أعطى المبدع عاشور بوكلوة مفهوما للمثقّف على أنه الشخص الذي يخوض بمهارة وتميز في مجالات الحياة الواسعة، أو الشخص المطلع على عديد الأفكار والنظريات ذات المعرفة الواسعة. وهو أيضا الشخص الذي يشتغل في مجالات الثقافة العامة: الفن، الفلسفة، الأدب، الطب، الإعلام، القانون، الاجتماع، السياسة...وينتج ويضيف إليها أفكارا وإبداعات جديدة من بنات أفكاره، تمنحه وزنا ومكانة مرموقة بين الناس، وتسمح له بالظهور الفاعل في السياقات التي تمليها الظروف الاجتماعية والسياسية للمجتمع، وبالتالي فمفهوم المثقف عند بوكلوة لا يتوقف عند الكاتب، مبدعا كان أو مفكرا أو ناقدا.
وتساءل صاحب ديوان «غواية صخر وجسور»، عن مغزى توجيه أصابع الاتهام دائما للكاتب المبدع تحديدا؟ لماذا نخلط بين دور الكاتب ودور المثقف؟ فنحمّل الكاتب (المبدع بالخصوص) دور المثقف العام، ودور السياسي، ودور المعلم، ودور عالم الاجتماع، ودور المربي ورجل الدين، وصرنا في كل لحظة مواجهة نبحث عن الكاتب ونطالبه باتخاذ ما نريده وما يدور في أذهاننا، وإن لم يفعل نتهمه بالتقصير والتخاذل والجبن.
ليؤكد الشاعر «مهمة المبدع - كاتبا أو فنانا - هي إثراء خزان المجتمع بالأعمال الأدبية والفنيّة والرفع من قيمها الجمالية والإنسانية، بينما تقاس مهمة المثقف بالمفهوم العام السابق بمدى نجاعته في معالجة وتدبر الشأن العام، وأضاف: «والمثقف لا يمكنه أن ينوب عن السياسي أو غيره من أطياف المجتمع، هو معني بالملاحظة والتأويل والنقد والاقتراح، مهمته كشف القبح والزيف والنفاق والبحث عن الجمال والانسجام.
واستطرد بالقول عاشور بوكلوة: «لا شأن للمثقف بتأليب الرأي العام أو تحريضه بالشكل المباشر، هناك من بقوم بهذه الوظيفة من مناضلين وحقوقيين ومعارضين سياسيين ليست مهمته الشتم وتصدير الشعارات، فثمّة الملايين يفعلون ذلك، ليست مهمته التّعبئة، فثمّة شباب يتولّون الأمر بشكل أفضل منه، إن مهمة المثقف هي المرافقة الفنّية والجمالية، هي التّوثيق للمرحلة بأعمال فنية راقية ترسخ قيمة التحوّلات الحاصلة في الأفكار والسّلوك والأفعال والمعاملات، ومحاولة رسم ورصد معالم المرحلة الجديدة بوعي أكبر وبمحبة ورقي وتسامح وتعاون وانسجام».
يخطئ من يقول يضيف الأديب «أن المثقف لم يستشرف ما نعيشه من حراك شعبي كاسح، ارجعوا إلى الدواوين الشعرية والمجاميع القصصية والروايات التي أنتجت منذ ما يقارب العقدين من الزمن، ستجدون إرهاصات وبوادر هذا الحراك الرافض لكل أشكال القمح والتضييق على الحريات في صفحاتها بطريقة أو بأخرى..الكاتب ليس عرّافا أو منجما ليقول ما سيكون بالتفاصيل الدقيقة، ولكنه يستشرف المستقبل من تشريح وتأويل الحاضر، لقد لعب المثقف دوراً مهما في تعبيد طريق الحراك الشعبي، لكنه - بكل تأكيد ومثل الجميع - تفاجأ بهذه الهمة، وهذه الروح، وبهذا الاتحاد الخارق للعادة، لمجتمع كانت أطيافه في تباعد وصل أحيانا حد التناحر، وبهذه السلمية الغاية في الدقة والالتزام، ومنه فقد فرض هذا الحراك على المثقف الانخراط والتأقلم معه أولا، ثم أن يعيد ترتيب بعض حساباته القديمة، ليجدد ويبتكر أساليب جديدة، وطرقا تسمح له بمواكبته، قصد توفير المناخ الذي يحمي الحراك ويدفع به إلى الطريق السليم الموصل إلى بر الأمان».
لقد حرَّر الحراك التاريخ من مفاهيم النخبة والطليعة والبطل الأسطوري الخارق، أو القائد الأوحد الذي يقود الناس إلى الخير كله بعد أن يقضي على الشر كله، كما استخلص بوكلوة، والمثقفُ كما يقول: «يعلم اليوم أنّه لا يمكنه تمثيل هذا الدَّور، لقد بيّن الحراك أن الاستعباد هو المحرك الذي لا يحتاج إلى قائد أو إلى موجه أو إلى من يرسم طريق الحرية، وأن العامل المشترك بين الناس هو القوة الحقيقة لكل تكاثف وتعاون»، «فالحراك فرصة مناسبة للمثقّفين بكل أطيافهم كي يُعيدوا ترتيبَ علاقاتهم الهشة بأنفسهم، وضبط مواقفهم وفق نظريات أخرى أٌقرب إلى الواقع الاجتماعي، وإنتاج مقاربات أكثر صدقية بمعرفة حقيقية للمجتمع من الداخل، وربط علاقات أكثر تلاحما مع الناس».