المنح شكل من أشكال الإنفاق الحكومي في قطاعات حيوية كالفلاحة والصناعة
أوضح محمد حدو الأستاذ المحاضر بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير بجامعة الجزائر 3، أنّ الجزائر تبنّت مقاربة جديدة من خلال القانون العضوي 18-15، المتعلق بقوانين المالية المبني على رؤية جديدة ومقاربة تسيير عمومي متطورة واستشراف من خلال وضع موازنة قصيرة الأمد، وذلك ابتداء من 2023.
وأوضح د - حدو أن هذا القانون العضوي لا يتعلق فقط بالدعم فقط بل بالسياسة المالية للبلاد ككل، كما أن القانون تبعه عدة قوانين تنظيمية، والذي بموجبه تمّ إعطاء مهلة لوزارة المالية إلى غاية 2023 من أجل المضي بميزانية حكومية متوسطة الأمد لمدة 3 سنوات، عرفت خلال هذه الفترة عدة قوانين مالية من أجل رسم ميزانية إما توسعية أو انكماشية، في حين أنّ المقاربة الجديدة اليوم ترتكز على آليات مستمدة من القطاع الخاص سيما ما تعلق بمراقبة التسيير المبنية على النتائج بالنسبة للمشاريع سواء من حيث استحداث مناصب الشغل، النجاعة، وغيرها من الآثار الناتجة، مشيرا إلى إدراج آلية محاسبة التكاليف في قانون المحاسبة العمومية 23-07، ما من شأن هذه الآليات أن تجعل التزامات الدولة في المستوى.
وبالنسبة للمنح التي اعتبرها المتحدّث شكلا من أشكال الإنفاق الحكومي في الكثير من القطاعات كالفلاحة، الصناعة والإعانات المباشرة كمنحة المرأة الماكثة في البيت مثلا، غير أنّ الجزائر اليوم تتحول إلى توجيه الدعم لمستحقيه، من خلال الاستفادة من آليات الرقمنة لتحديد الفئات التي تحتاج الدعم من غيرها، مشيرا إلى أنّ هذه البدائل تحتاج إلى إرادة سياسية قوية لتنفيذها على أرض الواقع وتحصيل نتائجها، مشيرة إلى أنّ وضع خطة استراتيجية لسياسة الانفاق الحكومي يكون من خلال الاعتماد على آليات وبدائل متاحة أمام الهيئات المعنية للأخذ بها، والخروج بخطة قصيرة وطويلة الأمد تخدم التوجهات الجديدة للجزائر.
ويعد التمويل الحكومي من بين استراتيجية الدعم الحالية التي تبنّتها الجزائر، حيث يعتبر هذا النوع من التمويل من أهم المصادر الرئيسية لتمويل المؤسسات الناشئة، ويتمثل هذه النوع في المنح غير القابلة للسداد مثل البرامج والإعانات، والقروض منخفضة الفائدة، والإعفاءات الضريبية، ويوجد هذا النوع من التمويل في شتى مراحل تطور المؤسسة الناشئة، فيما تختلف الهياكل المسخّرة لهذا من دولة إلى أخرى.
امتيـــــــــــــــــــــــــــــازات جبائيـــــــــــــــــــــــــــة
وقد خصّ المشرّع الجزائري هذه المؤسسات بامتيازات جبائية وتفضيلية في عدة قوانين، منها قوانين المالية لسنة 2020، 2021، 2022، 2023، حيث تعفى الشركات الناشئة من الضريبة على الأرباح (IBS) والرسم على القيمة المضافة (TVA) بالنسبة للمعاملات التجارية (م 69 من ق.م 2020) حساب تخصيص خاص في الخزينة يحمل رقم 150-322 عنوانه “صندوق دعم وتطوير المنظومة الاقتصادية للمؤسسات الناشئة.
وتعفى المؤسّسات التي تحمل علامة المؤسسة ناشئة من الرسم على النشاط المنهي (TAP) والضريبة على الدخل الإجمالي (IRG) أو الضريبة على أرباح الشركات (IBS) لمدة أربعة سنوات، ابتداء من تاريخ الحصول على علامة المؤسسة ناشئة، مع سنة واحدة إضافية في حالة التجديد “ (م 86 من ق.م 2021)، كما تعفى من الرسم على القيمة المضافة (TVA)، وتخضع للحقوق الجمركية (DD) بمعدل 65، التجهيزات التي تقتنيها المؤسسات الحاملة العلامة المؤسسة ناشئة وتدخل مباشرة في إنجاز مشاريعها الاستثمارية من الرسم على النشاط المهني (TAP) والضريبة على الدخل الإجمالي (IRG) أو الضريبة على أرباح الشركات (IBS) لمدة سنتين .
وتعفى الشّركات التي تحمل علامة “الحاصنة” ابتداء من تاريخ الحصول على علامة الحاضنة، حسب المادة 87 من ق.م، بالإضافة إلى إعفاء المقتناة من طرف الشركات الحاملة العلامة الحاضنة، والتي تدخل مباشرة في إنجاز مشاريعها الاستثمارية من الرسم على القيمة المضافة لمدة سنتين منذ حصولها على علامة حاضنة.
ويتعين على المكلفين بالضريبة الذين يستفيدون من إعفاءات أو تخفيضات في الضريبة على أرباح الشركات والرسم المحلي للتضامن الممنوح خلال مرحلة الاستغلال في إطار أجهزة الدعم بـ 30 % من هذه الاعفاءات والتخفيضات لمدة أربع سنوات، ناهيك عن دعم المؤسسات التي تحمل علامة المؤسسة ناشئة من الرسم على النشاط المنهى (TAP) والضريبة على الدخل الإجمالي (IRG) أو الضريبة على أرباح الشركات (IBS)، وكذا الضريبة الخرافية الوحيدة (IF)، لمدة 4 سنوات، ابتداء من تاريخ الحصول على علامة المؤسسة ناشئة، مع سنة واحدة إضافية، في حالة التحديد طبقا للمادة 117 من ق.م.
وتخصم من الدخل أو الربح في حد أقصاه 30 % من مبلغ هذا الدخل أو الربح، وفي حدود سقف يساوي مائتي مليون دينار من النفقات المصروفة في إطار البحث والتطوير داخل المؤسسة، والنفقات المصروفة في إطار برامج الابتكار المفتوح المحققة مع المؤسسات الحاصلة على علامة “مؤسسة ناشئة” أو “حاضنة أعمال”، حيث تحدد أنشطة بحث التطوير في المؤسسة ونفقات البحث والتطوير التي تعتبر مؤهلة، وكذلك النفقات المصروفة في إطار برامج الابتكار المفتوح بموجب قرار مشترك بين الوزير المكلف بالمالية والوزير المكلف بالبحث العلمي والوزير المكلف باقتصاد المعرفة.
نظــــــــــــــــــــــــــــــام تفضيلـــــــــــــــــــــــــــــي
وبخصوص النّظام التفضيلي الذي يتمثّل في مجموعة من القواعد والآليات المتعلقة بالتطبيق الفعال للسياسات الحكومية الخاصة بترقية الإنتاج والأداة الإنتاجية الوطنية في مجال الصفقات العمومية، باعتبارها أحد المجالات المهمة التي يمكن تطبيقها والمحددة في القانون 23-12.
ويتعلق الأمر بالتخصيص التحضيري لبعض الصفقات العمومية لفائدة بعض المؤسسات، وجوب إصدار دعوة وطنية للمنافسة، القواعد العامة المتعلقة بإصدار دعوة وطنية / أو دولية للمنافسة، أو تلك المتعلقة بتخصيص الخدمات المرتبطة بالنشاطات الحرفية، والقاعدة المتعلقة بمنح هامش أفضلية لبعض المنتجات، وهذا عندما يكون الإنتاج الوطني أو الأداة الوطنية للإنتاج قادرين على الاستجابة للحاجات الواجب للبيتها هذه المصلحة بما فيه الكفاية والقدرة المناسبة، سواء بالنسبة ترقية النشاط الحرفي ودعم الحرفيين.
بدوره يرى د - جبور علي ساحل أستاذ محاضر بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير بجامعة الجزائر 3، أنّ الدعم الموجه للمؤسسات الناشئة والمتوسطة والصغيرة تتمثل في التحفيزات الجبائية وشبه الجبائية، وهو التوجه الذي تشجعه الدولة من أجل تعزيز وتطوير النسيج المؤسساتي بالجزائر، واستحداث مناصب شغل جديدة خارج القطاع العام أو الوظيف العمومي قادرة على استيعاب المتخرجين الجدد سيما من الجامعة الذين يتراوح عددهم حوالي 500 ألف متخرج سنويا، ناهيك عن خلق الثروة وحتى قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
وحسب د - سايح ظهر هذا التوجه أكثر مع استحداث حقائب وزارية بكامل الصلاحيات بعدما كانت منتدبة، وإلحاق بها الكثير من آليات التشغيل على غرار الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب “أونساج” التي تحولت إلى الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية “لاناد”، ومختلف الهيئات التي تعنى بتكنولوجيات الإعلام والاتصال والابتكار بهدف إنشاء نسيج مؤسساتي متنوع قادر على التوسع.
إصـــــــــــــــــــــــــــــــــــلاح الدّعـــــــــــــــــــــــم
ويرى الأستاذ المحاضر أن هذا التوجه يندرج ضمن إصلاح الدعم بعد أن كان شموليا واسع الانتشار لدى مختلف فئات المجتمع، في ظل آثار جائحة كورونا، مشيرا إلى ضرورة التدرج في رفع الدعم وتجنب نهج الصدمة في الأسعار، كما ينصح بمواصلة رفع الدعم عن المواد الطاقوية، وذلك حسب أولويتها بالنسبة للأسر الفقيرة نظرا لحجمها وكلفتها بالنسبة لإجمالي الدعم.
ونوّه د - سايح إلى ضرورة تحول الحكومة من نظام الدعم الشمولي إلى نظام التحويل النقدي المستهدف لمستحقي الدعم فقط، على أن يتم تحديد معايير الاستحقاق مسبقا بناء على آليات محددة، وإعادة النظر في شبكات الحماية الاجتماعية، والتي صمّمت في ظل العشرية السوداء، ولم تعد تستجيب للاحتياجات الاجتماعية الحالية، وجعلها أكثر كفاءة وفعالية واستدامة من أجل التخفيف من آثار رفع الدعم، على أن يقابله ذلك توعية المجتمع بسلبيات الدعم من تبذير وإسراف وعدم المساواة، وذلك من خلال الاستعانة بالإعلام وممثلي المجتمع المدني.
في المقابل يتعين حسب المتحدّث اعتماد التوجه التدريجي من الدعم المعمّم إلى الدعم الموجه والعمل على رقابة منظومة الدعم، والعمل على تنشيط الاقتصاد الوطني ممّا يسمح بزيادة دخل الأفراد والأسر، إلى جانب إصلاح نظام الأجور بالتوازي مع إصلاح سياسة الدعم تطوير نظام الرقمنة، والاعتماد عليه في إصلاح نظام الدعم والقيام برقمنته، ناهيك عن الالتزام القوي بإصلاح نظام الدعم من الحكومة بما يكفل وصول الدعم لمستحقيه.
من جهة أخرى، ومن أجل ضمان نجاعة الدعم المقدم لفائدة توسيع النسيج المؤسساتي، شدّد د - سايح على ضرورة العمل على الحد من اتساع الاقتصاد الموازي، وانتهاج مختلف المبادرات التي تساعد على الحد من توسّعه مثل مشروع السجل التجاري الإلكتروني المتنقل، الذي استحدثته وزارة التجارة والذي يسمح للباعة من أصحاب المركبات الذين ينتقلون للبيع الحصول عليه، إلى جانب وضع خطة للاستفادة من المبالغ المالية التي توفّرها سياسة الدعم المستهدف في تنمية الاقتصاد.
ويرى المتحدّث أنّ سياسة دعم الدولة لا يمكن إلغاؤها أو الاستغناء عنها، بل يتعين الاتجاه نحو الدعم الانتقائي لترشيد النفقات وتحديد النجاعة المطلوبة منه خاصة ما تعلق بتحقيق الأهداف الاقتصادية منه، سواء تحقيق الأمن الغذائي أو التنمية الصناعية عن طريق تطوير صناعات جديدة من خلال هذا الدعم للدولة، وترقية القطاع الزراعي والتكنولوجي والمعرفي.