يعتبر الكاتب الروائي عبد المنعم بن السايح المتوّج مؤخرا بجائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع عن نصه المسرحي «شعائر الإبادة»، أن ظاهرة تأليف كتاب مُشترك بين المؤلفين أو ما يُسمى «الكُتب الجامعة» ظاهرة قديمة لم تظهرْ في عصرِنا هذا فقط بل ظهرت في العصر الحديث، ولم تَكُنْ حِكرًا على الأقلام الناشئة بل كان يلجأ إليها كُتاب ذو ثقل ومكانة، موضحا أن المكتبة العربية والإنسانية شاهدة على تأليف الكثير من الكُتب المشتركة في كافة الأجناس الأدبية وخاصة في الشعر والقصة وأيضًا فن الرسائل والمقال.
قال محدثنا إن هذه الظاهرة لا تُنقص من قيمة الأدب ولا من قيمة الكِتاب بل بالعكس تمامًا فهي تدعمه وتزيد من قوته، خاصةً أن الكِتاب يجمع في طياته أوجُه عديدة من الجمال ويُحِيلُنا إلى العديد من الأسئلة لعقولٍ مُختلفة في الرؤيا والتحليل والتجليات، كما لا تعتبر هذه الظاهرة حسبه ضعفًا للكُتاب الذين يتشاركون في تأليف كتاب واحد، بل تُعتبر مُغامرة وتحديا صعبا.
وفي هذا السياق، أوضح أن الكتاب الجامع يضع الكاتب في مجهر ميكرو سكوب الكاشف للضعف الفكري والبنائي والأسلوبي وأيَضا للقوة، ويحيل القارئ إلى معرفة الجماليات القوية ما بين المؤلفين الذين يحتويهم الكتاب، فليس كل كاتب لديه الشجاعة في تأليف كتاب جامع، فكما يقول المثل «عدوك هو صاحب حرفتك»، ينطبق هذا المثل حتى بين الكُتاب الذين يحاولون إشعال الكون بالجمال، ولكن فكرة أن يوحدهم كتاب لابد أن يكون فيما بينهم تَشَارُكا في التوجه والمسار والصداقة المعرفية وحتى الانتماء في ذات المدرسة والقضية التي يدافعون من أجلها.
وبالعودة إلى الكتب الجامعة في العصر الحديث فقد كانت - كما ذكر - تقوم على دعامةٍ واحدة حيث إذا وَجَدْتَ كتابا مُشترك التأليف، فاعلم أنه يصُب في ذات التوجه ويُعالج ذات القضية، وأفكار الكُتاب تكون متممة فيما بينهما؛ فما لا يراه كاتب ما يراه الآخر، من هنا نقول إن «الكتب الجامعة في العصر الحديث كانت كُتبا تثري المشهد الأدبي، وهي إضافة مهمة ومُلهمة لتاريخ الأدب العربي ودعم للمكتبة العربية والإنسانية، ولكن في عصرنا هذا استُسْهِلت هذه الظاهرة، وأصابها الإسهال والرداءة كغيرها من الظواهر الجمالية التي تشوَّهت، إذ كثر اللجوء إلى هذه الوساطة الأدبية، واسطة تأليف الكتب الجامعة لدرجة أنها أصبحت مائعة جدًا.
«وساطة أدبية استغلّتها بعض الجهات دون مراعاة القيم الفنية والجمالية»
أكّد الرّوائي عبد المنعم بن السايح أن لهذه الظاهرة أبعاد سلبية وأبعاد ايجابية، وتتمثل السلبية منها في أن هذه الظاهرة استغلتها دور النشر -الحديثة في التأسيس - وبعض الجمعيات الثقافية إذ تعتمد على سياسية إغراء الأقلام الناشئة المبدعة وغير المعروفة في الوسط الأدبي، وتطلق لهم مسابقة الكتاب الجامع من أجل طباعة نصوصهم في كتاب واحد، ولكن بعد دفع مبلغ مالي توهمهُم أنه مبلغ رمزي، ولكنه في حقيقة الأمر هو مبلغ انتهازي، من هُنا وعلى وقع الإغراءات خاصةً في وسائط التواصل الاجتماعي نجدُ إقبال الكتاب الناشئين إلى هذا النوع من المسابقات من أجل تحقيق حلمهم، وهو قراءة قصصهم أو أشعارهم في كتاب ورقي، وأن يوقعوا للقراء حتى ولو كان كِتاب مُشترك في التأليف ولكن للأسف هذه الدور أو الجمعيات لا تُراعي القيمة الجماليّة ولا الفنيّة للنصوص المُختارة، بل تتعمد إلى طباعة كل النصوص المشاركة مادام المشارك - مشاركًا لا كاتبا - يدفع المال من أجل طباعة ما كتبه حتى ولو كان لا يصلح للنشر وأضاف هنا أن المتلقي يعد ـ الحلقة الضحية ـ عندما يقرأ كتاب «الكُوكْتَالْ» لا يجد القضية التي يُعالجها هذا الكتاب ولا يجد القيمة الفنيّة ولا القيمة الجمالية، فيختلط عليه الأمر ويجد نفسه يدور في حلقة مفرغة لا تُفضي لغاية.
ومن الأبعاد السلبية للكُتب الجامعة أنّها تعدّت جنس الشعر والقصة والمقال وفن الرسائل بل أصبح ما يُسمى بالتأليف الروائي المشترك ما بين أكثر من كاتب، من هُنَا قال محدثنا أجد إن «الكتاب الجامع لا يصلح لكافة الأجناس الأدبية».
فالكتابة الروائية المُشتركة أراها استخفافًا للقارئ واستسهال فن الكتابة وإهانة للكتابة الروائية العربية، فالرواية تعتمد على الأسلوبية الموحدة لكاتب واحد يحمل قضية ما ويُسلط عليها ضوء فكره ويرويها بطريقته الخاصة، فثنائية أو ثلاثية كتابة الرواية لا تصلح في الأدب العربي ولكن كتابة الرواية الجامعة في الوسط الأدبي العربي ما تزال محمل تجريب، وأرجوا أن تفشل تحصينًا لهذا الجنس من تفشي الرداءة أكثر».
كانت انطلاقة لكتّاب تألّقوا بعدها
في الوسط الأدبي
أما عن الأبعاد الإيجابية لظاهرة «الكتب الجامعة»، فمنها أنها تُحيلنا إلى التعرف على كُتاب وأسماء دفعة واحدة، وتجعلنا نشرب من أنهار جماليَّة مختلفة، حيث هناك كتب جامعة جمعت أقلام لكتاب جدد ومع الوقت أصبحوا كُتاب ذو ثقل ومكانة في الوسط الأدبي والثقافي، أعطي على سبيل المثال لكتاب كانت بدايتهم في كتاب جامع «الروائي عبد الرزاق طواهرية، الروائي محمد أيمن حمادي، عمر بن شريط وغيرهم»، فالكتاب الجامع كان حافزًا لهم من أجل العطاء الإبداعي الجاد وللتقدم أكثر والتطور في فنيات الكتابة الأدبية.
ومن الإيجابيات أيضًا أنها أصبحت وسيلة للمساعدات الإنسانية، فكما نعرف أن الكُتّاب العرب ليست لهم عوائد مالية ضخمة من مؤلفاتهم، ولكن شُهرتهم تضعهم في موقف مُحرج أمام من يطلبون منهم المساعدة الإنسانية، حيث لجأ الكتاب المشاهير إلى الكتاب الجامع، حيث تتشارك الأسماء المشهورة في تأليف كتاب واحد من أجل ترويجه وعوائده تعود لجهة ما لمساعدتها للعلاج أو الإعانة وهذا ما اعتمدته دار العالمين للنشر والتوزيع لمديرها «محمد أبولبيبة دادي عدون»، حيث اختار أبرز الكتاب الشباب الجزائريين المؤثرين من أجل مساعدة إنسانية لجهةٍ ما وألفوا كتابا بعنوان «قطوف من ورود» عوائده كاملة عادت للجهة المختار مساعدتها.
من هذا المنطلق فإن ظاهرة الكتاب الجامع أراها ـ شخصيًا ـ ظاهرة صحية تخدم الأدب والمكتبة العربية والإنسانية، حسبما أكده المتحدث ولكن إن أتقنا استعمالها نحن الكتاب، ولا نستسهلها مثلما استسهلنا الكثير من الفنون، فكما قلت لابد أن يكون الكتاب الجامع - الذي اشترك في كتابته العديد من المؤلفين ـ يحمل قضية ويكمل بعضه بعضا ويثري المتلقي، وأن لا يكون من أجل غاية تأليف الكتاب ليسمى كتابًا لا أكثر.