المديونيـة تكـون معقولـة واستثنائيـة في المشاريــع الكـبرى ذات الجــدوى
اعتبر امحمد احميدوش الخبير الاقتصادي في حوار خص به «الشعب» أن رفض اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، قرار سيادي وخيار اقتصادي، لكن بالموازاة مع ذلك قال إنه من الضروري البحث في الاستغلال الأمثل لمختلف الثروات الاجتماعية والاقتصادية المتاحة، وذكر أنه من الممكن أن تكون المديونية في المشاريع ذات الطابع الاستراتيجي وفي حالة شح سيولة الدولة، خاصة في ظل الحاجة الماسة لاستغلال الثروات، لأن الجزائر بلد غازي ومنجمي أكثر منه بترولي والفلاحة الصحراوية كلها تتطلب استثمارات كبيرة.
أكد امحمد حميدوش أنه مهما كانت القرارات ذات طابع سيادي، لكن الاندماج في الاقتصاد العالمي بات يحتم على جميع الدول الاستفادة من خلال استغلال الادخار العالمي وتوظيفه محليا، وهذه التقنية تسمى الهندسة المالية، ويتحقق التوازن بين القطاع العام والخاص، حيث تكون الاستثمارات في القطاع الخاص في النشاطات الاقتصادية ذات المردودية في الجنوب الكبير، الذي يعد مدخلا استراتيجيا نحو إفريقيا، مقابل استثمارات عمومية ضخمة يمكن أن يمول جزء منها بالمديونية إذا اقتضت الحاجة لذلك.
تحديات الاستدانة الخارجية
ويرى حميدوش الذي رسم معالم خارطة المديوينة بمختلف التفاصيل، أنه ينبغي التمييز بين الاستدانة الداخلية والخارجية، لأن كلاهما عندما يفوقان المعقول يكون أثرهما جد سلبي، ولأنه في الاستدانة الداخلية تكون الميزانية ممولة عن طريق الديون وهذه الديون قد تكون داخلية أو خارجية، وفي الكثير من الأحيان من يقتني الديون هم المقيمين بالبلد أكثر من غير المقيمين، ونجد هذه الحالة قد استعصت في إيطاليا، عندما صارت قيمتها تفوق قدرة الاقتصاد الوطني على استيعابها، على خلفية أنها تفوق 30٪من الناتج المحلي، وعلى عكس إيطاليا، فإن هذه المديونية عبر سندات الخزينة الموجهة إلى السوق المالي والبورصة أصحابها غير مقيمين في أمريكا والمتمثلة في صناديق استثمارية على العموم، حيث بلغت 130 ٪ من الناتج المحلي الخام، بينما في اليابان وصلت المديونية إلى 200٪، ولكن صاحب الدين العام، يتمثل في البنك المركزي الياباني، وبلغ نسبة 200٪ من الناتج المحلي الخام، مما جعل استحالة رفع أسعار الفائدة مع صعوبة التحرر من قيد التضخم. بمعنى أنها عينة عن المديونية ذات الطابع السيادي على عاتق الحكومات، باعتبارها تمول الخزينة العمومية، ويعتقد الخبير أنه يجب أن تميز هذه المديونية عن مديونية المؤسسات المالية الوطنية التي تقدم قروضا للاستثمار، من خلال البنوك والهيئات المالية عن طريق خطوط إئتمان وقروض وضمانات دولية على المدى القصير والمتوسط، بالإضافة إلى قروض حكومية مقدمة من طرف مؤسسات مالية ذات طابع ثنائي، في إطار التعاون واتفاقيات مثل الوكالة الفرنسية للتنمية وهيئة ضمان القروض الأمريكية أو ذات طابع جهوي مثل البنك الافريقي للتنمية أو بنوك مختصة في أقصى الشرق الأوسط.
ومن الخيارات التي قال الخبير إنها متوفرة، إمكانية تمويل مشاريع عمومية من البنك الدولي على المدى الطويل، ولكن يجب التمييز بينهما، بحيث الأولى لها طابع تجاري أو بمنطق اقتصادي والثانية حكومية، تهدف إلى تحقيق خدمات يتم في حالة عجز الميزانية، عن طريق التمويل الخارجي على المدى الطويل، والتي يمكن أن تكون محل التفاوض عدة مرات فيما يخص أجال التسديد بحسب الظروف الاقتصادية. علما أنه بخصوص المشاريع الحكومية، عندما يؤخذ بعين الاعتبار مردوديتها وآجال استرجاع هذه الأموال أي الجدوى الاقتصادية، مثل إنشاء طريق سريع ممول من الخزينة عن طريق قروض، يتسنى استرجاع المبالغ من خلال عائدات استعمال هذا الطريق، وبالتالي يتحمل كل مستفيد منه تسديد نفقات انجازه أو يبقى مجانا، وبالتالي يتم تسديد الديون من خلال الضرائب، التي تكون عامة على جميع الأسر، وهذا التوجه يختلف بحسب السياسة الاقتصادية للدول.
تحكيم المنطق الاقتصادي
وذهب الخبير إلى التفريق بين الديون المجدية وغير المجدية في ظل وجود خيار اللجوء إلى الديون التي لها جدوى اقتصادية، واعتبر أنها دليل على السير الحسن للقطاع المالي وكذا بالنظر إلى قدرتها على المساهمة في تنويع الاقتصاد. لكن شرط أن يتم في هذا الاطار تحكيم المنطق الاقتصادي، كما يمكن الذهاب بحسب الخبير حميدوش إلى المديونية خارج عن السياق، عندما تتآكل الاحتياطات من العملة الصعبة، ويكون خللا في ميزان المدفوعات، بحيث تكون السيولة المتوفرة من العملة الصعبة، بالمقابل بين التصدير والاستيراد، أي تكون سالبة وتحمل عجزا، مما تتسبب في التدهور ونكون بذلك أمام خيارين، أي تدهور العملة الوطنية وانهيارها مقابل العملات الأخرى، أو الاقتراض من صندوق النقد الدولي، لتمكين المتعاملين والادارة والمؤسسات الاقتصادية، إلى غاية الخروج من هذا الطريق، وأوضح الخبير في هذا المقام أنه من هذه الطرق اقتطاع قروض على المدى الطويل على شكل دفعات وبشروط خاصة، تتمثل في التوازن الاقتصادي المفروض على السياسة الاقتصادية لرفع الدعم والتقليل من الموظفين والنظر في السياسات الاجتماعية وهذا ما عرفته الجزائر في التسعينات، وبقي في الذاكرة بمنطق تدخل لوبي مالي بالجزائر، والتفاوض مع نادي باريس ونادي لندن، وفيما يخص إعادة النظر في آجال التسديد.