بات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية مرهون بمدى استعداد المؤسسات الوطنية العمومية والخاصة لرفع تحدي التنافسية في الأسواق الدولية، ورغم الأشواط التي قطعتها الجزائر في مجال التفاوض طيلة عدة سنوات، مازالت خطوة الانضمام لم تتحقّق في ظل هشاشة أداء جزء معتبر من المؤسسات الوطنية العمومية والخاصة، رغم أنّ هذا الانضمام يبقى أمرا حتميا، ولا يجب أن يقدم بعض المتعاملين على إخفاء عيوبهم حتى، وبالتالي التهرب من رفع تحدي الرقيّ بالمؤسسة، وحان الوقت لتصحيح مسار المؤسسة، ومن المفروض أن لا مكان للمؤسسة التي لا تبحث عن التنافسية ولا تسهر على نجاعة الأداء.
جعل الوزير الأول المتعاملين الاقتصاديين وأصحاب المؤسسات في قلب معركة التنمية، واعتبر أنّ فرض وجودهم في السوق عامل جوهري من شأنه أن يعجّل في ظرف قياسي بالانضمام، وطيّ سنوات عديدة من التفاوض، والإجابة عن أسئلة الدول الاعضاء والتي لا يقلّ عددها عن 160 دولة.
اعتبر سلال في آخر تصريح له خلال افتتاحه قمة الثلاثية الـ 17، أنّ الكرة في مرمى الآلة الإنتاجية لأنّها وحدها قادرة على تقوية حضور الاقتصاد الوطني وتأهيل اقتحامه للأسواق الدولية. وذهب سلال إلى أبعد من ذلك عندما أرجأ خطوة الانضمام النهائي إلى غاية تقوية أداء المؤسسة الجزائرية والوصول إلى جودة إنتاجها، حتى وإن كان هذا الانتظار سيجعل الجزائر آخر دولة تنضمّ إلى قائمة الدول الأعضاء.
إذن أصحاب المؤسسات الخاصة ومسيّرو نظيرتها العمومية بيدهم اليوم مفتاح الانضمام أو تأخيره لأشهر أو سنوات أخرى، رغم أنّ التّسهيلات والتّحفيزات التي تطلقها الحكومة ويقرّها القاضي الأول في البلاد، في كل مرة تتضاعف حتى تكون المؤسّسة قاطرة تدفع وتيرة النّمو نحو الأمام.
الوزير الأول أعلنها علانية، محذّرا في نفس الوقت حتى وإن جاء تحذيره بشكل غير مباشر، حيث لا يمكن السّير نحو المنظّمة العالمية للتّجارة بالصّناعات الغذائية الخفيفة، بل بالتوجّه نحو الابتكار والاستثمار في اقتصاد المعرفة الحل الوحيد، ولا يتسنّى ذلك إلاّ بالتّسيير الرّاشد والاعتماد على الكفاءات والثقة في النفس، والبحث عن الخيارات الأحسن والأنجح لمواجهة التطور المذهل الذي تشهده المؤسسات في الدول المتطورة وكذا النّاشئة.
ويبدو أنّ معالم مستقبل الانضمام ستتّضح أكثر شهر أكتوبر الداخل عقب تأكيد وزير التجارة خلال الأسبوع الفارط أنّ السفير الأرجنتيني سيحلّ بالجزائر، ومن المقرر أن يستأنف النّقاش مرة أخرى، وعلى اعتبار أنّ رئيس مجموعة العمل الأرجنتيني ألبيرتو دالوتو صرّح في شهر مارس الفارط بجنيف، أنّ الجزائر حقّقت “تقدّما محسوسا حتى تأخذ عضويتها وشجّعها على مواصلة بذل الجهود حتى يتجسّد الانضمام بصورة نهائية، علما أنّ الجزائر قطعت أشواطا ماراطونية تضمّنت ما لا يقل عن 12 جولة كاملة من المفاوضات منذ إيداع طلبها للانضمام سنة 1987 من خلال الاتفاقية العامة حول التعريفات والتّجارة “الغات” التي عوّضتها فيما بعد المنظمة العالمية للتجارة، وتمكّنت الحسم في ما لا يقل عن 1933 مسألة تتعلق بنظامها الاقتصادي، وكانت في كل مرة تتلقّى فيها الأسئلة تجيب عنها وعن جميع ملاحظات الدول الأعضاء.
وإن كانت المفاوضات مع هذه المنظمة العالمية لم ينطلق بشكل محسوس إلاّ في سنة 1996، إلاّ أنّ العديد من المؤسّسات الوطنية على ما يبدو مازالت غير مهيّأة، كون الانضمام لن يدخل حيز السريان إلا بعد توفر ضمانات حماية الاقتصاد الوطني، والدفاع عن مصالح الجزائر الاقتصادية وحتى لا تتضرّر المؤسسة الوطنية بسبب قوة وشراسة المنافسة الخارجية.
وتقاطعت ملاحظات الوزير الأول مع آراء وانتقادات الخبراء الجزائريين، الذين حذّروا من الانضمام الحالي إلى المنظمة قبل رفع سقف تنافسية المؤسّسة. من جهته الوزير الأول عبد المالك سلال خاطب أرباب العمل ورؤساء المؤسسات بلغة صريحة جعلهم في قلب مسؤولية التهيؤ للانضمام، ومنحهم كل الوقت حتى وإن كلّف ذلك بقاء الجزائر في مؤخّرة الملتحقين بالمنظمة.
ورغم أنّ الثّروات الباطنية وفي صدارتها المحروقات لازالت تغطّي على عجز المؤسسة، إلاّ أنّ بوادر الانتعاش يمكنه أن يتجسّد في ظل الإرادة القائمة والانفتاح على الشباب، والاستعداد لدعم وإنشاء العديد من المؤسسات المصغّرة التي من شأنها أن تخلق الثروة وثبت في الدول الناشئة أنها العصب المحرك لاقتصاديات واعدة يمكن الاعتماد عليها في الرفع من نسبة النمو والناتج الداخلي الخام من خلال التوجه إلى التصدير نحو الأسواق الدولية.
ويبقى تقييم آداء المؤسسة ومدى حسن تسييرها من طرف المسؤول ضروري من طرف السلطات الوصية، سواء كانت هذه الأخيرة عمومية أو خاصة، لأنه مازال في الوقت الحالي غائب، فلا يمكن للمؤسسة أن تتقدّم ولا لمسار الانضمام أن يتّضح إلاّ من خلال تشريح الأداء، حتى يظهر من حقّق قفزة في الأداء أو بقيت حصيلته ضعيفة.
ولا يعقل أن تستمر الدولة في ضخّ أموال إعادة التأهيل والقروض لتوسيع النشاط بحجة الحفاظ على مناصب الشغل دون أن ينعكس ذلك على الانتعاش الإقتصادي، الذي يقاس على نسبة النمو خارج قطاع المحروقات.