تتّجه الأنظار إلى مؤشّرات سوق النفط عشية اجتماع لجنة الخبراء عالية المستوى في 21 نوفمبر الجاري للحسم في توزيع الحصص المتعلقة بتخفيض فائض الإنتاج، والتحضير لظروف مواتية تحيط بالاجتماع الوزاري لمنظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبيب) الذي يرتقب أن يجسّد التزام الأعضاء 14 ما عدا البلدان المصنّفة حالة خاصة بتنفيذ بنود اتفاق الجزائر المحقق بتاريخ 28 سبتمبر الماضي في اجتماع المنظمة على هامش المنتدى العالمي للغاز، والذي سطّر هدفا حيويا هو الأول من نوعه منذ 8 سنوات مضت يقضي بتخفيض الإنتاج بين ٥ ، ٣٢ إلى 33 مليون برميل في اليوم، وبالتالي امتصاص الفائض الحالي بمعدل 700 ألف برميل في اليوم. ومن شأن دخول اتفاق الجزائر حيز التطبيق أن يعيد الانتعاش للأسعار، وإنهاء تراجعها الكبير المستمر منذ سنتين ممّا يعطي للبلدان أعضاء أوبيب، خاصة مع إبداء بلدان منتجة من خارجها مثل روسيا إرادة في الانخراط في ديناميكية الحد من الإنتاج، على اعتبار أنّ النّتيجة ستكون في نهاية المطاف لصالح الجميع بما في ذلك البلدان المستهلكة نفسها التي لديها شركات عالمية كبرى تستثمر في النفط ولا تقبل أن يتراجع سعر البرميل إلى اقل من كلفته. وعشية هذه المواعيد التي تحظى بمتابعة واسعة، يستعرض الخبير آيت شريف كمال المختص في اقتصاد الطاقة قراءته للمؤشّرات وتوقّعاته للتطورات.
عكف كمال آيت شريف الخبير في اقتصاد الطّاقة على تحليل مؤشرات السوق النفطية، وطرح توقّعاته بشأن تعافي الأسعار، وكذا ما يرتقب أن يسفر عنه لقاء فيينا المقبل، الذي تجتمع فيه الدول الأعضاء في منظّمة «أوبك»، وسلّط الضّوء على الدور الذي لعبته الجزائر على الصعيدين الجيوسياسي والجيو إقتصادي لتقريب وجهات النظر، ومدى استمرار تأثيرها لاحتواء الخلافات، معتبرا أنّ أيّ نجاح قد يفضي إلى استقرار السوق النفطية وتماسك الأسعار، يقتضي توصّل جميع المنتجين عبر العالم إلى وفاق وإجماع حقيقي، على السقف الذي ينبغي أن يستقر عليه ضخ الكميات، التي تطرح في السوق البترولية، وهذا القرار أو الخطوة الجوهرية التي من شأنها أن تعيد رسم معالم معادلة العرض والطلب سيكون لها أثر كبير على الأسعار، ويجسّدها تطابق وجهات النظر بين الدول العضوة في الأوبك والدول المنتجة من خارجها.
قال الخبير والمهندس كمال آيت شريف أنّ السوق العالمية للمحروقات، دخلت في تخمة وإشباع قياسي من حيث العرض، الذي فاق كثيرا حسب تقديره قدرات الطلب من طرف المستهلكين، ولم يخف أنه يمكن القول أن العالم في مواجهة نظام طاقوي عالمي جديد غير بشكل جذري نمو الطاقة في العالم، وفي صدارتها النفط، من خلال تغييره للمعادلة الطاقوية وتسببه في اضطراب فعلي، وبخصوص اجتماع خبراء أوبك المقرر يوم 21 نوفمبر الجاري، ثم يليه اجتماع وزراء ذات المنظمة يوم الـ 30 من نفس الشهر بفيينا، بهدف متابعة مسعى توازن السوق. وأبرز التوقّعات التي يمكن تسجيلها من نتائج خلال اللقاءين، أوضح الخبير كمال آيت شريف أن الحل المتاح، لتجاوز الظرف الراهن، يوجد بأيدي الدول العضوة داخل وخارج منظمة «أوبك»، من خلال التوصل إلى اتفاق حقيقي وملموس، على اعتبار أن التخمة التي تعرفها السوق النفطية، تجلت منذ منتصف عام 2014، وانعكس ذلك على انهيار الأسعار، وبالعودة إلى لقاء الجزائر، الذي توّج بقرار تاريخي، بالرغم من أن المنتدى الذي انعقد بالجزائر، كان للطاقة وليس للنفط، وتحول تركيزه على سوق المحروقات، لكن اعترف أن لا أحد من الخبراء والمتتبّعين كان ينتظر أن ينجح اللّقاء، ويسفر عن قرار التخفيض، رغم أن الخبراء كانوا يتمنون لو أنه تم التوصل إلى قرار التجميد، لكان أفضل كون التخفيض، قرار يواجه كذلك صعوبة تجسيده، خاصة على صعيد توزيع الحصص بالنسبة لجميع الدول التي سوف تعترضها تحديات وصعوبات جمة، علما أن الدول العضوة في منظمة «أوبك»، تمثل نحو 40 بالمائة من الإنتاج العالمي للنفط، بينما الـ 60 بالمائة الأخرى من إجمالي الإنتاج العالمي من البترول، تضخه الدول خارج «أوبك»، لذا أي نجاح يفضي إلى استقرار السوق النفطية وتماسك الأسعار، يقتضي توصّل جميع المنتجين عبر العالم إلى وفاق وإجماع حقيقي على السقف، الذي ينبغي أن يستقر عليه ضخ الكميات، التي تطرح في السوق البترولية، وهذا القرار أو الخطوة الجوهرية التي من شأنها أن تعيد رسم معالم معادلة العرض والطلب، سيكون لها أثر كبير على الأسعار، وتجسدها تطابق وجهات النظر بين الدول العضوة في الأوبك ومن خارجها.
تحدي تقسيم الحصص مازال واردا
يذكر أنّ لقاء الجزائر، المنعقد شهر سبتمبر الماضي، خرج بقرار التخفيض إلى حدود ٥ . ٣٢ أو 33 برميلا يوميا، أي التخفيض بنحو 700 ألف برميل، وما لا يخفى على أحد أنّه تثار في هذا المقام إشكالية مازالت قائمة، تتمثل في صعوبة تقسيم الحصص أي من يتحمّل حصص الآخرين؟ وقال آيت شريف بالموازاة مع ذلك أنه في ظل الترقب الكبير، حيث أنّ الأنظار بدأت منذ أيام تتّجه نحو اجتماع فيينا، المقرر عقده نهاية الشهر الجاري، تطرح العديد من التوقعات ذات التفاؤل الكبير، حتى يستكمل تفعيل قرار الجزائر التاريخي والسير نحو تثبيت نتائج قرارات الجزائر، ولم يخف الخبير أنه بالفعل للجزائر تحرك دبلوماسي قوي ومؤثر، وأثبت ذلك في العديد من المسائل و المواقف ودورها جد مهم، وباستطاعتها الاستمرار في مواصلة مسعى التأثير، لتقريب وجهات النظر والتوصل إلى الإجماع المنشود. وعلى ضوء كل هذه المستجدّات، قدّم آيت شريف تحليلاته بشأن امكانية استقرار السوق، عقب اجتماع فيينا المقبل، حيث أوضح يقول في سياق متصل، أن الأسعار الحالية لبرميل النفط والتي تتراوح ما بين 45 و47 دولارا للبرميل، لا تخدم لا الدول المنضوية تحت لواء منظمة «أوبك» أو خارجها، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية في استثماراتها في الغاز الصخري، على اعتبار أن الأسعار أقل من حدود الـ 40 دولارا، ليست ناجعة وليس بإمكانها تقديم أي مردودية.
واغتنم الخبير الفرصة ليحذر من استمرار السعر الحالي لبرميل النفط في حدود معدل الـ 40 دولارا إلى مدة أطول، متوقّعا أن يؤثّر على الشركات والمجمّعات العالمية الكبرى، التي سوف ينتهي بها الأمر إلى توقيف نشاطها الاستثماري، ومن ثم يرتقب أن تحدث صدمة، ينتج من خلالها تضاعف الطلب وتراجع العرض، ويأتي كل ذلك في وقت تحضر العديد من الدول للتحول الطاقوي، الذي يمكنه أن يقدم حلولا لمعالجة الوضعية الراهنة، التي لا تخدم لا الدول المنتجة ولا المستهلكة للبترول.
الجزائر تحظى باحترام جميع الأطراف
وعلى صعيد القدرة على احتواء أي خلاف قد يطرأ، حول وجهات نظر بعض الأطراف داخل منظمة أوبك، قال الخبير أن هذا التحدي سجل في لقاء الجزائر، وتمكّنت من حلّه، على اعتبار أنّ الجزائر تحظى باحترام جميع الأطراف، وتمكّنت من إذابة الجليد وتحريك الجمود، حيث لعبت في البداية دورا جيو اقتصاديا، ثم تبنّت دورا جيو سياسيا، وقرّبت من وجهات النظر المتناقضة، وتمكّنت من أن تكون أحسن وسيط بين الشّركاء داخل منظمة «أوبك»، ويجب ذكر في هذا المقام حركية الجزائر المحسوسة قبل لقاء الجزائر، حيث تنقل وزير الطاقة نور الدين بوطرفة إلى روسيا وفرنسا وقطر، والتقى كذلك مع وزير الطاقة السعودي بفرنسا، وحضر المسؤول الأول في الوكالة الدولية للطاقة قبل منتدى الجزائر، حيث هذه الوكالة تمثل الطرف المستهلك، كون الجميع على يقين من خطورة استمرار السوق في الاضطراب، تخوّفا من تسجيل انهيار تام للأسعار، وبالتالي انهيار للمجمّعات النفطية الرائدة دوليا. ويتوقّع آيت شريف إذا استمرّت السوق بهذا الشكل وفاقدة لتماسكها إلى غاية آفاق عام 2020، فإنّ أزمة حادّة سوف تلوح في الأفق وتتفجر على المدى المتوسط، أي خلال الثلاث أو الأربع سنوات المقبلة، لكنّه طمأن بشأن السير الحتمي للمنتجين والمستهلكين لإنقاذ الوضع، حتى لا تشتعل أزمة نفطية عالمية تلوح في الوقت الحالي في الأفق.