في سياق تحليله لواقع الفن التشكيلي بالجزائر، قال الفنان التشكيلي والإطار السابق بوزارة الثقافة الطاهر وامان، بأنّه «لا توجد أوجه للمقارنة بين الظرف الراهن وفترة ما بعد الاستقلال في هذا المجال، باعتبار أن تلك الفترة كانت تعجّ بفنانين أحبوا الجزائر عن صدق، وكرّسوا أعمالهم الفنية من أجل خدمتها ونقل صورتها الحقيقية للخارج من خلال رسم لوحات تعبّر عن تعلّق الجزائري ببلده الذي يزخر بثروات طبيعية هائلة ورصيد ثقافي وتاريخي عريق».
أرجع وامان هذا النجاح في السابق إلى «الاحتكاك المباشر لفنانينا مع عمالقة الفن التشكيلي بالعالم كلّه، ناهيك عن تخرّج العديد من الفنانين من المدرسة الفرنسية القديمة، وتحوّل آخرين للدراسة هنا وهناك برعاية مباشرة من جبهة التحرير الوطني، فكان الإبداع البريء والانتصار للوطن من أهم ميزات تلك الفترة التي شهدت زيارات مكوكية لبعض الرسامين لعدّة دول لغرض اكتساب الخبرات في المجال من أهمها رحلة الرسام محمد راسم الى مصر وايران وغيرها، وتعلقه المثير بالتجربة الفارسية في الرسم والنقش».
على صعيد آخر، يشهد الواقع المعاش اليوم حسب الطاهر وامان
«تراجعا ملحوظا في مستوى خريجي مدارس الفن التشكيلي، بحيث يسهر على مناقشة أطروحات الماستر والدكتوراه بها أساتذة غير مؤهلين أصلا لهذه المهمة بالنظر إلى كونهم ليسوا من ذوي الاختصاص في غالب الأحيان». كما يعرف - يقول - «مستوى الليسانس لدى طلبة المدارس تراجع فظيعا يفتقد للكثير من المقومات التي تجعل من الفنان شخصية متميّزة بوسعها التعبير عن ظاهرة أو قضية ما بطريقة فنية راقية، وأضحى الطالب لا يبحث في الواقع سوى عن الشهادة بعيدا كل البعد عن المبادرات التي تجعل منه فنانا متميّزا في المستقبل، الأمر الذي انعكس سلبا على منتجات هؤلاء من اللوحات الفنية التي تعتمد في معظمها على النسخ والنقل من فنانين آخرين بعيدا عن منطق الابداع الذي يقتضيه هذا النمط الفني، وما يثير القضية أكثر كون هذا الفن لا يحظى بنصوص تطبيقية واضحة ترسّخ مفهوم الممارسة الفنية مع حفظ وصيانة انتاجات مجمل الفنانين لتجنب نسخها من طرف آخرين، كما يجب أن تجيب النصوص الغائبة عن الساحة أصلا عن العديد من الأسئلة المتعلقة بتسويق اللوحات الفنية على شاكلة هدايا للغير سواء تعلق الأمر بتسويقها داخل الوطن اوخارجه، بحيث يستلزم الأمر تعريف جميع الممارسين من محترفين وهواة مع تثمين لوحاتهم من طرف مختصين ضمن إطار تنظيمي واضح ترعاه وزارة الثقافة، على أمل ردّ الاعتبار لهذا التوجّه الفني الذي يمكنه التعبير بكل جدية عن ثقافة وتاريخ شعب بأكمله.
وأكّد وامان أنّ «الفن التشكيلي الجزائري لم يحظ بالتدوين منذ عقود خلت من الزمن، ويخضع لفوضى عارمة وفقا لمنطلق الالتزام بحرية التعبير، ولكنّ الأمر يختلف تماما في الدول التي تحترم نفسها وحتى في الجزائر أيضا حينما كانت تسيّر وزارة الثقافة إطارات كفؤة وساهرة على ضبط الأمور بجدية على غرار فترة ما بعد الاستقلال إلى غاية نهاية السبعينيات حينما تأسّست مجموعة الـ 35 للدفاع عن مستوى وتوجّهات الفن التشكيلي وفقا للمعايير العالمية الحديثة، الأمر الذي مكّن من تثمين هذا النمط الفني إلى غاية نهاية الثمانينات بفعل تكاثف جهود الإطارات الساهرة على التنظيم والحفظ والتثمين، ولكن الأمر ليس كذلك حاليا ولا يمكن إجراء مقارنة البتة بالنظر إلى انهيار المستوى من جهة وغياب التنظيم والتأطير من جهة أخرى».