وصف الدكتور أحمد بناني الترجمة، بأنها مفتاح التواصل بين الشعوب والتفاعل بين لغاتها المختلفة وثقافاتها المتنوعة، بل أضحت تشهد اهتماما منقطع النظير لما لها من أهمية في نقل المعارف والعلوم التي تذاع بمختلف اللغات ومختلف الاحتياجات المحلية بمختلف مجالاتها.
يرى أستاذ اللسانيات بالمركز الجامعي الحاج موسى أق أخاموك بعاصمة الأهقار، أحمد بناني في حديثه لـ»الشعب» أن الأعمال الأدبية الجزائرية خاصة منها المكتوبة باللغة الفرنسية هي أعمال بالفعل لقيت رواجا في العالم وترجمت إلى مختلف لغات العالم وسمحت للأدب الجزائري أن يلج العالمية، وهذا على غرار أعمال الأدباء، مولود فرعون أو مالك حداد أو آسيا جبار، أو محمد ديب وكاتب ياسين وياسمينة خضرا هذا الأخير الذي بلغ العالمية بفضل ترجمة أعماله إلى أكثر من أربع عشرة لغة، وهو ما فتح له المجال أمام الشهرة العالمية.
بالمقابل يضيف أحمد بناني، أن هذه الأعمال لا تلقى رواجا على الساحة الأدبية العربية بسبب اللغة، لكن بعض ما ترجم منها إلى العربية ذاع وانتشر في البلدان العربية وحقّق شهرة منقطعة النظير فبوابة شهرته هي ترجمته لأن بعض الروائيين الجزائريين يكتبون بالفرنسية لكن روح الكتابة جزائرية لغة فرنسية بنكهة التقاليد والثقافة والعادات الجزائرية فهذه تنقل الثقافة الجزائرية للعالمية وتسوق لتنوع الثقافة الجزائرية وثرائها وتنقل خصوصية ثقافة المجتمع الجزائري إلى مختلف أرجاء العالم.
إعتبر المتحدث، واقع ترجمة الأعمال الأدبية الجزائرية، رغم ما يحقّقه من تواجد وحضور في الساحة الأدبية العالمية، إلا أنه لا يسْر وهو صورة من صور النشاط الترجمي في الدول العربية فمقارنة مع الدول الرائدة في مجال الترجمة يشهد الفعل الترجمي نقصا كبيرا سواء من ناحية الكم أو الكيف مع ما للترجمة من أهمية كبيرة في نهضة الشعوب، وهو ما يدفع إلى ضرورة وضع خطط ترجمية مستقبلية تتبناها الجامعات أو الجهات الرسمية تعمل على اغتنام هذا الفضاء الذي يعرف العالم بالثقافة الجزائرية الثرية بتنوع عاداتها وجغرافيتها وعراقة تاريخها، والتي تنقل ملامحها الأعمال الأدبية الجزائرية، فقد آن الأوان لوضع مشاريع ترجمة لتوحيد جهود ترجمة الإبداع الأدبي الجزائري إلى لغات العالم وترجمة إبداع العالم إلى العربية، فالترجمة ليست من جهة واحدة لأنها مثاقفة نفيد ونستفيد؛ إنها تفاعل متبادل، بل أصبحت ضرورة التنمية الاقتصادية والمجتمعية تقتضي تفعيل دور مركز للترجمة جزائري يعمل وفق خطة مدروسة تشارك في وضعها جميع مكونات الساحة العلمية والثقافية والفكرية والاقتصادية الجزائرية لتسهم الترجمة في صناعة ملامح الفرد الجزائري المأمول والمجتمع الجزائرية المرغوب.
في هذا الصدد، يؤكد أحمد بناني أنه في حالة توفر هذه الظروف، فإن ترجمة الأعمال الأدبية الجزائرية إلى اللغات العالمية يصبح نوع من الخروج عن دور المستقبل إلى دور المرسل، فتصبح بذلك وجها آخر من أوجه التعريف بالمجتمع وثقافته من خلال ما يطرحه الروائي عن المجتمع الجزائري، وهوما يجعل المسؤولية كبيرة على عاتق الروائي الجزائري الذي أصبح لزاما عليه أن يعي دوره في الترويج لثقافة بلده بل أضحى من واجبه أن يجعل من أدب بيئته مادة أدبية تترجم إلى لغات العالم.
دعا المتحدث في هذا السياق، إلى ضرورة إنشاء مراكز جزائرية متخصصة تعنى بتكوين مترجمين متخصصين مهمتها ترجمة الأعمال الأدبية الجزائرية، لأن التكوين الجيد للمترجمين المتخصصين المبدعين ـ حسبه ـ هو مفتاح أساسي يسمح للمترجم أن يتعامل باحترافية تفتح أبوب العالمية للأعمال الأدبية الجزائرية، لأن المترجم الأكفأ عملة يمكن الاستثمار فيها في كل زمان ومكان يترجم من العربية إلى اللغات العالمية ومن تلك اللغات إلى اللغة العربية، وبه تصمد الثقافة الجزائرية أمام المتغيرات العالمية التي أصبحت تهدّد خصوصية المجتمعات، وبه يسجل الأدب الجزائري حضوره على الساحة الثقافية والأدبية والفكرية العالمية.