الأسعار لن ترتفع مجددا إلى 50 دولار قبل سنة
,أكد كمال آيت شريف الخبير في شؤون الطاقة أنه لا يمكن للسوق النفطية أن تستعيد توازنها قبل سنة أو سنتين كأقصى تقدير، ومن ثم ستعاود الأسعار بالارتفاع إلى حدود 50دولارا للبرميل ويعتقد أنه منذ جويلية 2014، تشكل نظام نفطي عالمي جديد، وهذا ما تسبب في تغيير المعادلة العالمية للطاقة بشكل عميق، وقدم مقترحات حلول مسلطا الضوء على الخيارات المتاحة للجزائر لتجاوز هذا الظرق الاقتصادي والطاقوي الحساس والصعب.
*هل تتمكن «أوبك+» من إعادة التوازن للأسواق وتصحيح الأسعار بعد أن دخل قرار التخفيض حيز السريان مطلع شهر ماي الجاري؟
- كمال آيت شريف خبير: لا يعني اجتماع أوبك+» واتخاذها لقرار تاريخي سيحل المشكل القائم بشكل سريع، لذا أسلط في البداية الضوء على إشكالية السياق الطاقوي العالمي، لأنه لا يخف أنه قبل ظهور وانتشار فيروس «كوفيد19» كانت الأسعار في السوق النفطية متذبذبة، بفعل عدة مؤثرات من بينها العوامل الجيواقتصادية والجيوسياسية والجيو إستراتجية، لكن منذ منتصف عام 2014، برزت إشكالية أخرى لأن سوق النفط دخلت مرحلة جديدة بشكل سريع، بعد أن صار العرض أكثر من الطلب، ومنذ جويلية 2014، تشكل نظام نفطي عالمي جديد، وهذا ما تسبب في تغيير المعادلة العالمي للطاقة بشكل عميق، لأن اتفاق «أوبك+» في عام 2016 لم يتمكن من ارساء توازن حقيقي للسوق، بينما من هذه السنة إلى غاية عام 2019، برز منتجون جدد ومصادر طاقة جديدة، نذكر في صدارتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تسبب دخولها إلى تغيير سوق الطاقة بشكل جذري، وصارت أكبر منتج في العالم تفوق قدراتها الإنتاجية كل من السعودية وروسيا.
وبعد انتشار فيروس «كورونا»، توقفت حركية الاقتصاد العالمي بسبب أن ناتج النمو الصيني يمثل 18 بالمائة على المستوى العالمي، ويعد هذا البلد أول وأكبر مستهلك للنفط بنسبة لا تقل عن 15 بالمائة، ومتوسط ما يناهز 12 مليون برميل يوميا، وبسبب تأثر المنتجات الطاقوية تقلص استهلاك الصين إلى حدود 7 ملايين برميل يوميا، ونتج عن ذلك تباطؤ الاقتصاد العالمي، وهذا ما أفضى إلى تراجع أسعار النفط، وقبل ذلك يضاف إلى كل ذلك حرب الأسعار، التي خاضها أكبر المنتجين في «أوبك+»، وهذا ما تسبب في انهيار الأسعار شهر مارس الماضي، وتقلصت الأسعار بحوالي 6 بالمائة وتراجع الطلب بما لا يقل عن 30 بالمائة، أي ما يعادل هذا الانهيار في الطلب بحوالي 30 مليون برميل يوميا، وسجل صدمة في العرض واستمر العرض والإنتاج بمستويات قياسية بالإضافة إلى التخزين العالمي الذي بلغ ذروته. علما أن تخفيض «أوبك+» ما يقارب 10بالمائة من العرض العالمي، لكن السوق العالمية في الحقيقة في حاجة إلى خفض ما لا يقل عن 20 مليون برميل، لذا يمكن القول أن اتفاق أوبك وشركائها من المنتجين المستقلين غير كافية للحد من فائض العرض والإنتاج، لأن الأمر يحتاج إلى اتفاق مفتوح على دول أخرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية لامتصاص فائض العرض.
تراجع الاستثمارات
- حسب تقديرك متى تعاود الأسعار في الارتفاع مجددا..وما مصير الاستثمارات والصناعة النفطية؟
طالما إنتاج النفط يفوق بشكل كبير حجم الطلب عليه، إلى جانب استمرار تخمة المعروض النفطي المتراكم، ستبقى الأسعار منخفضة ولا تفوق مستوى 35 دولار للبرميل، علما أن هذا الانخفاض الكبير في الطلب في الأسواق العالمية، من شأنه أن يخفض من نشاط شركات النفط، حيث ستقلل من استثماراتها وهذا ما يفضي دون شك إلى عدم الإقبال على نشاط التنقيب، كون الأسعار ليست مغرية بل بدون أرباح أو مرودية. وربما كل هذه العوامل ستؤدي إلى تخفيضات كبيرة بداية من نهاية عام 2020 و2021، بسبب تراجع الإنتاج النفطي، وفي إطار هذا السياق الطاقوي لا يمكن أن تستعيد السوق توازنها قبل سنة أو سنتين على الأقل ومن ثم ستعاود الأسعار الارتفاع إلى حدود 50 دولارا للبرميل.
- كيف يمكن التخلص من تخمة السوق خاصة أن وباء كورونا عمق من فائق العرض عبر الأسواق العالمية؟
لا يمكن التخلص من فائض العرض الذي أغرق السوق في التخمة، من دون توسيع الاتفاق لدول أخرى منتجة وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والنرويج والبرازيل، ولو تدخلت هذه الدول إلى جانب «أوبك+» سيتسنى تحقيق توازن أفضل للأسواق وبالتالي تصحيح الأسعار وتجاوز الظرف الصعب للأسعار المتدنية.
الاستقرار متوقف على الحركية
- ما هي آثار الوباء على النفط والاقتصاد العالمي..وماهي الحلول لما بعد كورونا؟
إن الأزمة الاقتصادية العالمية التي ظهرت بسبب فيروس كورونا وحرب أسعار البترول، فقد انخفض الاستهلاك العالمي أكثر من 30 بالمائة، حيث أثر كورونا على الاقتصاد العالمي الذي شهد تباطؤ الاقتصاد الصيني وحدث الركود، والجدير بالإشارة فإن الخبراء يؤكدون متفقين أن العالم مقبل على مرحلة ركود اقتصادي بسبب الأثر الاقتصادي للازمة الصحية، أي الأثر الاقتصادي سيكون كارثي وتفوق سلبياته الجانب الصحي، بينما بخصوص الحلول المتاحة القادرة على تخفيف الأضرار بعد مرحلة الفيروس، يكمن في حدوث إقلاع اقتصادي للدول المتطورة، مثل ألمانيا وفرنسا والصين والتي يمكنها منح دفعة للاستهلاك النفطي خلال السداسي الثاني من العام الجاري، إذا مستهلكي النفط سيمنحون نفسا جديدا للطلب من خلال إنعاشه واستعادة الاستقرار التدريجي للسوق، وعودة اقتصاديات الدول المتطورة للنشاط سيرفع أسعار النفط خلال السداسي الثاني من العام الجاري إلى مستوى 40 دولار للبرميل. ومن الحلول المثالية للأزمة، أعتقد أن الأولوية تكمن في التحكم في التكاليف الاقتصادية وترشيد النفقات.
الأسواق المتخصصة
- ماهي الخيارات المتاحة أمام الجزائر لتجاوز هذا الظرف الصعب؟
لاشك أن تأثيرات الأزمة الصحية لديها عواقب سلبية على الاقتصاد الكلي، وانخفاض كبير في عجز الميزانية مع انخفاض في الإيرادات بالعملة الصعبة، وعلى نطاق الاقتصاد الجزئي، يجب على المؤسسات الاقتصادية التي تعاني من تخلص مبيعاتها على النصف وتراجع نشاطها، علما أن الانخفاض المسجل في أسعار النفط عالميا، أثر على مداخيل الجزائر من العملة الصعبة، وقدرت المداخيل في قانون المالية للسنة الجارية بحوالي 37 مليار دولار، لكن بسبب أزمة الوباء تراجعت المداخيل إلى حدود 20 مليار دولار أو أقل من ذلك. وبسبب وباء الفيروس، حددت الجزائر سلسة من الأولويات لتقليص ضغط الأزمة، من خلال تخفيض نفقات التشغيل بحوالي 50 بالمائة في عام 2020 وخفض الغلاف المالي للواردات من 41 إلى 31 مليار دولار أي بنسبة 25 بالمائة، ووجهت التعليمات لمجمع سونطراك لتخفيض استثماراته من 14 مليار إلى 7 ملايير دولار. ومن المقترحات التي أرى أنها قادرة على محو آثار أزمة الفيروس اقتصاديا، أذكر إعادة تحديد الأهداف القصيرة والمتوسطة المدى، مع وضع إستراتجية جديدة للطاقة والاقتصاد على المدى المتوسط، ويتطلب الظرف الحالي تحسين التكاليف وترشيد نفقات التشغيل في جميع قطاعات الأعمال خاصة في القطاعات الإستراتجية.
وعقب الأزمة وعلى المدى المتوسط، قد يكون الإنعاش الاقتصادي ويتسنى تجسيد الانتقال الطاقوي والذهاب للطاقات البديلة خاصة الطاقة الشمسية، مع أهمية السهر على تطوير نموذج طاقوي جديد يعتمد على اقتصاد الطاقة والكفاءة الطاقوية، وينصح بالتركيز على الأسواق المتخصصة المستقبلية مثل البتروكيميا وتطويرها مع ترقية صناعة الفوسفاط، وخلاصة القول أن مستقبل الجزائر في الطاقات المتجددة والفلاحة والرقمنة والسياحة.