نضال كفاح فنّانة تشكيلية من ولاية تبسة، هي ابنة الفنان التشكيلي إلياس قدري، ولدت في بيت مليء بالألوان، كانت والدتها المتوفاة وهي في سن صغيرة أيضا فنانة، تقول محدّثتنا: «كل الأطفال لعبوا باللعب إلا نضال لعبت بالألوان». هي خرّيجة المعهد البلدي للموسيقى والفنون التشكيلية بأم البواقي، والذي درست فيه سنتي 87 و88، أسّست جمعية ثقافية ولائية بولاية أم البواقي أين استقرّت فيها منذ سنوات، وكانت خلال السنوات الأخيرة قد شقّت طريقا مميزا لها في مسيرتها الفنية بعد أن توجّهت إلى استخدام الألوان في المعالجة النفسية للطفل من خلال قراءة رسومات الطفل أثناء التحدث إليه ومقارنتها برسومات أنجزها دون التحدث معه من خلال طريقة الرسم واللون والخط.
تعتبر نضال كفاح أنّ نقاط التلاقي بين المرأة والفن عديدة، فالمرأة حسبها كائن حسّاس منذ نعومة أظفارها تجدها ميالة للجمال وكل شيء يحمل في طياته شيئا من الجمال، وذلك منذ اهتمامها في الصغر بلعبتها التي حرصت أن تختار لها أجمل الأقمشة لتبدو جميلة، وخلال وقوفها أمام المرآة التي قد لا تصل إلى طولها أحيانا تجرّب أغراض والدتها التي تشدّها لبهائها، وأهم شيء يجمع ميولاتها مع جمالية الألوان أنها منذ صغرها لا تكف عن العبث بمساحيق التجميل التي وإن كانت تخلطها على وجهها دون معرفة، تراها جميلة عليها وكلّما تكبر نجدها تهتم بالألوان أكثر، ألوان ثيابها وتناسقها وهكذا يكبر حب الجمال والألوان في قلب الأنثى.
وبالنسبة لمحدّثتنا فإنّه يمكن الربط بين المرأة واللوحة الفنية في ما تحمله المرأة من حس وهوى بداخلها، حيث يجسّد الفن المرأة في صور متعددة، هي الأم حينا والسند أحيانا أخرى، هي الشمول والشموخ والعزة والرفعة هي الأنوثة الصارخة من ألوانها وعطرها المنشور من يومياتها وأحداث واقعها المتأجج بالحياة وفي بعض المواقف هي الصرخة والألم، روح متوجّعة قد يكون ألم مخاض لحياة جديدة تستأصلها منها وأحيانا لظلم حاربها به المجتمع أو قهر تعرضت له، هي الحياة إن أعطيتها الثقة والسعادة، وهي الظلمة إن أعطيتها الألم.
وفي إجابتها عن الفرق بين المرأة والرجل في التعامل مع الريشة، أكدت الفنانة نضال أن الفروقات تكمن في كون الرجل رمز للقوة والمرأة حس، كما أن لمسات المرأة في اللوحة تظهر النعومة دون نقاش أو تعب في التفكير بينما لمسة الرجل فيها شيء من القوة وكذلك المواضيع، فالمرأة تميل للجمال والأنوثة بينما يميل الرجل غالبا للتاريخ والأصالة، وهكذا مواضيع هذا هو الفرق الجوهري حس ولمسات.
حواء موضوع ثري بالتّفاصيل الجمالية في الفن التّشكيلي
من خلال لوحاتها، تجد الفنانة في المرأة مواضيع ثرية في تفاصيلها الحياتية ببساطتها وحتى في تعقيداتها، لذلك لطالما كانت عنوانا للوحات خلدت عبر الأزمنة، ومن بين لوحاتها التي تمحورت في موضوعها حول المرأة كانت لوحتها «حنان»، وتمثل هذه اللوحة الأمومة والأم الحانية، والتي تلخص في أعين الكون معاني جمال الحياة وتعبر عن النبض والروح والقلب الحي بالحب، تجسد في ما وراء الصورة الأم كنعمة من نعم الخالق، وتحاكي صرخة الحياة التي ورغم الألم إلا أنها تبث منها نبضا جديدا، فكيف لا تكون الحياة؟
وتحكي كما ذكرت لوحة «راقصي المدى» عن الرقص كتعبير عن أنوثة متكاملة، إذ تشعر المرأة بأنوثتها وجمالها حين تمارس مواهبها وهواياتها حين تتمايل وتلتف حول المدى بحرية وتلاعب النسيم بعبثية، تستدير للألم نسيانا وترسم بتلافيف خصرها حكايات فرح وحزن وصمود لكل النساء عبر الأزمان.
أما لوحة «هُنّ» حمام النسوة التي تعبّر عن ثنائية لمسة الأنوثة والأصالة، حيث يشكل هذا المكان بالنسبة للمرأة العروس أو حتى النافس إحدى زوايا مشاركة الفرح مع نساء أخريات، في مكان قد يبدو روتينيا عند الآخرين لكنه عند نسائنا تقليدا متعارفا عليه.
وتبقى مواضيع لوحات الفنانة نضال كفاح كما أوضحت تعبر عن ميولها في تأكيد حق المرأة في ممارسة حريتها مع تمسكها بالأصالة نابعة من كونها امرأة تدرك معنى ما تعيشه المرأة داخل المجتمع، مؤكدة أنه «رغم تحرر المرأة في فترة ما ووصولها لدرجات سامية من العلم والتقدير، إلا أننا مازلنا نرى كل يوم وغالبا ظلما ضد النساء في مختلف الأماكن والأوساط، حيث أن هناك نساء لازلن يتعرضن للظلم، ومن زاوية أخرى أخريات تحررن فتحللن من الأصالة لهذا علينا أن نجمع شمل الحرية بالتقاليد ونزفهما في عرس ألوان بهي تولد منه أصالة متحررة».
وعن تقييمها لتجربة المرأة الجزائرية في الفن التشكيلي، تقول الفنانة نضال كفاح أنه ومن خلال ما نراه اليوم عبر الأنشطة والمعارض المقامة بمختلف التظاهرات والمناسبات، فإن المرأة أثبتت وجودها في الميدان حتى أصبح لها وزنها وحضورها الفعال في كل مناسبة من هذا القبيل، وبكل قوة حسية تعرض ما تحمله من تعبير عن واقعها من خلال اللون المتراقص عبر ساحات اللوحة.