لوحة واحدة فقط أو حصره في ورشات مناسباتية.
كما انتقد الفنّان الشاب بشدّة ظاهرة طفت على السطح في السنوات الأخيرة وتهدّد فعلا مستقبل هذا الفن، ويصفها بأسوأ شيء يمكن أن يحدث في الحياة الفنية، وهو سرقة لوحات بعض الطلبة من طرف المسؤولين وتغيير التوقيع، وبيعها بأثمان باهظة بينما يدرس طالب مدرسة الفنون الجميلة 4 سنوات كاملة في مرفق عمومي يفترض ــ حسبه ــ أن يكون إقامة محترمة، غير أنّها لا تتوفر على شروط الإقامة الطلابية الضرورية، وهي تجربته مع عدة مدارس وطنية للفنون الجميلة خلال مشواره الدراسي بداية بمدرسة الفنون الجميلة بباتنة مرورا بمدرسة وهران، وبعدها عزازقة التي وصفها بالمدرسة الاستثناء المختلفة والمميّزة في التكفل بطلبتها.