غياب سياسة ثقافية غلّب المناسباتية والفلكلور
بساطة الإمكانات لم تمنعنا من تقديم نشاط جاد
الفضاء الثقافي «كلمة فوق الركح» مقهى أدبي نصف شهري أطلقته الجمعية الثقافية «سيرتا» في أكتوبر 2017، تجري فعالياته بدار الشباب بمدينة يسر ببومرداس، ويعمل على استضافة وجوه مسرحية ذات وزن، بغية كتابة تاريخ الفن الرابع الجزائري وتوفير مادة للباحثين والمهتمين. وللحديث عن النوادي الثقافية عموما، وتجربة «كلمة فوق الركح» خصوصا، استضفنا في هذا الحوار رئيس جمعية «سيرتا»، الكاتب والمخرج المسرحي محمد دلسي، الذي استنكر غياب العمل القار لدى النوادي الخاضعة لـ«مناسباتية» باتت تميّز قطاع الثقافة بشكل عام.
- «الشعب»: في رأيك ما هو دور النادي الثقافي عموما؟ وما الفرق بينه وبين المؤسسات الثقافية الأخرى؟
محمد دلسي: للجواب على سؤالك سأستشهد هنا بتجربتنا الخاصة، أي النادي الثقافي الذي نحن بصدد العمل فيه وهو إطار ثقافي فني يسمح لكل منتسبيه ورواده بالاطلاع على الجوانب الفنية والثقافية، ومعرفة كل الأمور التقنية، وبما أننا في النادي نشتغل على المسرح والمسرح الجزائري خصوصا، فإننا عملنا على ربط الممارسين الشباب بما أنتج أو أنجز من قبل في المسرح الجزائري، عن طريق توفير المادة والأرشيف من عروض فيديو أو صور من شأنها أن تعطي نظرة شاملة وواسعة عن أهم التجارب والأعمال المسرحية.
- على ضوء ما شرحته لنا.. كيف ترى أداء النوادي الثقافية عندنا؟
يختلف أداء النوادي حسب طبيعة وأهداف نشاطاتها. فاليوم الكثير من النوادي تبقى هياكل بدون روح، أو تكون أعمالها مناسباتية، والكثير منها اندثر في ظل غياب الاهتمام والدعم من قبل مؤسسات الدولة.
النوادي الثقافية اليوم تتحرك وفق الطلب وليس وفق النشاط القار لخدمة الفن والثقافة، وهو ما أثر سلبا على الفن والشباب الذي لم يجد من يبعث فيه الأمل في الإبداع لغد أفضل.
- ليس الموضوع غريبا عنك باعتبارك مسيرا لنادٍ ثقافي هو «كلمة فوق الركح».. هل يمكن أن تحدثنا عنه؟
نحن نشتغل في إطار نادٍ ثقافي من أهدافه الإنتاج الفني والثقافي وتنظيم الفعاليات والمهرجانات، ولنا عديد الإنتاجات المسرحية الموجهة للكبار وكذا لفئة الأطفال، كما لنا العديد من التجارب في تنظيم فعاليات ثقافية مسرحية ذات عمق ومستوى، بدءا بتنظيم لقاءات حول المسرحي عبد القادر علولة وتجربته في المسرح الجزائري، أين حاولنا التغلغل والتعمّق أكثر في هذا الموضوع من خلال استضافة أساتذة وأكاديميين من الجزائر وخارجها، للوصول إلى تفكيك شفرة التجربة المسرحية، وجعلها في متناول الممارس على مستوى الفرق والمؤسسات المسرحية.
- قدمتم العديد من النشاطات بإمكانيات بسيطة.. ما الذي يمكن أن نستخلصه من ذلك؟ وهل الثقافة هي نتاج إمكانيات مادية فقط؟
تجربتنا في مجال تنظيم الفعاليات الثقافية مكّنتنا من معرفة أهم سرّ للنجاح في أي عمل، وهو وجود الأفكار ومناقشتها ووضع خريطة لتجسيد المشروع.
فأغلبية تظاهراتنا أقيمت بإمكانات بسيطة، وفي أغلب الأحوال بدعم مادي من قِبل من يشاركنا التظاهرة، بحيث أننا دائما نسعى أن يكون العمل جماعيا لخدمة المسرح والثقافة المسرحية الوطنية، لهذا لا نجد أي إشكال في جعل من التظاهرة ترقى إلى مستوى فني كبير يفوق أحيانا ما تقدمه مؤسسات تنظم التظاهرة الثقافية بأموال كبيرة. وهنا أقول إن العقول هي من تنظم وتنجح أي العمل وليس الأموال.
- ماذا عن العقبات التي يواجهها ناديكم؟ وكيف التغلب عليها؟
أغلبية النوادي تعيش على اشتراكات أعضائها، أو بمساعدات من بعض المؤسسات التابعة للدولة كالبلدية أو مديريات الثقافة، لكن هذا الدعم في الغالب لا يرقى لأن يكون دعما بأتم ما للكلمة من معنى، فمديريات الثقافة في الجزائر لا تملك مشروعا ثقافيا فنيا للولاية الموجودة فيها، أي أن مديري الثقافة يشتغلون حسب أجندات سياسية، فكل المديرين لا يملكون خريطة عمل يمكن الاستناد عليها لبناء سياسة ثقافية للولاية الموجودين فيها، خصوصا وأن الجزائر متنوعة بطبوعها وموروثها الثقافي الغني، الذي يمكن بل يجب الاستناد عليه لبناء تلك السياسة، وبالتالي فالتنشيط المناسباتي والفلكلور يلتهم كل الميزانية لتجد النوادي الجادة نفسها أمام مديريات عاجزة عن بعث مشروع حقيقي. أما البلديات فأغلبيها لا تلتقي مع الثقافة وهذه الأخيرة آخر اهتماماتها على عكس كرة القدم مثلا، وبالتالي نحن أمام وضع صعب جدا جدا ويتطلب جهدا ليس للإنتاج وإنما للبقاء.
- على ضوء ما سبق قوله.. كيف ترى مستقبل النوادي الثقافية في الجزائر؟ وما الذي يجب فعله لتخرج هذه النوادي من التنشيط الثقافي إلى الفعل الثقافي؟
هنا سنجد أننا نتحدث عن عمل النوادي في ضل غياب سياسة ثقافية وطنية، فالاشتغال في ضل فوضى التصنيف يصعّب عملها، وغياب النصوص القانونية التي تتكفل بتنظيم القطاع الثقافي خلق تصادما في المهام بين النوادي ومؤسسات الدولة، وجعل بعض النوادي تلجأ إلى ملء الفراغ بالتواطؤ مع مؤسسات ثقافية للدولة، ممّا جعلنا اليوم نعاني غياب الفعل الثقافي الوطني أمام فوضى التنشيط والنشاط. وعليه فإن ضبط القطاع الثقافي أصبح ضرورة ملحّة، للحد من الاختلالات الموجودة في هذا القطاع الذي يتآكل من الداخل.