هكـــــذا جعـــــل رئيـــــس الجمهوريــــة مـــــن الجزائــــر صـــــوت إفريقيـــا الصـــــــادح فــــــي العـــالم
يكتسي الدور الدبلوماسي الجزائري في إفريقيا قيمة بالغة الأهمية، كونه يرمي أساسا إلى تحقيق الأمن والسلم، وتحييد حدوث التوترات والصراعات بين الدول، وحلّ الخلافات السياسية الداخلية في بلدان القارة بالوساطة والحوار بين الفرقاء، وتغليب الحلول السلمية، أملاً في الوصول إلى وضعٍ إفريقي خالٍ من الأزمات والنزاعات المسلحة، ويسوده الاستقرار والإزهار.
أصبحت الدبلوماسية الجزائرية حجر الزاوية في منظومة العلاقات الإفريقية، وبوصلة العمل السياسي الرّصين عالي المستوى في المنظمات القارية والإقليمية، معتمدة على عدد من المبادئ والأسس التي رسمت معالمها، وحدّدت سياستها الخارجية منذ الإستقلال في الخامس من جويلية سنة 1962.
وفي هذا الشأن، أكد المستشار القانوني للمنظمة العالمية الدبلوماسية للعدالة والسلام، د - منير قتال، أن الجزائر تدعم مبدأ الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية، بغية التصدي للنزاعات والتوترات بين دول القارة، وذلك بهندسة الآداء الناجع، وتحريك الدبلوماسية الجزائرية نحو تبني استراتيجيات مبتكرة جديدة لم تناد بها المنظومة الدولية من قبل.
وأوضح قتال، في تصريح خصّ به “الشعب”، أن توافد رؤساء وقادة دول أفريقيا ومسؤوليها القاريين إلى الجزائر، عزّز من مستوى التنسيق والتعاون بين الشركاء، بما يخدم المصالح الإفريقية، وتجسّد هذا الأمر أكثر في قمم ولقاءات البرلمان الإفريقي.
كما رافعت الجزائر، بحسب محدثنا، في المحافل الدولية والإقليمية على ضرورة رفع الظلم عن القارة الإفريقية وتجنيبها التدخلات الخارجية، وإعادة النظر في منظومة القانون والعلاقات الدولية، بحرص من رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الذي جعل من الجزائر صوت إفريقيا الصادح في العالم، مشيرا إلى أهمية زيارته منذ أسبوع إلى نواكشوط للمشاركة في المؤتمر القاري الموريتاني، مما يعكس مدى التزام الجزائر بمبدأ حسن الجوار، وتعزيز كل قنوات الاتصال لتقوية كلمة القارة الإفريقية وتطوير اقتصادها.
وتابع قتال، أن زيارة رئيس جمهورية جنوب إفريقيا الأخيرة إلى الجزائر، أعطت دلالات على محورية وحكمة البلد المُضيف، وتجربته ورؤيته الإستراتيجية المفيدة للقارة الإفريقية، ودوره البارز في حلحلة ملفات المنطقة، لاسيما وأن الجزائر عضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي، وتسمح عضويتها بتشبيك أكبر للعلاقات القارية، وإنهاء المشاكل الإفريقية بحلول إفريقية بعيدا عن التدخلات الأجنبية.
وقد لعبت الجزائر دورا بارزا مشهودا له بالسّاحة الدولية والإقليمية في معالجة قضايا الإرهاب والتطرف العنيف، باعتبارها من أكثر الدول الرائدة التي اشتغلت عليهما لعدة سنوات ونجحت في التصدي لهما، وكل هذا بفضل مجهودات قوات الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، الذي جابه الظاهرتين المذكورتين بكل كفاءة واقتدار واحترافية، ونوّهت بذلك هيئة الأمم المتحدة وباقي المنظمات العالمية والإقليمية الحكومية وغير الحكومية، وفقاً للمصدر ذاته.
وتعتبر تجربة الجزائر في معالجة قضايا الإرهاب والتطرف العنيف - الدكتور قتال - نموذجا يُقتدى به في كل أنحاء العالم خاصة بالقارة الإفريقية، حيث تجاوز بلد الشهداء مرحلة مكافحته وانتقل إلى فترة الوقاية منه.
ومن جهته، قال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، البروفيسور نور الصباح عكنوش، أن الإطار الأفريقي للسياسة الخارجية الجزائرية يُمثِّل محركا أساسيا للعمل الدبلوماسي لدولة تُعتبر من الأركان الأربعة للقارة السمراء بمعية جنوب إفريقيا ومصر ونيجيريا، حيث تبني الجزائر عقيدتها من حيث تأصيل هويتها النضالية مع قوى الخير أولا، وتفعيلها ثانيا عبر آليات جديدة للشراكة متعددة الأبعاد أمنيا وإستراتيجيا.
وأفاد البروفيسور عكنوش، في تصريح أدلى به لـ “الشعب”، أن الجزائر تأسّت بخارطة طريق واضحة المفاهيم والملامح لتأمين قارة إفريقيا من النزاعات المسلحة والتحولات البنيوية والمخاضات العسيرة الإحترابية التي تهدد استقرارها ووجودها، في ظل تفاقم أزمات المنتظم الدولي، وعدم قدرته على مواكبة ارتدادات التقلبات الجيوساسية في العالم أجمع.
وأبرز الباحث ذاته، أن الدور الجزائري يتمظهر اليوم أكثر في صورة الحراك الدبلوماسي القوي لوزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية السيد أحمد عطاف، بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الذي التقى رؤساء دول كل من بوروندي وأنغولا وأوغندا، في إطار جهود البناء التي تقودها الجزائر بثقة ومصداقية واحترافية نحو “أفرقة” عوامل السلم والاستقرار في القارة، حتى تُصبح بيئة حاضنة للنمو والأمان المستدامين وفق محددات السيادة والاستقلالية التي تأسّست عليها قيم العمل الأفريقي المشترك منذ خمسينيات وستينيات القرن العشرين إلى يومنا هذا، وذلك من كوامي نكروما وهواري بومدين وجمال عبد الناصر إلى الرئيس تبون ورامافوزا وغيرهم من صُنّاع القرار الحكيم والحوكمة الرشيدة في منطقة ترنو للحداثة بمعاييرها ونخبها ومفاهيمها الأصيلة.
والرسائل التي تنقلها الجزائر إلى الفضاء الأفريقي، في ضوء أجندات الاستعمار الجديد، مثلما يرى المتحدث، تمسّ التحديات الوجودية والتهديدات المتصاعدة التي تحيط بإفريقيا التي يراد لها أن تبقى هيكليا وفكريا تابعة للمركزية الغربية الإستعمارية على حساب مواردها واستقرارها، وهو ما حذّر منه بلد الشهداء مرارا وتكرارا انطلاقا من دوره التاريخي الأصيل في هذا السياق من جهة، وحفاظا على أمانة الآباء المؤسسين لمبادئ الحرية والتنمية في القارة السمراء من جهة أخرى.
ومن خلال الدبلوماسية الحصيفة للجزائر، وتنقلات ممثلها وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، بين دول ومماليك إفريقيا، تنفخ الجزائر في روح الجسد الأفريقي حياة جديدة تتماهى وترتيبات النظام الدولي القادم، حتّى لا يُبنى في غياب أو تغييب الأفارقة، وذلك بمسؤولية ووعي واستشراف بمستقبل التحولات، وإدراك بما تحتاجه القارة في هذه اللحظة التاريخية الحسّاسة والخطيرة التي يمر بها العالم، يضيف الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية البروفيسور نور الصباح عكنوش.
ومن هذا المنطلق، كرّست تفاعلات وتحرّكات الجزائر الأخيرة في إفريقيا، من نشاطها الدبلوماسي الوازن والرّزين، وعمّقت من أثره داخل المُكوِّن القاري، وأبرقت عبره رسائل للقوى الفاعلة بالعالم العاملة على إضعاف وعزل إفريقيا، وذلك من خلال عملها على توطيد وتعزيز الثقة مع شُركائها، وتوسيع نطاق التعاون السياسي والاقتصادي معهم انطلاقا من صوتها المرفوع أمميا، تمهيدا لرفع مستوى تمثيل القارة السمراء في مختلف الهيئات والمنظمات الدولية بما يضمن حقوقها ويمنع استغلالها.