تعليق النشاطات الثقافية حجر صحيّ للذات وليس للفكر والإبداع
يرى الشاعر بغداد سايح بأن الثقافة كانت وما زالت الحصن المنيع أمام مختلف مشاكل العالم، وبأن واقع الثقافة والمثقف اليوم متعدد في ظل هذه الأزمة الصحية، مشيرا في حديث مع «الشعب» إلى أن تعليق النشاطات أصبح ضروريّا تفاديا لانتشار وباء «كورونا» بين الأفراد المهتمين بالثقافة والفن، غير أنه أكد بأن الإقبال على الكتب والمجلات متواصل، والبحث عن جديد الفن متوفر ولوافتراضيا من خلال شبكات التواصل بين العالم، وقال بغداد سايح بأن التطوّر يفرض على العالم أن تستمرّ مختلف نشاطاته عبر منصات أخرى ومن خلال أدوات متجددة..
- الشعب: بداية كيف هوواقع الثقافة والمثقف اليوم، في ظل الأزمة الصحية التي يشهدها العالم من جهة والجزائر من جهة أخرى؟
بغداد سايح: إن واقع الثقافة والمثقف لابد أن ينطلق من إيجابية، إنّ الثقافة كانت وما زالت الحصن المنيع أمام مختلف مشاكل العالم، فالوعي ينتصر للواقع حين ينبع من مثقف يستطيع غرس الحس بالمسؤوليات والتفاؤل في مجتمعه، لا انفصام للثقافة عن واقعها فهي تمنحه المعرفة والعزيمة في تحدّ لكل المستجدّات السيئة، إننا نرى واقع الثقافة والمثقف متعدد في ظل هذه الأزمة الصحية، فالواقع الساخر ليس بالضرورة مرتبطا بثقافة استهزاء بل نبذا للتهويل، كما أنه واقع يرتبط بالوقاية دون مبالغة.
- ما هي نظرتكم لتعليق مختلف دور الثقافة والمؤسسات عبر الوطن لنشاطاتها الثقافية والفنية إلى إشعار آخر بسبب فيروس كورونا؟
هذا دليل آخر على أن الثقافة ليس بمنشآتها ولا بمؤسساتها، بل بما تبعثه من فكْر وفنّ داخل المجتمع انطلاقا من المثقف الواعي بمسؤولياته والفنان المقتدر، ثم إن هذا التعليق أصبح ضروريّا تفاديا لانتشار الداء بين الأفراد المهتمين بالثقافة والفن، لكنّ هذا لا يعني تعليق النشاطات الثقافية التي تجد واقعها عبر وسائل أخرى، فالإقبال على الكتب والمجلات متواصل، والبحث عن جديد الفن متوفر ولوافتراضيا من خلال شبكات التواصل بين العالم، فالتطوّر يفرض على العالم أن تستمرّ مختلف نشاطاته عبر منصات أخرى ومن خلال أدوات متجددة.
- هل هذا يعني أنكم تعملون على التواصل مع قرائكم، أويمكن القول أنكم أنتم أيضا في عطلة مؤقتة؟
إن التواصل ضروري فهوالمشجع على التلاحم، في الأوقات العصيبة لابد من تآلف وتكاثف يبنيهما المثقف على أسس ثقافة التواصل، صحيح أن هناك العطل المؤقتة التي تطوّق وتُقلّص مساحة التواصل الفعلي، لكن هذا لا يعني الانعزال في برج عاجيّ بعيدا عن الانشغالات اليومية، إنما هوحجر صحيّ للذات وليس حجرا لتبادل الآراء ووجهات النظر، ما يهم ليس التواصل في حد ذاته بل فحواه ورؤاه والسياقات التي يكون عليها، لذا وجب اغتنام تواجد التواصل عبر التكنولوجيا في رفع المعنويات لا إحباطها، فالأصل ترك الترهيب.
- وكيف يمكن في نظرك للتكنولوجيا الحديثة أن تخلق رابطا متينا بين الكاتب أوالشاعر والقارئ.. وكيف لها أن تجعل الثقافة تستمر في ظل الأزمات؟
إنّ وجود التكنولوجيا الحديثة ليس كافيا لخلق الرابط بين المبدع والمتلقي ما لم يقترن ذاك بأساليب مبتكرة، أقصد بالأسلوب هنا تفعيل التواصل مع الآخر بإشراكه في العملية الثقافية لا التثقيفية، ذلك أن الثقافات موجودة ومتعددة، ما يجب فعلا لاستمرار الثقافة في ظل الأزمات هوذاك التثاقف الذي يتناسل عبر تلاقح الثقافات المختلفة، فالعجز الذي يصيب الانتقال والتنقل تعوضه الوسائط الإلكترونية والمعلوماتية عبر تكنولوجيا تتطور تواصليّا، ومن هنا وجب خوض معارك من نوع آخر أمام الأزمات التي تصيب البشرية.
- الأزمة التي تمر بها البلاد بحاجة كبيرة إلى التوعية.. هل ترى بأن المثقف الجزائري لعب دوره في هذا الجانب؟
المثقف الجزائريّ ليس له أدوار يلعبها إلا في الهامش الضيق من مجتمعه، ذلك أن الأدوار كلها تُلعب في المجال السياسي، لهذا أوجد المثقف حضورا له في منابر أخرى بعيدا عن الثقافة التي يؤمن بانتصاراتها، إن مثقف اليوم موقن أن جهوده لن يكون لها الأثر المحمود ما لم يرتبط ذلك بسلطة، لذلك هويلعب دوره عبر مناصب وظيفية دون حصر ذاك الدور في محيط التثاقف الذي يشتغل عليه، فالمثقف داخل دائرة الأزمة هومثقف مهنة لا مثقف فكرة وتفلسف، لهذا أقول أن المثقف الطبيب والمثقف الأستاذ والمثقف الشرطي وغيرهم هم صُنّاع الدور.