النّقد في نظر الكاتب والنّاقد العراقي محمد كه يلان، هو بمثابة المرآة العاكسة لايجابيات وسلبيات العمل الأدبي والفني، الهدف منه مساعدة المبدع على تطوير موهبته، تصحيح هفواته والتفاني أكثر في نتاجه الفكري أو الفني أو الأدبي. فالناقد هو الحارس على جودة ما يقدم للجمهور من إبداع متميز من شأنه أن يصل للعقول والقلوب، وأن يتخطى الحدود للعالمية. ويكشف من خلال هذا الحوار لـ «الشعب» آراءه حول واقع النقد في العالم العربي عامة وفي الجزائر خاصة.
«الشعب»: أصبح النقد محصورا بين دراسات نقدية تقدم على أساس المحاباة أو دراسة جامعية تبقى حبيسة الأدراج كيف السبيل إلى استغلال هذه وتلك لصالح الإبداع والمبدع وتعم الفائدة على الجميع؟
محمد كه يلان: نعم ما ذكرته لا يمكنُ التغافل عنه بل يجبُ معالجته لأنَّ محددات الإبداع ليست العلاقات ولا المصالح أو الترويج لفئة معينة، وتستحيلُ صناعة مبدعٍ من خلال حملات دعائية أو تضخيم عملٍ تعوزه مبادئ الإبداع الرصين، لذا من الضرورى كسر الاحتكار لمنابر ثقافية حتى لا تتحولُ إلى ميدان المجاملات والإطراء وتوزيع الألقاب الفخمة. مع الأسف فإنَّ ما يعمق الأزمة على المستوى الثقافي هو شحة المناقشات والمطارحات بشأن أفق الإبداع، كما أن هيمنة فئة من الكتاب على المشهد تكرار للديكتاتورية بنسختها الثقافية فيما يتعلق بشق آخر من السؤال فعلاً، فإن الدراسات والبحوث الجامعية أصبحتْ مجرد وسيلة لإحراز لقب أكاديمي، ومن المفترض أن تعطي البحوث والدراسات التي تنجزُ في الجامعات والمراكز الأكاديمية زخماً لحركة الإبداع، وترفدُ الحس النقدي وتشرعُ الباب على أسئلة جديدة إذن لابُدَّ أن تخرج المواد الجامعية من دائرة وظيفية ويضطلعُ الأكاديمي بدور فعال في المنتديات لأن ارتهان مفهوم النقد بعناوين محدودة والتأطر بمصطلحات ومقولات معينة استهلاك للنصوص والثقافة وليس إبداعاً، وإن بعض ما ينجزُ في الأكاديميات فعلا إضافة للنقد مؤخراً تابعت بحثاً أكاديمياً أنجزته الأكاديمية الجزائرية مسعودة لعريط عن الفضاء السردي في الروايات النسوية في المغرب العربي حيث أخذت نماذج من تونس والمغرب والجزائر وليبيا لاحظتُ في مادتها الاهتمام بالمنهج والاشتغال على المُصطلحات التي تخدم مسار البحث وموضوعه لكن المشكلة تكمنُ في تحويل هذا المنجز إلى فضاء أعم ومناقشته على مدار أوسع.
ما هو رأيك ككاتب ومتابع للإبداع والنقد حول واقع النقد اليوم في العالم العربي عامة والجزائر خاصة؟
من الواضح بالنسبة لمن يتابعُ المشهد الثقافي وما ينشرُ في المنابر والصُحف أن حركة النقد لا تواكبُ تصاعدَ الإصدارات الأدبية لاسيما الرواية، ناهيك عن غياب الاهتمام بالمفاهيم النقدية الجديدة في مشروع الترجمة، وما يُتداولُ الآن عبارة عن تدويرٍ لما كان سائداً قبل عقود. صحيح ثمة آليات وطروحات ومناهج نقدية لا يمكن تجاهلها ولازالت تحافظ على راهنيتها، لكن ذلك لا يسُد الفراغ القائم في هذا الحقل. والسؤال الأساسي الذي يفرضُ نفسه في هذا السياق، ماذا تمخّض عن تراكم المنشورات الروائية على الصعيد النقدي وهل توجدُ محاولاتُ نقدية جادة لرصد الثغرات فيما يصدرُ أو لإيجاد صياغة رؤى مُختلفة بناء على قراءة المعطيات والنصوص الأدبية؟ بالطبع هذا لا يعني أن هناك ركوداً مطلقاً في المجال النقدي ونضوباً في الأسئلة آخر ما صدر للناقد والأكاديمي اللبناني لطيف زيتوني بعنوان (الرواية والقيم) يثير أسئلة من الصميم حول تمثلات ومفاعيل النص الروائي على مستوى الوعي المجتمعي، كما أنَّ مبادرة الناقد العراقي حسن سرحان لطرح آراء حول الرواية العراقية في مرحلة ما بعد السقوط تتطلب فتحَ قوس الحوار لُمتابعتها واستمرار المطارحة بهذا الشأن. ولا مُغالاة في الكلام إذا قلنا بأنَّ المغرب العربي له الأسبقية على المستوى النقدي ونقل المفاهيم النقدية إلى الوسط الثقافي العربي، ومحاولة تبيئتها أكثر من ذلك، فإن الوعي النقدي لا ينفصل عن العملية الإبداعية لدى الكتاب في المغرب العربي غالباً ما تجد أن المؤلف الروائي لديه اهتمامات نقدية نذكر على سبيل المثال سعيد خطيبي، لونيس بن علي في الجزائر وكمال الرياحي في تونس والكاتب الكبير محمد برادة من المغرب.
هل يساهم حاليا النّقد في ترقية الإبداع وتوجيه المواهب خاصة الصّاعدة؟
طبعاً وظيفة النقد هي رصد الحركة الإبداعية وبلورة الوعي بالمنجزات الأدبية بغض النظر عن النوع أو الجنس الأدبي، كما أن النقد يعني الاشتغال على البحث عن خصوصيات وفرادة النص واستنطاق المضمرات فبالتالي تساهمُ هذه العملية في تطور الذائقة ومستوى الإدراك لمضامين العمل الأدبي، أما بالنسبة لتوجيه المواهب الواعدة وتزويدها بأدوات الصنعة، فأعتقد أن ذلك تتكفّلُ به ورشات ومحترفات تقامُ بهدف مناقشة آليات الكتابة وتصريف ثقافة المبدع في نصوصه، ناهيك عن مطالعة نتاجات الرواد على مستوى العالمي والمحلي.
ما هي الإضافة التي تقدّمها الدراسات النقدية للقصائد والروايات والقصص وغيرها من النتاج الأدبي للمبدع أولا والمشهد الثقافي ثانيا؟
بالتأكيد يستفيد المبدعُ من الدراسات النقدية وإن أنكر ذلك أو أعلن الخصومة مع النقاد غياب النقد يؤدي إلى الجمود والتكرار والتراوح في أنساق معينة. يكتسبُ مفهوم النقد مزيداً من الأهمية في ظل انفتاح الفضاءات بوجه الجميع وسهولة نشر الكتب والأعمال الأدبية وتسويقها من خلال القنوات والمنابر الالكترونية عندما تحلُ أدوات الدعاية مكان النقد، ويتطلع صاحب المنجز إلى الشكليات فلا يمكنُ الحديث عن الوثبة الثقافية، وإنْ توالت الإصدارات بأعداد ونسخ كثيرة. إذا فإنَّ المبدع ليس مجرد حيازة لأدوات الكتابة بل هو رؤية وتبصرُ للواقع وتجديد للعُدة وإضافة إلى الحصاد، وكل ذلك يحتاجُ إلى وجود الوعي النقدي.
من هو النّاقد وعلى أي أسس يرتكز في تقييمه للعمل الفني أو الأدبي؟
قبل الإجابة على السؤال من هو الناقد يتعينُ علينا تحديد وظيفة الناقد لأنَّ معرفة دوره وما يقوم به يضعنا أمام هويته، فوظيفة الناقد هي القراءة المستندة إلى خلفية معرفية واسعة وإيجاد قناة الحوار بين النصوص والنفاذ إلى ما وراء غلال الأُحادية في التفسير والفهم. مستوى التقييم متوقف على المفاهيم التي يعتمدها، وما لديه من ثقافة زاخرة تُمكنهُ ما يميزُ أي نص في علاقته مع نصوص أخرى.
برأيك كيف يمكنُ أن يتفادى المبدع مطب التكرار لموضوعات وصياغات مُستهلكة؟
هذا تحدٍّ كبير بالنسبة لكل مبدعٍ، وكثيراً ما نرى وجود من يركنُ إلى ما قدمهُ سابقاً ولا يتجاوزه وحتى لا يصلُ المبدع إلى هذا الطريق المسدود، فيجبُ منافسة ذاته ويظلُ أفق قراءاته مفتوحاً على كل جديد ويتفهم مُتطلبات المرحلة، والأهم من ذلك هو إدراك حقيقة بأنَّ إصدار ونشر مؤلفات بالاستمرار قد يوفر له فرصة الحضور في الواجهة لكن لا يضيفُ إلى رصيده الإبداعي بالضرورة.