الأستاذ صالح فلاحي من جامعة باتنة :

“ تحديات وجهود كبيرة في استغلال الموارد ”

لموشي حمزة

يؤكد أ.د. صالح فلاحي، من جامعة العقيد الحاج لخضر بباتنة، أن منظمة التجارة العالمية قد برزت إلى الوجود في مراكش بالمملكة المغربية سنة 1995 وهي من المنظمات الأكثر حداثة في عالمنا المعاصر. وكان سعيها الدؤوب يهدف إلى تفكيك القيود التجارية بمختلف أنواعها لتفسح المجال واسعا أمام انسياب السلع والخدمات بين الأمم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى استفادة الشعوب من بعضها البعض في شتى أصقاع الدنيا وفي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية على وجه التحديد.

وهذا في الواقع حسب أستاذ الاقتصاد بجامعة باتنة، نوع من الفلسفة الليبرالية المستحدثة  The Neo -Liberalism في عالم اليوم. وإن كان من السابق لأوانه الحكم لها أو عليها، فإن المؤكد حسبه أن النتائج المرجوة منها لا يمكن تقاسمها بعدالة بين الأمم، فشتان بين أمة تنتج احتياجاتها وتصدر الفائض لغيرها، وتلك التي لا تقوى على تلبية الحد الأدنى من متطلبات مواطنيها.
ومنذ إنشائها بادرت دول كثيرة، المتقدمة منها والمتخلفة إلى الانضمام إليها والاستفادة مما يمكن أن ينجر عنها من مزايا. إن تسارع وتيرة العلاقات الدولية وتشابكها، وبالمقابل تراجع دور الدولة في المبادلات التجارية الدولية وحركة رؤوس الأموال، كلها أسهمت في ظهور حقيقة مفادها أن الدول النامية لا يمكن أن تعتمد في مسارها التنموي على ما كان يعرف باقتصاد الاستدانة الذي كانت نتائجه وبالا بكل المقاييس على هذه الدول، وإنما تحولت إلى تبني الاقتصاد التمويلي الذي كثر الرهان عليه. وهكذا انتشرت الأسواق المالية واتسع نطاقها وأتت العملية أكلها ولو بعد حين، لكن بدرجات متفاوتة كون البلد نام أم متقدم فاعل أم تابع.
وفي هذا السياق، هناك جملة من الأسئلة يمكن طرحها،  حسب المختص في الشؤون الاقتصادية الأستاذ فلاحي وهي: ما موقف الجزائر من كل هذه التفاعلات؟ لماذا تأخر انضمامها إلى هذه المنظمة العالمية إلى الآن؟ وكيف نفسر انضمام دول أكثر بؤسا من حيث الإمكانات المادية والبشرية (مثل بوتسوانا، مالاوي، مالي) مقارنة بما للجزائر؟ وجدير بالذكر أن الجولات العشرة من المفاوضات المتعددة الأطراف والإجابة على نحو 1600 سؤال لإقناع الدول الغربية (الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأمريكية واليابان) على الموافقة لانضمام الجزائر إلى هذه المنظمة لم تكن كافية، مما استوجب عقد جولة أخرى على الأقل.
ويقال بأن الجزائر ليست في عجلة من أمرها وأن الوقت لم يحن بعد للانضمام، إلا أن هذا يجافي الحقيقة.  ويشرح البروفسور »فلاحي« فكرته كالتالي: إن الجزائر لها اقتصاد هش لا يمكن أن يصمد أمام المنافسة الشرسة من اقتصاديات دول أكثر تطورا تقنيا وتنظيما وإدارة ووعيا بأهمية العملية والدور المنوط بها. كما تفتقد الجزائر إلى المزايا التنافسية التي بدونها لا يمكن أن تقف أمام غيرها. وهنا فهي في أمس الحاجة إلى اكتساب المهارات وتطوير التقنيات التي يمكن أن تعتمد عليها لإعطاء دفع لمنتجاتها وتحسين نوعيتها وتقليص تكاليفها. وهذا ما من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الطلب عليها محليا ودوليا. ويمكن أن يتساءل المرء ثانية: هل يمكن أن يحدث أي شيء من هذا القبيل في ظل استفحال ظاهرة البيروقراطية المقيتة والمدمرة لكل مبادرة سيما في مجال الاستثمار الوطني والأجنبي على حد سواء؟
ويرى البروفسور »فلاحي« أن تحفظات الدول الغربية على انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية ينبع أساسا من بعض الممارسات الحمائية التي تتذرع بها الجزائر، إضافة إلى الضبابية التي تكتنف سياساتها المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية وأنظمة التأمين والاتصال، ويضاف إلى كل هذا القطاع المصرفي الذي لا يزال يدار بطرائق بدائية ويرفض أن يساير المستجدات في الساحة الإقليمية والدولية.
ويواصل المتحدث شرحه لذلك بالتركيز على الجبهة الداخلية بزيادة الإنفاق على البرامج الاجتماعية بالأساليب التقليدية التي لم تعد تجدي نفعا. ولذلك فلا تزال البطالة تشكل الهاجس الأكبر لدى شرائح واسعة من المجتمع سيما المتخرجين من الجامعات الذين ينضمون سنويا إلى جيوش البطالين. ومع أن الجزائر وهي الدولة الأكثر مساحة في القارة الإفريقية ومن الدول التي حباها الله بثروات في غاية من الأهمية منها 11.8 بليون برميل من البترول و4500 بليون متر مكعب من الغاز ومعادن أخرى لم تستغل بعد كالذهب واليورانيوم في الصحراء الجزائرية، وهذه كفيلة بإيصال البلد إلى بر الأمان إذا ما رسمت سياسات جادة ووضعت استراتيجيات واقعية وطموحة يجسدها رجال أكفاء وبشفافية تامة.
ويعترف البروفسور »فلاحي«، بأن انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية يفرض عليها تحديات جسام، مما يستوجب الحرص الشديد وبذل الجهود في توظيف الموارد المتاحة في أي قطاع (عام أو خاص) بكفاءة عالية والاستفادة مما للآخرين من التجارب. كما أن هذا الانضمام، يوم يصبح أمرا واقعا، سيدعم حتما مواقف الدول المغاربية تجاه التكتلات الإقليمية الأخرى وسيسهم أيضا في تحسين التكامل فيما بينها، طالما أن مصالح الدول الغربية المتقدمة ستبقى دوما في تضارب مع مصالح الدول النامية الضعيفة.   

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024