يكرّس مشروع قانون المالية لعام 2025، الحفاظ على التوازنات المالية الكبرى للدولة، إذ تم التركيز على تشجيع الاستثمار وترقية مختلف المبادرات، من خلال تحفيزات وإعفاءات جبائية، ودفع النمو والحفاظ على احتياطي الصرف، وأيضا نفقات الاستثمار المبرمجة وجهت بعناية نحو مجالات خلق الثروة والقيمة الاقتصادية ببعث المشاريع المهيكلة الكبرى، وتعبئة موارد إضافية مخصصة لدعم وتفعيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أكّد الخبير الاقتصادي عبد القادر بريش في تصريح لـ “الشعب”، أن مشروع قانون المالية لسنة 2025، جاء في إطار اقتصادي كلّي يضمن التوازنات الاقتصادية الكليّة للاقتصاد الجزائري، التي تؤكد الديناميكية للاقتصاد الجزائري الذي أصبح يحتل المرتبة الثالثة إفريقيا، باعتراف دولي تضمنته تقارير المؤسسات المالية على غرار صندوق النقد الدولي والبنك العالي، حيث تم التأكيد على أن الاقتصاد الجزائري تميز خلال الثلاث سنوات الماضية بديناميكية وبصلابة مالية.وقال بريش إن “الأمر يتعلق بالمحافظة على مستوى احتياطي الصرف في حدود 70 مليار دولار، مع استهداف نسبة نمو خلال السنة المقبلة عند 4.5 بالمائة، إلى جانب التحكم في التضخم الذي يكون أقل من 6 بالمائة، كذلك التوازن والفائض المسجل في ميزان المدفوعات، كل هذه المعطيات تحقق التوازنات الاقتصادية الكلية”.
الصلابــــــــــــــــــــــــــة الماليـــــــــــــــــــــــــة
وفي السّياق، تطرق بريش إلى ميزانية الدولة، التي جاءت لتعزّز الصلابة المالية وتحافظ على التوازنات المالية واستدامتها، من خلال استدامة المالية العمومية والمحافظة على مستوى الدين الداخلي الذي يبقى أقل من 50 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي، وكذلك مسألة تمويل العجز في الميزانية الذي يعود إلى عجز محاسبي، وليس عجزا حقيقيا.
وفيما يتعلق بميزانية 2025، أكد المتحدث أنها تعدّ ميزانية ضخمة بحوالي 126 مليار دولار، 20 بالمائة منها مخصّصة للاستثمار وبعث التنمية ومواصلة الديناميكية الاقتصادية التي انطلقت، وحوالي 35 بالمائة هي ميزانية مخصّصة للتحويلات الاجتماعية بمختلف أشكالها، سواء كان دعما مباشرا أو غير مباشر، وهذا ما يؤكد حرص الدولة على تكريس مبدأ اجتماعية الدولة والتكفل بالفئات الدنيا والمتوسطة والمحافظة على القدرة الشرائية ومواصلة الدعم الاجتماعي رغم أننا نطالب دائما أن يكون الدعم أكثر عقلانية.
وعن أهم التدابير التي جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2025، تطرق ذات الخبير إلى جانب التدابير الجبائية، في إطار تحفيز الاستثمار ودعمه، حيث تجلى ذلك من خلال الإعفاءات والتحفيزات الجبائية التي جاء بها المشروع، منها تحفيز المؤسسات الناشئة وإعطائها أهمية سواء كانت مؤسسة ناشئة أو متعلقة بالابتكار، وهذا ما جاء من خلال منح حاضنات الأعمال والمؤسسات التي تشتغل في مجال البحث والتطوير والابتكار، بمنحها تخفيضا قدره 30 بالمائة في حدود 2 مليون، وهذا من شأنه أن يشجع البحث والتطوير والمقاولاتية على مستوى المؤسسات.
كذلك، من بين التدابير التي جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2025، يضيف بريش، أنه يشجع عملية الدفع الالكتروني وتعميم وسائل الدفع وهذا بتكفل وتحمل الخزينة للعملات ما بين البنوك التجارية وبريد الجزائر، حيث تعتبر خطوة مهمة في إطار سعي وزارة المالية لتعميم وسائل الدفع الالكتروني وتسريع وتيرة التحوّل الرقمي، في المؤسسات المالية والمصرفية، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى معاملات تجارية اقتصادية ومالية أكثر شفافية وأكثر مراقبة لهذه التحويلات المالية.
ومن أبرز التدابير التي جاء بها المشروع، إلزامية أن تكون المعاملات المتعلقة بالعقار واليخوت والصفقات التجارية الكبرى، بوسائل الدفع الكتابية المصرفية، للتقليل من الدفع النقدي بغية التحكم في الكتلة النقدية التي تدور خارج الإطار الرسمي، لمواجهة والتصدي لأي محاولة لتبييض الأموال.
اكتمـــــــــــــــــــــــــال الحلقـــــــــــــــــــــــــاة
ومن التدابير التي جاء بها مشروع القانون كذلك، أكد الخبير الاقتصادي، وضع آلية لتداول الصكوك السيادية في انتظار القانون المنظم للصكوك السيادية، ومعروف أنها صكوك تصدرها الدولة باسم الخزينة العمومية، من أجل الاكتتاب في مشاريع تمويل البنية التحتية، حيث أن هذه المعاملات تتم وفق الشريعة الإسلامية ومربوطة بأصول حقيقية، علما أن الكثير من الدول التي لجأت لتمويل مشاريع كبرى، مشاريع مهيكلة مشاريع البنية التحتية عن طريق الصكوك السيادية، استطاعت أن تجمع الادخار وتجمع أموالا كبيرة تدور خارج الدارة الرسمية، خاصة وأنها مرتبطة بالمعاملات المصرفية الإسلامية.
ما من شأنه، يضيف بريش، أن يحفز الكثير من أصحاب الأموال على الانخراط في هذه الدائرة المالية، وهوما يعزّز السوق المالي في انتظار إصدار قانون خاص بالصكوك السيادية وقانون خاص بالصكوك على مستوى المؤسسات الاقتصادية وتعديل القانون التجاري، لاسيما المادة 715 منه، وهذا من أجل اكتمال حلقة الصيرفة والمالية الإسلامية، حيث تكون الجزء الهام في السوق المالي أين يتم تداول الصكوك السيادية بصيغة الصكوك الإسلامية، ومستقبلا بعد صدور القانون الخاص بالصكوك على مستوى المؤسسات، تصبح مبادلات مالية وحركية مالية في السوق المالي قائمة على أساس الصكوك.
وضع حد للبزنسة في السيارات أقلّ من ثلاث سنوات
ومن التدابير التي جاء بها مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، يلفت بريش إلى “وضع شروط وضوابط للحد من البزنسة في السيارات المستوردة أقل من ثلاث سنوات، حيث ألزم أن تكون السيارة التي يقتنيها الأفراد الطبيعيون بأموالهم الخاصة، أن لا يتم التنازل عنها إلا بعد مرور ثلاث سنوات، بعدما أصبحت هناك أطرافا تتخذ من هذا الجانب القانوني مجالا للمضاربة في السيارات وتتسبب في ارتفاع أسعارها وغيرها من المعاملات.
وأضاف “فالمشرع فرض في مشروع قانون المالية، أن السيارة أقل من ثلاث سنوات لا يتم بيعها أو التنازل عنها إلا بعد مرور ثلاث سنوات، وهذا ما من شأنه أن يضع حدا للبزنسة في السيارات أقل من ثلاث سنويا.
ومن بين التدابير التي تضمنها مشروع القانون، تعديل قانون الجمارك بما يسمح للجمارك التكيّف والتوافق مع القانون المنظم لإنشاء المناطق الحرة في الحدود، وهذا من أجل أن تلعب الجمارك دورا كبيرا في المناطق الحرة لأنه تنظيم جديد عليها، إذ لابد أن يكون قانون الجمارك مواكبا لمسألة إنشاء المناطق الحرة على حدودنا في دول الجوار جنوبا وشرقا، وهذا من أجل السماح بمراقبة أكثر لهذه المناطق الحرة والسماح بلعب دورها كمنافذ اقتصادية وتعزيز التبادل مع دول الجوار.