سجل قطاع السياحة انتعاشا محسوسا في السنة 2014 التي تطوي آخر أيامها فاتحة المجال لسنة قادمة 2015 تحمل آمالا جديدة للدفع بالسياحة بكافة أنواعها في بلادنا إلى مستوى قوي في الأداء حتى ترفع من حصة مساهمتها في بناء معادلة النمو الاقتصادي. ويرتقب أن تكون السنة المقبلة 2015 موعدا جديدا للرفع من فعالية السياحة الوطنية بفضل ارتفاع قدرات الاستقبال ولكن وهو الأساس إدراك كافة الأطراف المعنية بإحداث نقلة اقتصادية في مواجهة تداعيات أزمة أسعار المحروقات.
وليس جديدا التذكير بالقدرات والطاقات التي تتوفر عليها سوق السياحة المحلية مقارنة بجهات منافسة أخرى إقليمية وعالمية، فمن التنوع الطبيعي باختلاف الفصول إلى المناخ الجذاب مرورا بالمضمون الثقافي الذي يشمل المواقع الأثرية والخصوصيات المتعلقة بالأطباق والفنون، تتوفر الجزائر على فضاءات سياحية ذات جذب واستقطاب لو تنتقل الأدوات التي تتكفل بالترويج إلى جودة وفاعلية أكبر في استيراد السياح، مستفيدة من أوضاع إقليمية ودولية أدت إلى بروز طلب عالمي يبحث عن وجهات جديدة، كان بإمكان سوق السياحة الوطنية أن تستفيد من حصة زكبر من حجم الطلب الذي لم يتم استقطابه في وقته خاصة في منطقتي الوطن العربي بسبب أزمات الاستقرار وأوروبا بسبب الركود الاقتصادي وأزمة اليويو.
الانطلاقة لبعث الحياة في المناطق الداخلية . .
سجلت السنة التي تطوي آخر أيامها هذا الأسبوع لتفسح المجال لعام قادم وجود عناصر أساسية تعتبر بمثابة التوابل الجوهرية لإحداث انتعاش سياحي حقيقي بمضمون اقتصادي واجتماعي وحتى ثقافي. فالى جانب سلسلة المشاريع التي يجري إنجازها على صعيد تنمية الهياكل السياحية من خلال بناء فنادق جديدة باستثمارات من المتعاملين الخواص والعموميين وبالشراكة الخارجية وتنفيذ برنامج تحديث المؤسسات القندقية العمومية القائمة لتأهيلها حتى تستجيب لمعايير المنافسة، تأكد في أكثر من مرة التزام الخطاب السياسي للدولة بجعل السياحة في صدارة المشهد الاقتصادي الوطني ليكون جزءا من القاطرة التنموية. وتتأكد مكانتها في الظرف الراهن بشكل كبير لما يعرفه الاقتصاد من تحولات تستدعي ادماج كافة الموارد البديلة للمحروقات في الحركية الاقتصادية.
كما عرفت هذه السنة تحولا في ذهنية وسلوكات المجتمع بالميل أكثر الى السياحة التي أصبحت سوقا ينبغي يتم الإسراع في تاطيرها ومرافقتها لتنتج القيمة الاقتصادية وتحدث اثر النمو الذي يصب في بوتقة التنمية الاقتصادية والبشرية، بل تكون حينها عجلة اساسية في دفع وتيرة حركية دواليب النظام الاقتصادي بكافة اركانه من تسويق للمنتجات المحلية وتنشيط لخدمات البنوك وبعث للحياة في المناطق الداخلية حيث المادة السياحية جاهزة وعذراء.
الوكالات، وظاهرة “تصدير” السياح . .
عرفت الوكالات السياحية حركية تعكس جدوى السوق التي تستفيد من مناخ استثماري جذاب تعززه قيمة الاستقرار التام للمجتمع في ظل استتباب الأمن وإدراك المواطن لأثر هذا الوضع - الذي تحسد عليه بلادنا من القاصي والداني- المباشر على النهوض بالإنسان بكل ما يعنيه ذلك من تحسين لجوانب المعيشة والرفاه. ولا تزال ظاهرة تصدير السياح الجزائريين الى وجهات أجنبية (إخراج العملة الصعبة) السمة التي تطبع نشاطات أغلب الوكالات السياحية ويكفي مراجعة إعلاناتها على الصحافة المحلية لأدراك مدى الخلل الذي تعاني منه المعادلة وقد ارتفعت وتيرة هذا الاتجاه الإيجابي للوكالات المعنية والسلبي للاقتصاد الوطني مع نهاية السنة التي تصب حصيلتها في صالح وجهات سياحية معروفة لا تزال تستنزف القدرات الوطنية من العملة الصعبة.
قد تكون للوكالات التي لا تراهن على السياحة الداخلية ولا تجتهد في جذب السياح الأجانب بالعدد الكبير مبرراتها، لكن هي معنية كغيرها برد البعض من إرباحها المحصلة إلى دائرة الدورة الاقتصادية المحلية في شكل استثمارات على مستوى الهياكل وإقامة مسارات سياحية محلية في الجنوب أو الهضاب العليا أو الولايات الساحلية أو على الأقل وهذا أضعف تعبير للولاء للوطن ترقية الترويج للمقصد الجزائري كوجهة سياحية بامتياز تطرح منتجات ذات تنافسية إقليميا بالنسبة لمنطقة المرغب العربي وجهويا بالنسبة لمنطقة البحر المتوسط.
الصناعة التقليدية محرك الفعل السياحي . .
استفادت السياحة في بلادنا ولا تزال من عناصر انتعاش قوية أبرزها ارتقاء الصناعة التقليدية وحركية النشاطات الثقافية والفنية على مدار السنة الأمر الذي كان بالإمكان توظيفه في الدفع بحركة تفعيل التدفق السياحي الذي لا تزال وتيرته محدودة رغم الفرص الكبيرة التي يوفرها الظرف الراهن.
والواقع ان المسؤولية متبادلة بين القطاعات التي لم تحقق انفتاحا قويا بينها ويمكن تدارك هذا في بداية العام القادم انطلاقا من أن الأمر يرتبط في النهاية بالاقتصاد الوطني، الذي يقف على عتبة تحولات عميقة باعتماد خيارات بديلة لمداخيل المحروقات على أهميتها في المدى القصير بإرساء دواليب لاقتصاد يقوم على إنتاج القيمة المضافة في كل النشاطات وفي مقدمتها السياحة التي تحيط بها نشاطات مكملة تعرف هي الأخرى انتعاشا في مجالات الصناعة التقليدية والتراث الثقافي بما في ذلك الإطعام السياحي المحلي الذي يقاوم العولمة بفضل سياسة التنمية الريفية التي تقود في جوهرها الى إدماج الاسرة في أعماق البلاد ضمن الديناميكية التنموية.
ويمكن للمؤسسات الفندقية بالدرجة الأولى أن تنفتح أكثر فاكثرعلى الأرياف الجزائرية من أجل لترويج وتسويق ما تنتجه الأسرة الريفية ومرافقتها في تنمية جوانب الجودة. ونفس الاهتمام يمكن تخصيصه للصناعة التقليدية خاصة لبعض الملابس والافرشة ذات الميزة الاصلية التي تنتجها أنامل حرائر الجزائر وفي مقدمتها الزربية الجزائرية التي تقاوم الزمن في كافة أرجاء البلاد، والتي يمكنها أن تنافس وتفرض وجودها في الأسواق الإقليمية والدولية، خاصة إذا انخرطت البعثات الدبلوماسية عبر العالم في ديناميكية ترويج جدية وشفافة لا مجال فيها لضياع منتوج أو تعريضه لتلاعب من ضعاف النفوس مما يضر بالثقة بين المتعامل والطرف الآخر.
بلا شك أن التقييم لحصيلة السنة أمر مهم لكن الأهم التركيز على دفع العجلة في السنة المقبلة لتكون السياحة وكل روافدها عناصر إيجابية تستجيب للتطلعات المسطرة بما في ذلك انخراط الشباب- من كل الفئات تتقدمها فئة المتخرجين من الجامعات- في استغلال الفرص المتاحة وبأقل كلفة بقدر ما تتطلب التشبع بروح المغامرة والانفتاح على أرجاء البلاد من أجل إقامة مسالك للسياحة الجوارية الفصلية بما في ذلك إدخال عروض لفائدة الجامعات والمؤسسات التربوية والاقتصادية ضمن الخدمات الاجتماعية وبالتالي كسر ظاهرة الوجهة الأجنبية التي تضرب القدرات المالية في الصميم.