لقد حضيت السينما الجزائرية منذ نشأتها بمكانة مرموقة عالميا وعربيا، قبل أن تتراجع هاته المكانة إلى مستويات أصبح الإنتاج السينمائي الجزائري محدود جدا، مناسباتي يخضع إلى إرادة ظرفية لا تعدو أن تكون حضورا من اجل الحضور وشغل الفراغ، خاصة من خلال المشاركات في المهرجانات السينمائية المحلية والإقليمية والدولية، وللأسف باتت السينما الجزائرية في هاته المهرجانات تتذيل الترتيب أمام نظيراتها على المستوى الإفريقي والعربي وغيابها الشبه كلي على الساحة العالمية ما عدا بعض المبادرات لأكبر المخرجين الجزائريين، الذين يحاولون بين الحين والآخر العودة بالسينما الجزائرية إلى المسار الصحيح في ظل مستقبل غامض وشائك بالتعقيدات.
لتناول هذا الموضوع كان لـ “الشعب” هذا الحوار مع فوزي منصوري، أستاذ الإعلام والاتصال والمهتم بالإنتاج السمعي البصري بجامعة محمد الشريف مساعدية بسكيكدة.
❊ الشعب: ما هي آفاق الإنتاج السّينمائي الجزائري برأي المختصّين في المجال السمعي البصري؟
❊❊ الأستاذ فوزي منصوري: أولا شكرا لجريدة “الشعب” العريقة على هاته المواضيع، حقيقة السينما الجزائرية آمرها بات معقّدا جدا في ظل عالم يقدس الصورة المتحركة و يبدع في توظيفها اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، في الوقت الذي للأسف الشديد أهملت الجزائر السينما وباتت لا ترتقي إلى حجم ووزن القضايا التي تتناولها سواء على المستوى المحلي الوطني، ولا حتى على مستوى الوزن التاريخي الذي أعطى للسينما الجزائرية دفعا كبيرا على غرار الأفلام الثورية التي تناولتها السينما الجزائرية زمن السبعينيات، هذا له العديد من الأبعاد التي هوت ولا زالت تتهاوى بالسينما في نفق مظلم لا ندري متى تحدث الاستفاقة والعودة بالإنتاج السينمائي الجزائري من جديد والاستثمار في السينما، نحن للأسف اليوم لا نعاني فقط من قلة الإنتاج السينمائي المحلي بقدر ما نعاني من غياب الإرادة الجادة التي ترفع التحدي من جديد وتحاكي نظيراتها في دول العالم، نحن اليوم في عالم مفتوح يخضع إلى سلطة الصورة المتحركة، يجب أن نعي بهذا الثقل الكبير للمنتوج السينمائي، فلنا تجربة في دول تتعدى مداخليها من الإنتاج السينمائي عائدات الدول من المحروقات، وهذا واقع لا يجب أن نغفله، كما أن تكنولوجيا الاتصال والمعلومات أضافت للسينما الكثير من المحاكة الواقعية التي افتقدتها السينما الكلاسيكية، وهذا محفّز كبير خاصة في تذليل الصعوبات في التصوير ومعالجة الصورة والخدع السينمائية التي تختصر الجهد والمال خاصة على السينما الناشئة.
❊ كمتخصّص في الميدان، لمن توجّه مسؤولية النهوض بالمنتوج السينمائي في الجزائر؟
❊❊ مسؤولية الإنتاج السينمائي في الجزائر وتراجعه نتقاسمها جميعا، كإعلاميين وكمتخصّصين في الإنتاج السينمائي مهنيين أو أكادميين، لكن تبقى كما سبق وذكرت نحن لازلنا في الجزائر نفتقد إلى الإرادة الجادة في النهوض بهذا القطاع الحي، وبالتالي تتضاعف المسؤولية في ذلك على الجهات الوصية على القطاع السينمائي في الجزائر، فيجب نفض الغبار عن هذا السبات الذي حل بالسينما الجزائرية، وفتح الباب واسعا للاستثمار في الإنتاج السينمائي، بضخ أموال كافية لتجسيد الأفلام التاريخية، يجب الاحتكاك بالإنتاج السينمائي العالمي من مخرجين وممثلين ودور إنتاج، نحن تقوقعنا للأسف على أنفسنا، ولنا بعض الشخصيات للأسف في الجزائر احتكرت العمل السينمائي بذهنية هذا البعبع يجب التخلص منه لأنه بات أكبر عائق أمام تطوير السينما الجزائرية، من توظيف الكفاءات لإحداث نقلة نوعية، ولنا في السينما التركية أكبر دليل في ظرف سنوات وجيزة استطاعت السينما التركية تبوأ مكانة لها دوليا وإقليما ومحليا.
❊ بعد هذا الغياب الكبير، هل هناك إمكانية لخلق ثقافة سينمائية لدى الجزائريّين من جديد؟
❊❊ الثقافة السينمائية في أي مجتمع لا تحدث من فراغ، فهي عبارة عن نتيجة حتمية لواقع معاش، لو كان هناك منتوج سينمائي كبير في ظل تنافس وإبداع سينمائي كبير، اعتقد المجتمع المحلي يفضل المنتوج الذي يتكلم بلغته وثقافته، ويتناول مشكلاته وهمومه اليومية أكثر من اهتمامه بسينما لا صلة لها بواقعه، ولهذا نريد أن نقول: “أسّسوا لنا صناعة سينمائية راقية نعطيكم جمهورا مجانيا”، لأن السينمائي وفي لغة الدراما التلفزيونية هناك قاعدة ينطلق منها
«أن البطل في الفيلم أو المادة السينمائية المعروضة هو المشاهد”، لأن هذا المنتوج هو في الأساس موجه إلى المشاهد، وبالتالي يجب أن يحس المشاهد في أي منتوج سينمائي بالمكانة التي وضعها له المخرج على رأس أولويات كتابة أي سيناريو، تضاف إلى ذلك بعض المشكلات التنظيمية فيما يخص دور العرض ودور السينما في الجزائر، فوزن المنتوج السينمائي وحجمه وثقله كفيلان بحل هاته المشكلات التي اعتبرها جانبية مقارنة بالمشكل الكبير المتمثل في قلة الانتاج السينمائي.