تعاني الأسواق الاستهلاكية من الهاجس المزمن لارتفاع الأسعار بشكل لا يمكن تفسيره بمبررات اقتصادية تعكس تركيبة سليمة للبنية الهيكلية لسعر المنتجات.ولا تزال هذه الوضعية بمثابة الجانب الهش لمنظومة الأسواق التي لم يعد ممكنا ترقب تطوراتها في غياب مقاربة شفافة تضمن لكل طرف مركزه الاقتصادي بعيدا عن أي احتكار أو مضاربة اوغش.
ولا يزال هامش الربح للتاجر المعضلة الأولى التي يجب الفصل فيها ضمانا لتحكم جيد في العملية التجارية بما يضمن حركية أسواق في ظل استقرار الأسعار وتغيرها وفقا لمعادلة متوازنة لا تشكل خطرا على القدرة الشرائية.
المثير للتساؤل أنّ الجهات المكلّفة بالمسألة لم تتوصّل بعد إلى إرساء أسس متينة تحكم حركية الأسواق من حيث التموين المنتظم بما لا يعطي فرصة لظاهرة الندرة، خاصة بعد أن سخّرت الدولة امكانيات وأدوات للتكفل بالتخزين واستيعاب الفائض، الأمر الذي يسمح بضبط السوق وكذا من حيث تحرير النشاط الفلاحي خاصة ومرافقته بترتيبات تمويلية غير مسبوقة ينتظر أن تكلل بنتائج على مستوى التسويق.
ويلاحظ هذه الأيام كيف أنّ ماعدا اللحوم البيضاء كالدجاج الذي استقرت أسعاره في مستوى المستهلك فإنّ أغلب المنتجات الزراعية التهبت أسعارها مثل الطماطم
(100دج)، السلطة (120دج)، البصل (150دج) على سبيل المثال وهي معدلات غير منطقية بالنظر لمدى الإقبال عليها، وبالتالي إنها مضمونة التسويق وإنتاجها يتم بكميات كبيرة.
وترتفع الأسعار في وقت يسجل فيه ارتفاع لحجم الإنتاج خاصة في مواد أساسية، كما هو الشأن في ولاية قسنطينة حيث يتوقع إنتاج 84 ألف قنطار من البطاطس مثلا، وفي نفس الولاية من المقرر أن يتم إنشاء 5 أسواق جوارية بالخروب.
وإذا كان هناك من يبرر عودة هاجس التهاب الأسعار بالزيادات في الأجور وارتفاع أسعار المواد المدخلة في العملية الإنتاجية كالأسمدة، فإنّ هناك من يرجع الأمر لإزالة الأسواق المصنفة فوضوية التي أعلنت السلطات العمومية حربا عليها مع تسطير برامج لانجاز أسواق منظمة يجري إنجازها، ومنها ما تم تسليمه للتجار قصد إدماجهم في الإطار المنظم وفقا لمعايير النشاط التجاري.
لكن بالمقابل تبقى ممارسات الاحتكار غير المعلن خاصة على مستوى مراكز التخزين والتبريد، التي يجب أن يتم إخضاعها للشفافية ليس من جانب تسيير الاستثمار فيها، وإنما أيضا من جانب تسييرها باعتبارها مرافق عمومية حتى وان كانت تخضع للقطاع الخاص.