أدب الطفل هو إبداع فنّي يخاطب الطّفل ويصنع له عالما خاصّا به، فيه القيم وفيه التسلية والخيال والمغامرة، والثقافة والمعرفة، هو باختصار عالم يسعى إلى بناء شخصيّة الطّفل بمختلف جوانبها العقلية والنّفسية والاجتماعية، أمّا الكتابة عن الطّفل فهي تدخل في مجال الدّراسات العلمية الموجهة للكبار، ولا مجال لمخاطبة الصغار بها.
وقد بدأ أدب الطّفل يعرف ازدهارا كبيرا في السنوات الأخيرة، وظهرت كثير من الأقلام الجادة تكتب للطفل وتتخصّص فيه، واتسعت مكتبة أدب الطّفل بشكل كبير إلى درجة أنّها صارت تضمّ إليها مئات العناوين سنويّا، وصار للطفل مجلات متخصصة تغذي جوعه إلى القصص والشعر والمسرح والتسلية والثقافة بكلّ أنواعها.
كما ظهرت أيضا أقلام يافعة تكتب وتساهم في إثراء أدب الطّفل، وهذه الإبداعات يمكنها أن تكون رافدا في إغناء مكتبة أدب الطفل وإثرائها، كما يمكنها أن تبشر بظهور أقلام جديدة تمثل جيل كتّاب المستقبل، وقد حضرتُ منذ بضعة أيّام في تونس مهرجانا ثقافيا يحتفي بأدب الأطفال المكتوب من قبل الأطفال أنفسهم، تحت عنوان (ملتقى الأدباء الصّغار) وشارك فيه من الجزائر تلميذتان لهما موهبة واضحة في الكتابة، وهذا أمر يبشر بخير ويوحي بتطوّر كبير في مجال أدب الطّفل.
مبادرات هنا وهناك مشجعة للأطفال المبدعين
وهنا يمكننا الحديث عن ظاهرة الأطفال المبدعين، حيث ظهرت عدّة مبادرات في الجزائر تحتفي بالأطفال المبدعين، سواء على مستوى الهيئات الرسميّة مثل مسابقة أقلام بلادي (أقبل)، التي تشرف عليها وزارة التربية الوطنية بالتعاون مع وزارة الثقافة، وهي مبادرة ينبغي أن تستمر وتطوّر وتُثمَّن، أو على مستوى الجمعيّات والهيئات الثقافية غير الرسميّة، مثل ما قام به اتحاد الكتاب الجزائريين فرع بسكرة، حيث أقام مسابقة للكتاب الصّغار في ملتقى الإتحاف الأدبي السابع والذي خصّص لأدب الطّفل مارس 2018 م، وكذلك ندوة أدب الطفل التي أقيمت منذ أكثر من شهر تقريبا وشارك فيها كتاب (أطفال) واعدون. وبهذه الطريقة يمكن اكتشاف المواهب الجديدة وتشجيعها ودعمها وتطويرها آلياتها الفنيّة.
وظهرت بعض المبادرات الهامّة أيضا في بعض ولايات الوطن منها بسكرة والعاصمة في إصدار مجلات للأطفال، نذكر منها مجلّة (براعم) التي تصدر عن جمعيّة البراعم (بسكرة)، التي لها نشاط مشهود في هذا المجال دعما لكتّاب الطّفل وللكتاب الأطفال أيضا، وحتى الرسّامين الذين يواكبون ما يُكتب للطفل.وأيضا مجلّة (البسكري الصّغير) التي تصدر عن اتحاد الكتّاب الجزائريين فرع بسكرة (في عددها الأوّل)، وقد فتحت صفحاتها لكتّاب أدب الطّفل من داخل الجزائر ومن خارجها، وكذلك فتحت المجال للكتّاب الأطفال للمساهمة فيها، مثل البرعمة كوثر فاطمي التي تُنبئ عن موهبة أصيلة، وتبشر بمستقبل واعد، وكذلك ظهرت مجلّة (غميضة) التي صدرت عن دار النشر (أوليس) بالعاصمة، في نوفمبر 2018 م وفيها بذور مكتنزة وجميلة تشجع على الكتابة في أدب الطّفل وتطويره.
المدرسة ثاني محطة لصقل المواهب
والمدرسة أهمّ مكان يمكن للطفل أن يتعلّم فيها فنّ الكتابة وينمي فيه هذه الموهبة، فهي المحضن الأساسي الذي يعطيه أبجديّات التعبير، ويحفّزه على اكتساب الثروة اللغويّة والأفكار المتنوّعة التي تنمّي أسلوبه وتطوّر أدواته الإبداعيّة، ولا شكّ أنّ التحفيزات المختلفة التي يمكن أن تقدّمها المدرسة عامل جوهري في تطوير موهبة الكتابة لدى الطّفل، ومن تلك التحفيزات الهامة: المسابقات الفصليّة أو السنويّة، التي تبث في الطفل روح التنافس والتجويد، كما تحثه على مزيد من الإبداع والعطاء. كذلك النقاط والملاحظات التحفيزية التي تقيّم إبداعه، وتضعه في المسار الصحيح، وتأخذ بيده من أجل تنمية موهبته وتطويرها. أيضا إنشاء المجلات المدرسيّة، سواء الحائطية أو الورقيّة، أو حتى الموقع الإلكتروني التابع للمدرسة، والسماح للطفل بالنشر فيه، كلّ ذلك ينتج لنا كتابا مستقبليين ينشأون على قاعدة صلبة، ويتمكنون من أدوات الكتابة بمهارة وإتقان.