اعتبر الدكتور بلخير ارفيس الترجمة نشاطا فكريا، أساسه نقل منجز علمي من لغة إلى أخرى، وقد يتجاوز النشاط حدود الأفراد، فتتبنّاه الهيئات وتشيّد له المؤسسات، والغرض منها ــ يقول ــ يتعدد لتعدد الغايات، وكثرة الاهتمامات، فبين من يريد تحقيق ترف فكري، هناك آخر طامح إلى سبق معرفي.
أشار الدكتور رفيس بلخير في تصريح لـ«الشعب»، إلى أن القدماء أدركوا الترجمة وضرورتها، وعرفوا مدى أهميتها وخطورتها، فشجّعوها وعملوا على انتشارها، سواء كانوا ملوكا أو أفرادا. ويذكر التاريخ أن البابليين هم الأوائل الذين حاولوا تسجيل انتصاراتهم ونشرها في أنحاء البلاد بلغات مختلفة، حتى يفهمها العامة، فتشحذ هممهم ويزيد عزمهم، ويكبر إصرارهم، كما أن العرب القدامى حسبه قد حاولوا ترجمة ما لحقهم من آداب هندية، وما وصلهم من أفكار يونانية، فترجموا لأعلامهم وتبنّوا أفكارهم، وتلقّفوا أطروحاتهم، ولهذا عرفت علومهم الازدهار، وكتبت لها الريادة، ولأمرائهم السيادة. ولا غرو في ذلك، فهارون الرشيد مثلا لم يجد حرجا في دفع 100 ألف درهم لعالم جزاء ترجمته، كما كان المأمون يعطي من الذهب مقدار ما يترجم من الكتب.
وأضاف المتحدث أنّ ما فعله العرب كرّره الغرب؛ من خلال ترجمة أنطوان غالان كتاب ألف ليلة وليلة إلى الفرنسية عام 1704، ثم تمت ترجمته إلى الإنجليزية عام 1706 باسم «ليالي عربية»، وحتى الآن يتم قراءة هذا الكتاب بكل اللغات، ويعتبر من أهم منابع الخيال في العالم.
وتأسيسا على ذلك، يتبين لنا أن الترجمة فاعلة في مسيرة التاريخ، ومؤثرة في كل الثقافات، وهي المسؤولة عن تعاقب الحضارات. ولذلك وجب طرح بعض التساؤلات المتعلقة بطبيعة المادة المترجمة، والهدف من ترجمتها، ثم الفئة المستهدفة من تلك الترجمة؟ والإجابة بقدر دقّتها وموضوعيتها نكون قد حدّدنا هدفنا، وأصبنا غرضنا.
ونوّه بلخير رفيس إلى أنّ الأمم تتطوّر بقاعدة «بقدر الحاجة تكون الاستجابة»، وهو ما أكّده أرنولد توينبي في مقاربته لبناء الحضارات، القائمة أصلا على ما يعرف «بالتحدي والاستجابة»، وعلى هذا الأساس يرى المتحدث انه ينبغي أن تخضع المادة المترجمة لضرورات الأمة وحاجتها، وهذا أمر يحدده الواقع العملي، ويفرضه الميدان الفعلي، وكل شيء خارج عن هذا الإطار هو جهد مبتذل، وعمل مكتوب له الفشل، لا فائدة ترجى منه، ولا قيمة تعطى له.
والمتفحّص لحالنا يدرك أن واقعنا أليم، ومنطقنا في التفكير غير سليم، ولهذا وجب تكثيف الجهود ورفع القيود، وتعزيز الترجمة في جميع المجالات وشتى التخصصات، مع تبني فكرة الأولويات، والاستفادة من كل الطروحات، إذا أردنا أن نحقق القفز الحضاري، وإلا، فسيفرض علينا التوقف الاضطراري، وهو أمر يرجوه الأعداء، ولا يقبله حتما العقلاء.