يعتبر النّاشط الثقافي صالح كحول، في هذا الحوار الذي خصّ به «الشعب»، أنّ الإقبال المتزايد على الرواية مقارنة بالشعر ظاهرة عالمية ولا تقتصر علينا فقط. كما اعتبر أنّ استعادة الجمهور لا تكون إلا بالعمل الجاد ورفع مستوى القارئ أدبيا ومعرفيا، إلى جانب وجوب إخراج الشعر إلى العامة وساحاتها ومنابرها الإعلامية، لمواجهة ما شهده المشهد الشعري في الجزائر من تراجع رهيب في السنوات الأخيرة.
- الشعب: بداية..هل أي كلام مقفى أو موزون يكون شعرا؟ كيف نميّز النّص الشّعري عن غيره؟
صالح كحول: حول ماهية النص الشعري، وكيف نميّزه من غيره، فالأمر هنا يعود إلى تعريف هذا الأخير ومميزاته، فكما نعرف أن الشعر فن أدبي قديم، ميزته الوزن والقافية وتفعيلاته المحدّدة، وهنا نحصر مفهومه في الشعر العربي الفصيح، وتعددت مع الوقت أشكاله وأنواعه، لكن بقي محافظا على ظاهره وموسيقاه. أما كيف نميز النص الشعري من غيره، فأسهل ما يكون هذا للعارفين بالنص الشعري وخصائصه، ويزداد صعوبة لمن يجهل هذا أو يرى أن كل ما نسب للشعر فهو منه.
- تشهد الرّواية إقبالا كبيرا في الفترة الأخيرة، مقابل تراجع في نشر الدواوين الشعرية..هل يتحمّل الناشر وحده هذا التراجع؟ وهل تبرّر الجدوى الاقتصادية عدم نشر الشعر؟
مسألة الإقبال المتزايد على الرواية مقارنة ببقية الأجناس الأدبية، سواء منها الشعر أوغيره، ظاهرة عالمية ولا تقتصر علينا فقط، وهنا تجدر الإشارة إلى نقطة مهمة وهي نوع القارئ الذي ساهم في منح الرواية مرتبة متقدمة في الترتيب، وجعلها مقصد الكثير من الأقلام مؤخرا، وما انجر عنه حالة التشبع الزائد في عدد كتابها ومن يقرأ لهم في نفس الوقت، لكن في النهاية يصطدم الجميع بضعف ما يروج له كروايات ولو لأسماء مرموقة.
الناشر لا يتحمل كل ثقل هذه الظاهرة، فالكتاب والموزعون والإعلام يتقاسمون المسؤولية، غير أنّ الكاتب يكون الأكثر تضررا وهومن ساهم في اتساع هذه الهوة بينه وبين القارئ.
النشر والتوزيع عملية تجارية قبل أن تكون إبداعية، ولا يجب تحميلهما ما لا يملكان له حلا جذريا، وهذا لا يبعد عنهما جرم المساهمة بما ينشر في زيادة الطين بلة، فغابت المراقبة والمراجعة والتدقيق وحلت محلها المتاجرة باسم النشر الأدبي.
- إذا اعتبرنا جدلا أنّ فرضية عدم إقبال الجمهور على الشعر صحيحة..كيف السّبيل إلى استعادة هذا الجمهور؟
استعادة الجمهور لا تكون إلا بالعمل الجاد على رفع مستوى القارئ أدبيا ومعرفيا، وهذا بتقريبه إلى حياة الناس وقضاياهم، والنزول من برج الكبر والعلياء التي يسكنها غالبية الشعراء والدخلاء على الشعر في آن واحد، وللشعر كما كان دوره الفاعل في تهذيب سلوك الناس ولسانهم، وتحصينه من النزوح اللغوي الذي نعاني منه اليوم وشتات لساننا وتمزقه.
وهنا وجب إخراج الشعر إلى العامة وساحاتها ومنابرها الإعلامية، والعودة إلى أيام المناظرات والمقابلات الشعرية وغيرها، فهي سبيل الشاعر ليبدع ويظهر مكامن وجمال القصيدة الشعرية.
- برزت عدّة مبادرات وتأسّست نوادي وجمعيات تعنى بالشّعر، فهل حققت المرجوّ منها؟ وما سبب ذلك في رأيك؟
المنابر الشّعرية الفاعلة اختفت للأسف، وحل محلها ما يشبه الدكاكين التجارية، وجعلت من القصيدة الشعرية والشعراء وسيلة لتحقيق غايات لا تخدمهما، وليس الأمر بعام، لكن الإخفاق يكاد يصيب أغلب المبادرات التي توجه للشعراء وتجمعهم.
ولن يكون للشاعر ما يستحقّه ويحفظ كرامته، ما لم يُعدْ الاعتبار للخيم والمهرجانات الكبيرة واللقاءات الدائمة التي اختفت مع مرور الوقت.
ولا ننسى هنا دور الجامعة في كل هذا، وكيف أنّ الطلاب والمدرّسين أولوا اهتماما مبالغا فيه بالرواية في دراساتهم وبحوثهم، وأهملوا الشعر وهو أجمل وأعذب وأرقى من بقية الأجناس الأخرى.
- هل الشّعر شكل إبداعي مستقل أم أنّه متكامل مع غيره من الفنون؟ وكيف يمكن له الإسهام في إنعاش المشهد الثّقافي بشكل عام؟
الفنون الأدبية فسيفساء متكاملة ومتداخلة ألوانها، تقتات من مصل لغة واحدة، وهذا يجعل نموّها متداخلا ومتكاملا، ولا يصح أحدهم ما سقم الآخر وضعف، غير أنّ الشعر الفصيح يبقى لونه الأبرز والأجمل بينها، وهو من يقودها نحو نهضتها وانتشارها رغم الظروف التي تواجهه، وتحد من اتساع رقعته بين القراء والمهتمين.
ويحتاج المشهد الثقافي لينتعش كل مكوّناته بلا إقصاء أوتهميش، ويساعد هذا على بعث المشاريع والمبادرات بأنواعها وتحقيق نجاحها، وهنا المستفيد الأكبر يكون الكاتب والقارئ وخلفهما تلقائيا الناشر وكل من يشتغل في هذا المجال.
- كيف ترى المشهد الشّعري في هذه السّنة الجديدة؟
المشهد الشعري في الجزائر للأسف شهد تراجعا رهيبا في السنوات الأخيرة، وساهمت السياسات المتبعة من قبل الجميع، سواء الرسمية منها أوالخاصة في الوصول إلى هذه الحالة، حتى وصلنا سنة 2019 إلى ما يشبه الصحراء الشعرية القاحلة، والتي خلت تقريبا من أي نبض شعري اعتدنا أن نسمعه هنا وهناك. لكن نأمل هذا العام الجديد أن يكون عام خير على الشعر وكتّابه ومحبّيه، ليعود لنا بريقه وينال ما يستحقّه من الاهتمام والترويج والمبادرات.