تكريـــــس العامــــــل الاقتصـــــــادي فـــــــي العلاقــــات الإفريقيــــة- إفريقيــــة

نماذج جزائرية ناجحة في التكامل التجاري القاري

علـي عويـش

 

توسيــــــــــع شبكــــــــــة الطــــرق والمعابـــــــر الحدودية وتنشيط التجــــــارة البينيــــــــة والتبــادل الإقليمــــي

 شهدت الجزائر طفرة اقتصادية وتنموية معتبرة، جعلت منها قوة اقتصادية وسياسية رائدة في شمال افريقيا، وهي تسعى اليوم الى تعزيز وجودها وتأثيرها في القارة من خلال إعادة تفعيل علاقاتها التجارية والسياسية مع كافة الدول وخاصة دول الجوار، لا سيما مع الجمهورية الاسلامية الموريتانية ودول الساحل الإفريقي، ما جعلها تقدم نموذجا في التكامل التجاري والاقتصادي الذي تنشده أجندة الاتحاد الإفريقي.

 انتقلت العلاقات الجزائرية الموريتانية الى فصل آخر من التعاون الثنائي في شتى المجالات، حيث انتعشت التبادلات التجارية بين البلدين الجارين خاصة بعد تولي الرئيس تبون سدّة الحكم في البلاد، مدفوعة في ذلك بالعديد من المشاريع التي وطّدت العلاقة الأخوية بين البلدين الشقيقين ورسمت معالم تعاون مثمر سياسياً، أمنياً، اقتصادياً وتجارياً.
الجزائر التي تعتبر موريتانيا شريكاً استراتيجياً في عدة مجالات، خاصة في مواجهة التحديات الأمنية التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء، عملت على الارتقاء بمستوى العلاقات الاخوية بين البلدين من خلال تجسيد العديد من المشاريع الهامة وإبرام اتفاقيات تعاون مشترك، أبدت الجزائر من خلالها اهتماماً كبيراً بتعزيز علاقاتها مع موريتانيا، خاصة في قطاع البنية التحتية، التجارة والطاقة، تجسيداً لتوجيهات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.
وضمن هذه الرؤية، بعثت الجزائر علاقتها بدول الساحل وعلى رأسها دول النيجر، مانحة الأولية للبعد الاقتصادي، إلى جانب الروابط والقواسم المشتركة الأخرى، وضمن هذا النموذج تسعى الجزائر والنيجر الى زيادة تعاونهما في مجالات الطاقة، التجارة والتنموية عبر مشاريع مشتركة عملاً بمبدأ رابح - رابح.
ويتماشى هذا التوجّه مع المقاربة الجزائرية التي تهدف الى تعزيز دورها كقوة اقتصادية رائدة في افريقيا، مع التركيز على تكثيف التعاون مع دول الساحل الافريقي، وبقية الدول المجاورة في قطاعات اقتصادية متنوعة.
وفي إطار تجسيد هذه المقاربة، بذلت الجزائر جهوداً معتبرة لتعزيز حضورها في عمقها الافريقي من خلال توسيع شبكة الطرق والمعابر الحدودية، مما يسهّل من حركة التجارة البينية، ويسهم في تعزيز التبادل التجاري الاقليمي، وتُعدُّ المعابر الحدودية مناطق التبادل الحر، والطرق العابرة للصحراء إحدى أبرز معالم التعاون المشترك بين الجزائر ودول الجوار، إذ تشكّل الطريق العابرة للصحراء الرابطة بين الجزائر والنيجر محوراً أساسياً للاندماج الاقتصادي بين البلدين، هذا الطريق يعدُّ شرياناً هاماً لتسهيل نقل البضائع والسلع، وضمان انسيابية حركة المسافرين له دور هام على الصعيد الامني، باعتبارها محفّزاً لإعمار المناطق الحدودية، وعاملاً مساعداً على استقرار السكان بتلك المناطق.
مـــن المساعـــــدات إلى الاستثمــــــارات المباشــــرة
المجهودات الجبارة التي تبذلها الجزائر لتعزيز التجارة مع الدول الافريقية، تتجلى من خلال إبرام اتفاقيات تجارية والدخول في شراكات مع دول القارة، وقد شهدت العهدة الاولى من رئاسة تبون للبلاد، افتتاح بنكين جزائريين في كل من نواكشوط وداكار، في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجزائر، الى جانب الشروع في إنجاز طريق تندوف - الزويرات على مسافة 730 كلم، الذي يُعدُّ أكبر مشروع استثماري جزائري خارج الوطن منذ الاستقلال، بالإضافة الى إعلان رئيس الجمهورية عن إنشاء خمسة مناطق للتبادل الحر مع دول الجوار، يهدف من خلالها السيد الرئيس الى تسهيل الاجراءات الجمركية، وتطوير البنية التحتية للربط بين دول الجوار.
كما شهدت نفس الفترة، افتتاح المعرض الدائم للمنتجات الجزائرية في العاصمة الموريتانية نواكشوط، وإعادة بعث الموسم الاقتصادي والثقافي الافريقي “المُقار” بولاية تندوف، ناهيك عن افتتاح خطوط جوية جديدة تربط الجزائر بالعديد من العواصم الافريقية وخطين بحريين بين وهران ونواكشوط، ووهران وداكار.
هذا التوجه الاقتصادي الجزائري الذي يهدف الى تعزيز التعاون مع دول الجوار، له انعكاسات كبيرة على الأمن في منطقة الساحل والصحراء، وهو ما تسعى الجزائر الى تحقيقه، وتسعى الى تجسيده بالشراكة مع دول المنطقة خاصة موريتانيا والنيجر، من خلال تعزيز التنسيق الأمني لمكافحة الارهاب والجريمة المنظمة في منطقة الساحل التي تعيش على وقع انفلات أمني وصراعات داخلية مزمنة.
ويرى مراقبون أنّ المقاربة التنموية والأمنية التي اعتمدتها الجزائر في تعاملها مع عمقها الافريقي، أفضت الى تحقيق قدر كبير من الاستقرار في المنطقة، حيث أدت الى تعزيز التنسيق الاقليمي في مجالات الامن والاقتصاد، وتأسيس بيئة من التعاون المستدام انعكس إيجاباً على ملف مكافحة الارهاب والهجرة غير الشرعية.
وقدّمت الزيارة الناجحة لرئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا إلى الجزائر، قبل أيام، لمحة وافية عن تطلع تكريس الجزائر للبعد الاقتصادي في علاقات دول القارة، بما يسهم في تحقيق المنافع المتبادلة التي تحتجها لرفع مؤشرات النمو، وتلبية حاجيات السكن من شروط التنمية.
وتظل الجزائر حريصة على تعزيز تعاونها الاقتصادي والامني مع دول الجوار، والعمل على إعادة ربطها بعمقها الافريقي، وتمثّل النظرة الاستشرافية لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون خطوة كبيرة نحو تحقيق تكامل اقتصادي إقليمي، يعزّز من استقرار الجزائر ونهضتها التنموية.
ويعدّ التعاون الجزائري الافريقي حجر الزاوية في سياسة الجزائر الاقتصادية، انطلاقاً من مبادئها المبنية على التكامل الافريقي تجسيداً لمعادلة رابح - رابح، وفي هذا السياق، تجسّد رؤية رئيس الجمهورية إرادة حقيقية للدفع بهذا التعاون الى مستويات أعلى، مع التركيز على إعمار المناطق الحدودية واستتباب الأمن بها بما يضع حداً للجريمة المنظمة، ويكبح جماح المهربين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19651

العدد 19651

الأربعاء 18 ديسمبر 2024
العدد 19650

العدد 19650

الثلاثاء 17 ديسمبر 2024
العدد 19649

العدد 19649

الأحد 15 ديسمبر 2024
العدد 19648

العدد 19648

السبت 14 ديسمبر 2024