تتميز ولاية سطيف عاصمة الهضاب العليا بموروث ثقافي كبير ومتنوع يمتد إلى جذور تاريخ هذه المنطقة العريق، ولعل الأغنية السطايفية، التي تعتبر واحدة من أهم الطبوع الغنائية في البلاد، تشكل رافدا من روافد ثقافة المنطقة.
إن الأغنية السطايفية المحبوبة، لها جمهورها العريض داخل المنطقة وخارجها في أرجاء الوطن، وحتى خارجه لدى المغتربين الجزائريين ،من خلال الحفلات التي يحييها فنانو الاغنية السطايفية لهم في عدة مناسبات، مازالت تحافظ على تنوعها وكذا انتشارها المدروس، بفضل ثلة من المطربين المثال الشاب عراس ورشدي وبكاكشي الخير، وقبلهم الشاب نورالدين وسمير سطايفي وغيرهم.
ويرجع الفضل في بقائها وازدهارها إلى تمسك الجيل الحالي بموروث الجيل السابق، مع التطوير في التوزيع الموسيقي الذي أصبح بالإمكان ملاحظته بوضوح في السنوات الأخيرة.
ولاشك أن المهرجانات الوطنية التي تقام بسطيف للأغنية السطايفية كل سنة، ومهرجان جميلة العربي الذي يقام كل صيف بالولاية بمشاركة كبيرة لرواد الأغنية السطايفية ،قد ساهمت بشكل كبير في الحفاظ على هذا التراث الكبير للمنطقة، على ألا يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما وحسب بعض النقاد والمتتبعين المحليين لمسيرتها، يتعين فتح مدارس للأغنية السطايفية، ليتولى رواد هذه الأغنية غرسها في الجيل الجديد مع تطويرها أكثر في مجال التوزيع الموسيقي، تماشيا مع العصر، ولكن بالحفاظ على عذوبة ألحانها ومواضيعها المتنوعة، بين الحب والشوق والمجتمع والعائلة، وكذا مواصلة الشعراء مدها بالكلمات التي تتوافق مع ألحانها ومواضيعها.
لا شك أن ولاية سطيف المشهورة ثقافيا بالأغنية السطايفية المحبوبة في الأعراس على المستوى الوطني لطابعها الراقص والمميز، أن هذا قد واكبه ظهور وتطور في الشعر الملحون الذي يعتبر رافدا أساسيا من روافد هذه الثقافة المتجدرة في أعماق أهالي عاصمة الهضاب.
والغريب أن العديد من شعراء الملحون ينتشرون في ربوع الولاية، إلا أن الجهات المعنية لم تفكر يوما في لم شملهم، واستحداث فضاء ثقافي يجمعهم في مهرجان ولو بطابع محلي، وهذا ما ينقص هذه الفئة لصقل مواهبها أكثر.
ولعل قصة الشعر الملحون بسطيف، والمرتبط بالأغنية السطايفية تتجلى بوضوح منذ قديم الزمان، من خلال طابع أغنية الصراوي التي تشتهر بها عاصمة الهضاب، وهو النوع الغنائي الذي يؤدى في الحفلات والمناسبات، ويعرف بالعيطة السطايفية، يتميز بمواويله المؤثرة وهو فن عريق بسطيف ومناطق من الاوراس الجزائري، وقيل إنه يعود الى القرن 12 الميلادي حينما جلبه معهم العراقيون في رحلاتهم الى بلادنا، كما قيل انه فن غنائي لمنطقة المغرب العربي،وهناك من يقول انه فن جلبه بنو هلال الذين استقروا بسطيف.
وتؤدي هذا النوع من الغناء النسوة والرجال، فإذا قالت المرأة عبارة موزونة شعريا بألحان العيطة والموال، فإن المرأة الأخرى في الجهة المقابلة ترد عليها بعبارة غنائية من نفس الوزن الشعري، لينطلق الحشد النسائي الحاضر للحفل في إعادة ترديد الأشعار الملحنة، وينطبق نفس الأمر على الرجال، وعادة ما تتناول أشعار الغناء الصراوي مواضيع الحب، الشوق، الغزل والحقول باعتبار المنطقة تشتهر بزراعة الحبوب، كما تتناول أفراد الأسرة مثل الأب والأخ والأم وخاصة الخال، حيث تكثر كلمة «يا خالي» في الأغنية السطاسفية القديمة والحديثة، حيث يمكن القول أن أغنية الصراوي تشكل قاعدة الشعر الملحون بالمنطقة والنواة الصلبة له.
ويحكى أنه ذات يوم كانت امرأة حاضرة لحفل زفاف، وطلب منها ان تؤدي أغنية من هذا النوع أي الصراوي، وكانت حالتها النفسية ليست على ما يرام لفقدها زوجها، إلا أنها أمام الإلحاح، نظمت عبارات موزونة أكدت من خلالها اعتذارها لأن حالتها النفسية لا تسمح، ما يؤكد أن الحس الإبداعي الشعري لدى المرأة السطايفية كان يتجلى بشكل واضح في الاغنية الصراوية، التي رغم ما يلاحظ من قلة الانتشار إلا أن الفنانين والسلطات الثقافية بالولاية يحرصون على التذكير بهذا النوع في كل مناسبة ومهرجان، حيث تفتتح المهرجانات الغنائية بالمنطقة عادة بهذا النوع.