حول استكمال البناء المؤسساتي، الدكتور فؤاد جدو:

الاتصال السياسي يعزّز الثقة بين المواطنين والمنتخبين

إيمان كافي

- إعـادة تشكيل النظام السياسي وفق متطلبات الحراك الشعبي
-  انفتــــاح المجالـــس المحليــــة والنـواب عبر الإعـــــلام الرقمــــي

يعتقد الدكتور فؤاد جدو أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد خيضر بسكرة، بأن انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة ستكون خطوة هامة في مسار استكمال البناء المؤسساتي، إلا أنها قد لا تكون مجالا لإحداث تغييرات ديناميكية على العمل السياسي ونشاط الطبقة السياسية الذي أضحى محتشما نوعا ما بعد الانتخابات الأخيرة، مع وجود مؤشرات وبوادر لإعادة تشكيل خريطة سياسية جديدة وفق ما وضع من قوانين تنظيمية، تتطلب بعض الوقت والإرادة والوعي الجماعي والإدراك بحساسية المرحلة وخطورة التهديدات وضرورة الاستجابة للتحديات الراهنة والمستقبلية لتحقيق متطلبات التغيير من جهة أخرى.



- «الشعب ويكاند»: عشية انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة، هل ستساهم هذه المحطة في انعاش العمل السياسي؟
-- فؤاد جدو: مسألة تجديد اعضاء مجلس الأمة من ناحية التغيير في رأيي، لن يضيف تغييرات ديناميكية، بقدر ما سيكون تغييرا في الهيكلة واستكمال البناء المؤسساتي، لأن مهام مجلس الأمة مكملة لدور المجلس الشعبي الوطني وإن كان لهذا الأخير آليات أكثر فعالية، لكن استكمال عملية التجديد مرحلة أساسية لبناء القطيعة مع النظام السابق.

- بعد انتخابات التجديد النصفي، هل من الممكن توقع تطور لحضور الطبقة السياسية وأي أفق لها بعد هذه المرحلة؟
-- بالنسبة لدور الطبقة السياسية مع الانتخابات الموجهة لتجديد مجلس الأمة، أعتقد أن دورها وحجم المشاركة محصور في الأحزاب السياسية التقليدية بشكل أكبر لاستكمال مسار مشاركتها في الانتخابات المحلية السابقة وأيضا بعض الوجوه المحسوبة على التيارات المستقلة ولهذا فالطبقة السياسية، ستعمل على كسب مقاعد سياسية بالدرجة الأولى وتدرك جيدا أنها لن تغير والنقاش السياسي سيكون في كيفية حسم المقاعد وكسب الأصوات وفق التوافقات وليس برامج بمفهوم المنافسة.

- كيف ستكون للمجالس المحلية والولائية مساهمة في الميدان؟
-- المجالس المحلية والولائية من المفروض أنها النواة الأساسية للتنمية وتحريك المشهد اليومي للمواطن، لأنها الحلقة الأولى الرابطة بين الدولة ومؤسساتها والمواطن، ضمن ثنائية الحقوق والواجبات وبالرغم من أن الانتخابات الأخيرة، عرفت عزوفا، إلا أن الملاحظ أن الأحزاب التقليدية استطاعت أن تتموقع بشكل ذكي، من خلال استقطاب وجوه جديدة وشابة، بحكم قانون الانتخابات الجديد الذي فرض شروطا، أعطت مساحة أكبر للشباب والفئة الجامعية والمثقفة وهذا ما يتطلّع إليه الشعب الجزائري والمواطن عموما، على أن تقوم المجالس الجديدة بتقديم إضافة وقيمة لمعالجة وحل المشاكل اليومية للمواطنين وتحسين الوضع وتطوير التسيير العمومي وترشيد النفقات، خاصة أن الأمر جاء بعد حراك ومطالب شعبية للتغيير الفعلي وليس العودة إلى ممارسات سابقة وهذا ما نأمله.

- لماذا لم تسجّل تحركات ميدانية للأحزاب، منذ انتهاء العملية الانتخابية الاخيرة؟
-- الطبقة السياسية في الجزائر لها أبعاد ومعطيات أخرى وهناك فرق بين النخب السياسية والطبقة السياسية، وإذا أردنا ضبط مفهوم الطبقة السياسية فهي تضم النخب السياسية والمثقفة عموما والفواعل الأخرى المؤثرة في المشهد السياسي، سواء كانوا مشاركين في السلطة أو معارضين ولكن في الغالب تنحصر الطبقة السياسية في مفهومها العام في الأحزاب السياسية وإذا عدنا للجزائر، فإننا نجد أن الطبقة السياسية فيها نوعان الأول هو الأحزاب السياسية التي للأسف تعمل وفق المناسباتية التي تتعلّق بمواعيد انتخابية وأخرى غالبا ما تتحرّك في خارج هذه الفترات والنوع الثاني هو بعض الوجوه السياسية التي تنشط وفق أحداث وتطورات عبر الكتابة أو التصريحات وأن كانت فترة الحراك الذي عرفته الجزائر، أسهمت في إحداث زخم سياسي ونشاط كبير، إلا أن في المرحلة الحالية بعد انتهاء تجديد المؤسسات الدستورية تراجع هذا النشاط، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مرحلة النظام السابق ساهمت كثيرا في حصر الأحزاب السياسية في صورة تقوم على مبدأ الزبونية السياسية وهذا ما أثر على المشهد السياسي بشكل عام.

- ألا تعتقد أنه كان يفترض أن تبرز الأحزاب بعد الانتخابات التشريعية والمحلية؟
-- من المفروض أن يعمل الحزب السياسي طوال السنة، من خلال تفعيل مبدأ أساسي وهو العمل والتكوين السياسي للكوادر التي ترشّح لتولي مناصب سياسية، من خلال آلية الانتخابات والتواصل مع المواطن والشارع والنشاط على مستوى المؤسسات الدستورية، لكن نجد أن هذه الخاصية للأسف لا تتوفر في جل الأحزاب السياسية في الجزائر، خاصة مسألة النشاط الدوري والاستماع لانشغالات المواطنين والتحرّك عبر القنوات الإعلامية والأهم هو بناء الوعي الوطني، إلا أن بعض الأحزاب السياسية كان لها نشاط من خلال ما يعرف بالجامعات الصيفية وربما جائحة كورنا التي لا يزال تأثيرها على النشاط السياسي من باب الأسباب الموضوعية، إلا أن الأمر لا يزال يتطلب جهدا من طرف الأحزاب السياسية وأيضا من طرف السلطة لفتح المجال أكثر، خاصة بعد مرحلة التجديد التي مسّت المؤسسات الدستورية.
لذلك، فإن الأمر يتعلق بأننا في مرحلة تحول ما بين نظام سابق كان قائم على المحاصصة ونظام الكوطة كما يعرف للأحزاب الموالية للسلطة، في إطار منطق الزبونية وبين مرحلة إعادة تشكيل النظام السياسي وفق متطلبات ومطالب الحراك الشعبي، أو ما يطلق عليه في علم السياسية بمرحلة الترسيخ الديمقراطي والتي تتطلب وقتا وجهدا وتفعيلا لدور النخب والكفاءات السياسية والشباب والابتعاد عن ممارسة الأساليب السابقة، خاصة تحالف المال السياسي والفساد في المشهد السياسي، وبالتالي حساسية المرحلة تعطى مؤشرات بوجود بوادر لإعادة تشكيل خريطة سياسية جديدة وفق ما وضع من قوانين تنظيمية في الوقت الراهن.

- إذن، هل تتوقّعون أن تكون انتخابات التجديد النصفي خطوة لتجاوز الركود؟
-- مسألة تمكين الطبقة السياسية من تجاوز الركود السياسي، تتطلب جملة من الشروط والظروف التي تسهم في التغيير الحقيقي ولكن هذا يستغرق وقتا أكبر ومساحة أوسع من الحريات والممارسات والضمانات التي تعطيها السلطة للطبقة السياسية، ويمكن أن نركز على أول عامل في عملية التغيير وهو ضرورة تغيير الخطاب السياسي الذي تسوّقه الطبقة السياسية اتجاه الشعب والمواطن، مع مراعاة أكثر للواقع وحقيقة الوضع السياسي والاقتصادي ووضع الخطاب وفق رؤية مستقبلية وتخطيط على المدى المتوسط والبعيد، من أجل تحقيق تنمية شاملة على المستوى الداخلي والخارجي.
النقطة الثانية على الطبقة السياسية، أن تنزل للشارع فعلا، مثلما تفعل خلال الحملات الانتخابية، من خلال تنظيم لقاءات جوارية مع المواطنين داخل الأحياء والمؤسسات والاستماع لانشغالاتهم وهذا يعزّز الثقة بين المواطن والنخب، سواء كانت في المؤسسات الدستورية والمجالس المحلية أو في المعارضة أو حتى مكونات المجتمع المدني وهذا يمكن بالعمل المستمر من طرح الحلول الممكنة وتشكل حلقات ربط بين السلطة والمواطن وأجهزة الدولة ومعالجة القضايا كنقص بعض المواد الغذائية أو بعض الخدمات، وبالتالي التقليل من حالة العزوف السياسي والانتخابي، النقطة الثالثة وهي انفتاح المجالس المحلية والولائية والنواب على المواطنين عبر الإعلام الرقمي وتوسيع الاتصال السياسي الرسمي وغير الرسمي، وهذا يعزّز الثقة بين المواطن والمنتخبين ويفعل الديمقراطية التشاركية التي تعطي حق الاطلاع والمبادرة والمحاسبة والنتيجة تكون تحسين الوضع المعيشي عموما، والجزئية الأخيرة والمهمة هي تفعيل دور البرلمان وتعزيز معنى المعارضة الحقيقية التي تمكن من استخدام أدوات الرقابة والمساءلة والمحاسبة والاقتراح أيضا في كل ما يخصّ المواطن، وفي المقابل يجب أن تتوفر الإرادة السياسية كبيئة حاضنة لتحقيق هذا التغيير المنشود.

- لكن كيف للطبقة السياسية أن تفرض وجودها؟
-- الطبقة السياسية تعمل حسب موقعها، إما أنها منخرطة في المجالس المنتخبة وبالتالي لديها الأدوات التي تسهم في تفعيل دورها عبر الاقتراحات كقوانين ومناقشة الوضع واستجواب الوزراء وغيرها، أو المساهمة في التنمية المحلية من خلال المجالس المحلية وهذا يتطلب وقتا بحكم أن الانتخابات المحلية تمّت منذ وقت قريب، والنوع الثاني هو الطبقة التي تنشط خارج الإطار المنتخب أي العمل في الفضاء السياسي المؤطر كالأحزاب أو بشكل منفرد أو النخب الجامعية مثلا وهذا يتوقف على عاملين وهما انفتاح السلطة والاستماع لها وجدية المقترحات وتتبع التحولات التي يقدمها هؤلاء للتغيير السياسي والوضع عموما.
لقد سبق وأن ذكرت أنه من باب الموضوعية، نجد أن جائحة كورونا أثرت على الحياة عامة بما فيها المشهد السياسي، لكن الفضاءات الالكترونية أيضا كانت مساحة للتفاعل السياسي والشعبي، إلا أن هذه الفضاءات غلب عليها الشعبوية من جهة وعدم التأطير أيضا، وبالتالي تمادى الأمر حتى وصل إلى نشر خطاب الكراهية وبالتالي الممارسة الواقعية للنشاط السياسي تأثرت إلى حدّ كبير بهذه الجائحة التي جعلت الأمر معقدا نوعا ما ويعرف ركودا بصفة عامة.

- هل للقوى السياسية دور في السعي من أجل التخفيف من حدة المشاكل الاجتماعية والصعوبات الاقتصادية؟
-- طبعا للقوى السياسية دور أساسي في تقديم الحلول لتغيير الوضع الاقتصادي والاجتماعي وكما ذكرت المساهمة الفعلية تكمن فيما يطرح من مبادرات ومقترحات على مستوى المؤسسات المنتخبة وألا تكتفي فقط بالمناقشة، بل تبادر لتقديم الحلول وأن تمتلك الشجاعة السياسية في ذلك، خاصة أن كل القوانين الدستورية تكفل ذلك ومن جهة ثانية أن تنخرط النخب السياسية في فضاءات أخرى وهي مكونات المجتمع المدني الذي يمكنه تقديم بدائل عن الأحزاب السياسية بحكم الاستقلالية السياسية عن أي توجّه سياسي والمصداقية التي يتمتع بها المجتمع المدني، خاصة أنه أثبت من خلال جائحة كورونا قوة الشعب الجزائري وتلاحمه في الأزمات، إلا أن الأمر يتطلّب تنسيقا أكثر وبالتالي هذه الفضاءات يمكن أن تشكل دافعا لتقديم مقترحات للمساهمة في تغيير الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

- أترون بأن الطبقة السياسية قادرة على تقديم الحلول؟
-- المسألة لا ترتبط فقط بما تقدّمه النخب السياسية، بقدر ما تقوم على ما تتوافر عليه البيئة السياسية عموما والمناخ الذي يساعد على المساهمة، لأن معادلة التغيير، تتطلّب عناصر أخرى كالسلطة والتي تعتبر أهم مرتكز في هذا المشهد، لأن تفاعل أي مادة لا بد له من وسط مناسب ليتفاعل فيه وما بعد الحراك لمسنا رغبة قوية في الدفع بالشباب لتولي المناصب والمشاركة السياسية وتغيرا في لغة الخطاب السياسي، خاصة لدى النخب السياسية والأحزاب، من خلال الابتعاد عن الشعبوية والنزول والوقوف على واقع المواطن الجزائري وتقديم تصورات عملية تفتح فيها السلطة باب المشاركة والمساهمة وتعمل النخب السياسية أيضا، عبر ما تمتلكه من صلاحيات إذا كانت منتخبة للمساهمة في التغيير، دون أن تنتظر إملاءات ويفعل فيها دور المجتمع المدني والمؤسسات كالجامعة في الدفع نحو الإسهام في هذا التغير عموما لتحقيق ما هو أفضل، لكن أعتقد أن الأمر يتطلّب بعض الوقت، لتجاوز كل معطيات المرحلة السابقة وهذه الجائحة.
وفي الأخير، أي عملية تفاعل سياسي في أي بيئة سياسية، تتطلّع لبناء نظم ديمقراطية تتطلّب وقتا وإرادة ووعيا جماعيا وإدراكا بحساسية المرحلة وخطورة التهديدات وضرورة الاستجابة للتحديات الراهنة والمستقبلية لتحقيق التغيير، ليس فقط من طرف النخب السياسية، بل يمكن الاستعانة بأطراف تتسم بالحيادية والرؤية العلمية، خاصة في الجامعات التي تعتبر خزانا للكفاءات ومصدرا للحلول العملية والعلمية للمشاكل بكل أنواعها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024