يعتبر الدكتورعبد الحميد هيمة الأستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة قاصدي مرباح ورقلة، أن اللغة العربية هي لغة القرآن، تكفَّل الله - سبحانه وتعالى - بحفظ كتابه، وبالتالي حفظ اللغة التي نزل بها، مصداقًا لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، فبفضل القرآن حافظَت العربية على قوتها ومكانتها ووهجها، رغم الوهن الذي تعرضت إليه، بفعل تقهقر الأمة الناطقة بها عن اللحاق بالركب الحضاري لغيرها من الأمم، ونظرا لواقع الأمة المتخلف فقد كانت الترجمة وما زالت من أهم عوامل التطور والنهضة، لأن الترجمة تعني انفتاحنا على كل منجزات العصر، ومن دونها نبقى عاجزين نتهجّى سطور المعرفة من دون أن نلج إليها أونعرف حقيقتها أونسبر أغوارها.
لعلّ نظرة خاطفة في تاريخ الأمم والشّعوب، وتحديدا تاريخ الحضارة العربية الإسلامية يؤكّد أنّ أزهى عصور هذه الحضارة كان في العصر العباسي الذي نشطت فيه حركة ترجمة مختلف علوم ومعارف وإنجازات الحضارات السابقة، كما ذكر المتحدث. وفي الجزائر حسبه شهدت حركة الترجمة نشاطا واسعا، لكن هذه الترجمة لوحدها لا تكفي لكي ندخل في رِكاب الحضارة العالمية المعاصرة.
وأكّد الدكتور عبد الحميد هيمة في هذا السياق «أنه إذا لم نعتني بلغتنا ونعطيها حقها من الرعاية والاهتمام، ثم نسهم بعد ذلك في إنتاج الفكر والمعرفة التي تحصِّن ثقافتنا، والتي تُسهم بدورها في الحفاظ على هويتنا، فإنّ هذه المعرفة المنقولة ستبقى في طيّات الكتب، ولن تُؤتي ثمارها المرجوّة، فالترجمة لوحدها إذن غير كافية، إذ لابد من النهوض باللغة العربية وتطويرها حتى ندخل مجتمع المعرفة، لابد من دعم اللغة العربية حتى تواكب العصر، وتصبح لغة المعرفة والبحث العلمي، ولكن الواقع على خلاف ذلك، حيث نلحظ التقهقر الكبير للغة العربية، وضعف مستوى المتعلمين في اللغة العربية وبالتالي هبوط سقف المتوقع منهم على مختلف المستويات، ومع هذا الإحلال المتسارع للغة الفرنسية محل العربية في مختلف مجالات الحياة، نتساءل كيف سيكون موقع الترجمة من كل هذا؟ وكيف سيكون مستقبل اللغة العربية؟
للشّعوب دور مهم في الحفاظ على اللّغة الأم
هنا أوضح أنّ اللغة مثل الكائن الحي تنمو وتتطور، وتضعف وتنحط، وهي خاضعة في تطورها إلى الإنسان الذي يتدخل في صياغة أوضاعها، فيفسح لها المجال كي تزدهر وتتطور، أو يعرض عنها فيدفع بها نحو الضعف والاندثار، وإذا كانت مسألة الحفاظ على اللغة أمرا سياسيا مرتبطا بالقوى السياسية الحاكمة في البلاد، فإنّنا نعتقد أن الشعوب أيضا بإمكانها أن تؤدّي دورا حاسما في هذا الميدان، ولعل الحراك الذي تعيشه الجزائر، والذي استطاع أن يحرك المبادرة السياسية، ويحرّر سلطة القضاء لمحاربة الفساد والمفسدين، قادر أيضا على أن يحرر الفضاء اللساني، ويرجع للغة العربية مكانتها المفقودة، ومن ثمة الانتقال من التحرر السياسي إلى التحرر اللغوي، الذي يبعد اللغة عن الاستغلال الضيق، ويمنع الإقصاء الذي مورس عليها منذ الاستقلال ويمكن من رسم الاستراتيجيات الملزمة لمواجهة هذا الوضع السلبي الذي أصبح ينخر اللغة العربية، فالمأمول أن هذه الحركة المباركة ستضع في أذهاننا أولويات الاهتمام باللغة الوطنية، بإعادة النظر في مناهجنا وطرق تدريسنا وإعداد المعلمين، لإعداد متعلمين يرون لغتهم في كل المقررات الدراسية حيّة، تتكامل وتنمومن خلال خبراتهم المتجدّدة، ويرون في اللغة العربية عاملا للوحدة الوطنية، وعاملا جامعا، وموحّدا لكل مكونات المجتمع الجزائري، وصمّام أمان لكل ما من شأنه ضرب الوحدة الوطنية، لأن العربية هويةً تتجاوزُ العرق إلى مُـحدِدٍ ثقافي بالغ السَعة والمرونة، عبّر عنه النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ عندما قال: بأن من تكلم بلسان العرب فهو عربي كائناً ما كان أصله ونسبه.
ولذلك يقول محدّثنا أن الأمل في ‘’أنْ تسهم حركة الترجمة هذه في التحول المنشود نحو اللغة العربية كبير، وأن تفتح لنا أبواب العلوم المختلفة والمعارف والفنون، وأن تخلق في أجوائنا مناخاً ثقافياً غنياً، فيكون العبور إلى الضفة الأخرى التي نرنوإليها ونحلم أن نصلها بمركب لغتنا الأم، فهوالمركب الذي لن يضل بنا السبيل، وهي الجسر المتين الذي إنْ سرنا عليه وصلنا’’.