إن التراث لم يكن إلى وقت قريب من الزمن يعبر عن أحد المفاهيم المرتبطة بالتنمية، ولم يتعد التفكير فيه حدود العمل من أجل الحفاظ عليه وصونه، إلا أن النظر إلى التراث الثقافي بشقيه المادي واللامادي وما يتمتع به من خصائص ومقومات فريدة من شأنها المساهمة في تحقيق الأهداف الاقتصادية إلى حدّ كبير أدى إلى تغيير هذه الصورة النمطية عنه باعتبار الاستثمار فيه يعد مساهما كذلك في تعزيز فرص الاستمرارية والحفاظ على التراث.
ويتفق اليوم أغلب المهتمين بالشأن الثقافي محليا ووطنيا على أن التفكير في العوائد الاقتصادية للتراث لن تتأتى إلا بإعادة تأهيل الموروث التاريخي الجزائري، ليتحوّل من مخزون ساكن وميت إلى تدفق ديناميكي حي بإعطاء فرص للترويج لمنتجاته بما فيها المنتج السياحي أوالمنتج الاقتصادي وكذلك تصنيفها ضمن التصنيفات العالمية من خلال تدعيم الخروج بها من المفهوم الضيق المحلي للموروث التاريخي إلى الفضاء العالمي الذي تصنف ضمنه عديد المدن التاريخية.
ويتعلّق التفكير بمدى نفعية التراث المادي واللامادي ومساهمته في الخزينة العمومية بارتباط ذلك بالقيمة المضافة الممكن الوصول إلى تحقيقها من خلال التركيز على استغلال التراث الثقافي والاستثمار فيه اقتصاديا، وهو ما من شأنه خلق فرص عمل من خلال تكوين اليد العاملة
المتخصصة في مختلف الحرف التقليدية المحلية، كصناعة السعف، الطرز التقليدي، البناء ومواد البناء التقليدية.
ويقدّم الكثير من المختصين أمثلة في هذا المجال للاستثمار في التراث الثقافي وإخراجه من الأسوار التقليدية المحدّدة في الحفاظ عليه دون هامش ربحي واستغلاله للاستثمار اقتصاديا وعلاقة ذلك بالشقّ السياحي كطرف فاعل في تحقيق النفعية والربحية من مختلف النشاطات المرتبطة به من الاحتفاظ بالبنايات التاريخية وعبقها ومحيطها الثقافي وما تحمله من عادات وتقاليد وأفكار مجتمعية راسخة والبحث عن طرق لتنميته والتسويق له كمورد رئيسي من موارد التنمية الشاملة من أجل تعزيز استمرارية الموروث الثقافي والحفاظ عليه وصونه بتشجيع الاستثمار فيه اقتصاديا.
ومن جهته، يرى الدكتور محمد قوجيل الأستاذ بقسم علوم التسيير ومدير دار المقاولاتية بجامعة قاصدي مرباح ورقلة أن: «التراث المادي واللامادي يعتبر أحد أهم أعمدة تنمية السياحة في العديد من الدول التي اهتمت بالاستثمار فيه، موضحا أن عديد الأصوات قد تعالت في السنوات الأخيرة للاهتمام بهذا التراث نظرا لما يمكن أن يحقّقه في النهوض بالتنمية الاقتصادية وزيادة مداخيل الخزينة العمومية في بعض الدول، سواء تعلق الأمر بالشق المادي، حيث تمكنت العديد من الدول من جعل الآثار التي خلفها الأجداد من منشآت دينية وقصور وأبراج مصدرا هاما لتحقيق مداخيل للخزينة العمومية وتوفير مناصب عمل للمحافظة على هذه الآثار (كقصر فرساي بباريس أوجامع أيا صوفيا باسطنبول)، إلى جانب المتاحف التي تجمع مختلف الأدوات التي استخدمها الأسلاف في حياتهم اليومية، كما أن العديد من المناطق استثمرت في موروثها اللامادي من أمثال وحكم وأشعار وأغاني، وأساليب العمارة والتزيين وحتى من خلال أكلاتها الشعبية بإقامة مهرجانات لإحياء الأعياد الدينية والشعبية في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية في هذه المناطق.
اهتمام جمعوي بالتراث من شأنه تغيير الأوضاع
هذا وأكد ذات المتحدث، أن هناك تزايدا في الاهتمام بالتراث المادي واللامادي في الجزائر بشكل ملحوظ سواء على المستوى الحكومي من خلال إحياء شهر التراث كل سنة من أفريل إلى ماي أوعلى المستوى الجمعوي، حيث عمدت عدة جمعيات إلى إظهار اهتمامها بالتراث الثقافي المادي واللامادي وهو ما انعكس على تزايد المهرجانات الشعبية كعيد القصر وعيد سدراتة بورقلة، إلا أن الاستثمار في هذا المجال لا يزال ضعيفا ويبرز فقط من خلال تزايد عدد مطاعم الأكلات الشعبية في مختلف الولايات والتي أصبحت هي الأخرى أحد وسائل الترويج السياحي والمساهمة أيضا في توفير مناصب العمل.