يشكّل الاستثمار القاعدة الصلبة لانطلاقة تنموية قوية ترتكز على روح الإنتاجية، وخلق الثروة خارج قطاع المحروقات. ولا يقتصر الاستثمار على الشّريك والقوى الخارجية بل المستثمر المحلي لديه ثقله وفاعليته في معادلة النمو، وما يعزّز الابتكار في نسيج المنظومة الصناعية. الجزائر أدركت جيدا ضرورة كسب هذا الرّهان، وتتّجه اليوم نحو تكريس المزيد من التسهيلات، وتبسيط منظومة الاستثمار ويتعلق الأمر بوجه الخصوص على إعادة الاعتبار للترسانة التشريعية التي تنظّم هذا المجال.
يرى العديد من الخبراء الاقتصاديّين أنّ الأرقام مازالت دون مستوى التطلعات في حيز الاستثمار، بالنّظر إلى قدرات الجزائر المالية والبشرية، وبشكل أدّق ما يتناسب مع مساحتها وموقعها الاستراتيجي الذي يتوسّط إفريقيا وأوروبا كون العديد من البلدان العربية تتواجد في هذه المنطقة. ولعل الإعلان الأخير على اقتصار التمسك بقاعدة الاستثمار ٥١ / ٤٩ بالمائة في المجالات الاستراتيجية كالمحروقات من شأنه أن يفتح سوق الاستثمار بشكل كبير، ويستقطب المهتمّين في عدة قطاعات تملك فيها الجزائر مقوّمات النجاح، خاصة وأنّها تستعدّ للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة خلال السنة المقبلة.
٢٦٣٢ مشروع لاستحداث ٥١ ألف منصب شغل
وفي ظلّ وجود مؤشّرات قوية على انتعاش الاستثمار خلال السنة الجارية بفضل جهود الدولة التي تنوّعت ما بين ضخّ موارد مالية ضخمة وإجراءات تشمل التّسهيلات الضّريبية والجمركية والتّشريعية. وحسب الأرقام التي سجّلتها الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمارات خلال الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2014، فقد تمّ الوقوف على التّصريح بإنشاء ما لا يقل عن 2632 مشروع استثماري قيمته 682 مليار دينار، علما أنّه ينتظر منها استحداث أزيد من 51 ألف منصب شغل جديد. ويذكر أنّ إجمالي قيمة المشاريع الاستثمارية تضاعفت مقارنة بنفس الفترة من السنة الفارطة لتقفز إلى حدود 682 مليار دينار بدل 305 مليار دينار، وافتكّت الاستثمارات المحلية حصة الأسد 2615 مشروع.
وتبقى السنة الجارية الفاصلة على صعيدين، ويتعلق الأمر بانتعاش الاستثمار من خلال تشريح الأرقام التي عرفت منحى تصاعديا خاصة بفضل الإجراءات التي تضمّنها قانون المالية الساري في الوقت الرّاهن، ويتعلق الأمر بالتّسهيلات لفائدة الاستثمارات الخاصة بالشراكة مع الأجانب، والسير في منحى تطوير وترقية المؤسسة الاقتصادية والصناعية عمومية أو خاصة. إذا كل ما تمّ تحقيقه يحتاج إلى تعزيز أكبر ومضاعفة حتى يسجّل المزيد من الانتعاش في مجال الاستثمار، والذي يساهم بدوره في الرّفع من وتيرة النّمو.
تقييم المكاسب لتحديد الرؤية
رغم أنّ المكاسب المحقّقة خلال العشرية الفارطة في مجال الاستثمار لم تكن كافية لانطلاقة قوية وأثر محسوس على نسبة النمو الوطني، ولم تحقّق كثافة الاستثمار في النسيج الصناعي، إلاّ أنّها تعدّ تجربة يمكن الاعتماد عليها في مواصلة التحديات التي يواجهها الاقتصاد الوطني، وعلى وجه الخصوص المؤسسة الجزائرية. وعلى اعتبار أنّه خلال العشر سنوات الفارطة أو الـ 11 سنة التي انقضت تمّ إنشاء 8895 مشروع استثماري ناهزت قيمته المالية 1716 مليار دينار. وأفضت مجمل هذه المشاريع المصرح بها إلى استحداث 148943 منصب شغل جديد، واحتلت المشاريع الاستثمارية المحلية المرتبة الأولى من حيث عدد المشاريع بـ 8830 مشروع، وسمحت هذه الأخيرة بفتح ما لا يقل عن 131861 منصب عمل.
وتشير نفس الأرقام إلى أنّ الاستثمار في مجال البناء، احتل الصّدارة بـ 1775 مشروع استثماري ثم القطاع الصناعي بـ 1544 مشروع جديد والخدمات بـ 1027 مشروع، يليه النقل بـ 4183 مشروع، ويتذيّل التّرتيب كل من قطاعات الزراعة والسياحة والصحة على التوالي بـ 157 و121 و88 مشروع.
وينبغي في هذا المقام دراسة وتقييم كل ما تحقّق في السّابق حتى تحرّك وتيرة تفعيل استحداث المشاريع، وتجسيد استقطاب المستثمر الأجنبي خاصة من يحول التكنولوجيا ويساهم في خلق الثروة ونقل الخبرة، ولا يقتصر الأمر على الأمور التقنية فحتى طريقة تسيير المؤسسة في حاجة إلى رسكلة وإعادة النّظر، لأنّه يستحيل أن نخطّط مجدّدا لاستراتيجية دقيقة ونكرّس رؤية واضحة في ظل غياب التشريح، وتقييم كل ما تحقّق حتى لا نضطر الانطلاق مجدّدا من بداية الطريق وإغفال التجربة والمشاريع المنشاة.
ترقّب الجديد في قانون الاستثمار
ينتظر العديد من المهتمين بالاستثمار في الجزائر في عدة مجالات منهم المحليين والأجانب، الكشف عن قانون الاستثمار الجديد، الذي يوجد قيد المراجعة والتعديل بهدف اقتحام السّوق الوطنية وإقامة الشراكات التي تعوّل عليها الجزائر كثيرا في رفع تنافسية المنتوج الوطني، وخلق الثروة خارج قطاع المحروقات، ولاسيما ما تعلق باستحداث مناصب الشغل والتوجه نحو أسواق أجنبية. وينصب العمل الجاري على تعديل قانون الاستثمار وإدراج في بنوده المزيد من الإجراءات التّحفيزية التي من شأنها إغراء المستثمر في ظل الإعلان عن اقتصار سريان القاعدة الاستثمارية ٥١ / ٤٩ ٪ على القطاعات الإستراتيجية على غرار المحروقات، ولن تكون هناك ذرائع بوجود صعوبات تحول دون استقطاب الاستثمار، أو عراقيل في مناخ الأعمال خاصة وأنّ عملية توفير العقار متواصلة من خلال تهيئة المناطق الصناعية. وفي المرحلة المقبلة يترقّب المزيد من التّسهيلات التّشريعية والإجراءات التّحفيزية التي من شأنها أن تجعل الاستثمار في قلب الدّيناميكية التنموية.
وما تجدر إليه الإشارة، أن ما توفّره الجزائر في حقل الاستثمار مازال مشجّعا على إنشاء المشاريع، نذكر منها الإعفاءات من الحقوق الجمركية، خاصة ما تعلّق بالسّلع المستثناة والمستوردة، والتي تدخل بشكل مباشر في إنجاز المشروع الاستثماري، وكذا الإعفاء من الرّسم على القيمة المضافة على ذات السّلع، والإعفاء من دفع نقل الملكية للمقتنيات العقارية التي تندرج في الإطار الاستثماري.
وبالنسبة للمشاريع الإستثمارية المستحدثة في عدة ولايات نذكر منها أدرار، إليزي، تمنراست وتندوف على وجه الخصوص، يستفيد أصحابها من تخفيضات يصل سقفها إلى حدود 50 ٪ على الضريبة على الدخل الإجمالي لمدة لا تقل عن 5 سنوات. كما أنّه وفي نفس الإطار لا يدفع سوى دينار واحد للمتر المربع (م²) لمبلغ إتاوة أملاك الدولة لمدة 15 سنة، مع تخفيض هذه الأخيرة بنسبة 50 ٪ بعد هذه المدة، فيما يتعلق بالامتياز العقاري الموجّه للمشاريع الاستثمارية، وإقرار تخفيض نسبته 4,5 ٪ من نسب الفوائد السّارية على القروض البنكية بهدف عصرنة وتحديث مؤسسات القطاع السياحي.