جعل البنوك مؤسسات استثمار قادرة على تعبئة الإدخار
رصد الدكتور سعدان شبايكي، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر، تأثيرات فيروس «كوفيد.19» على المنظومة الاقتصادية، لكنه بالموازاة يقدم مقترحات لمواجهة أي أزمة يتسبب فيها الفيروس الخطير، مراهنا على إصلاحات يعتقد أن الأولوية فيها تكون للمنظومة المالية وإعادة الاعتبار للادخار وجعل القطاع الفلاحي كخيار استراتيجي يحظى بالاهتمام، كونه الطريق الوحيد لتحقيق الأمن الغذائي، بالإضافة إلى العناية بالاستثمار وجعل الكفاءات في قلب الإنعاش الاقتصادي.
«الشعب»: ما هي آثار فيروس «كوفيد.19» على الأداء الاقتصادي والمنظومة الإنتاجية؟
سعدان شبايكي: كشف وباء كورونا، كأزمة طارئة صادفت هبوطا في إيرادات بيع النفط وعدم تنويع الاقتصاد، عن مواطن ضعف كثيرة في المنظومة الوطنية برمتها وتتمثل في:
- بعد الجامعة عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي من ناحية، وعدم قدرتها على مواصلة نشاطها عن بعد إلا بجهد جهيد وليس في كل المؤسسات، وظهر أن التحكم في الرقمنة لم يرق إلى المستوى المطلوب.
يضاف إلى ذلك، عدم تمفصل في الجهاز الإنتاجي، أي أن مكوناته لا تكمل بعضها لنقص حاد في المعلومات، حيث لا نعرف بدقة ما ننتج ولمن ننتج، بسبب غياب بطاقية إنتاج، كون جهاز المعلومات مازال ضعيفا وغير مكتمل وبالتالي المعلومة لا تصل في الوقت المناسب.
إلى جانب أن ولوج عالم الاقتصاد الرقمي لن يكون غدا، على خلفية أن نسبة المستعملين من الساكنة لتكنولوجيا الإعلام والاتصال لا يتعدى 1,5%، وكشفت الأزمة عن ضعف في انطلاق التعامل التجاري والمالي عن بعد بكيفية مقبولة على الأقل.
أما حول الآثار المترتبة عن هذا الوضع فيبدو مبدئيا أن هناك:
ـ هبوطا في معدل النمو الاقتصادي لأسباب الاعتماد على الخارج وقلة الموارد المالية، ناهيك عن التوقف الاضطراري.
ـ ارتفاع معدل البطالة بسبب توقف عدة أنشطة وبالتالي توقف التوظيف.
ـ بعض الندرة في السلع والخدمات.
ـ الاحتكار الذي تمارسه فئة تترصد دائما الأزمات.
الفلاحة خيار استراتيجي
- هل يمكن تجاوز الأزمة الاقتصادية في مرحلة ما بعد الوباء؟
بالإمكان تجاوز آثار الأزمة الحالية إذا:
- تم اعتماد نظام حوكمة جديد يأخذ بعين الاعتبار الكفاءة المناجريالية، ثم إنشاء جهاز إحصائي دقيق، يشمل جميع مناحي الحياة الوطنية حتى يسهل اتخاذ القرارات السليمة، ثم أخيرا وضع دائما أكثر من سيناريو للأوضاع المستقبلية، بناء على التغيرات المحلية والإقليمية والدولية، باعتماد الاستشراف الذي يتطلب بدوره بعث ما هو موجود من معاهد ومراكز تفكير راكدة، وخلق ما يلزم منها للدراسات المستقبلية بشكل عاجل.
- توفر دخول الدولة كمستثمر كبير في قطاعات الإنتاج التي تضمن الانتقال التدريجي الصحيح نحو اقتصاد متنوع ومتمفصل بنسب عالية.
- الاهتمام بنظم التعليم والتكوين والبحث لربط العلم بالواقع وتخريج كفاءات عالية المستوى وعملية.
- الوصول إلى الاكتفاء في الغذاء والدواء، كأولوية واجبة التحقيق.
- تفعيل وتحديث الآليات المالية لأخذ جميع الأشكال الممكنة لتحريك الادخار الوطني.
- الاهتمام بقطاع الفلاحة واعتباره قطاعا استراتيجيا، ورسم ما يلزم من السياسات وإرساء الآليات للتعامل معه على هذا الأساس.
- هل هناك حلول أو خطط يمكن اقتراحها من أجل رفع وتيرة النمو بعد تجاوز الظرف الحالي؟
لابد من القيام بمراجعات كثيرة تنصرف أولا إلى إعادة الاعتبار لدور الدولة الاقتصادي في الضبط الاقتصادي والاستثمار، ووضع ما يلزم من القوانين في حالات الأزمات مثل القضاء على ظاهرة الاحتكار في مهدها واعتبارها تعدّياً على الأمن الوطني، لأنها تولد بدورها أزمات أخرى مثل الندرة والتضخم والتهريب.
تعبئة وتنويع الإدخار
- إلى أي مدى يمكن اغتنام الأزمة الحالية التي تمر بها عدة مؤسسات من أجل إرساء إصلاحات جذرية وحقيقية؟
إن هذه الأزمة كشفت عموما نقائص في عديد المؤسسات، بدءا من الكفاءة ثم المبادرات وتسيير الأزمة الحالية، وبالتالي لابد مستقبلا من إيلاء المسؤوليات لكفاءات عالية المستوى.
- ما هي مفاتيح النجاح المتاحة لتكريس الإقلاع؟
إن الإقلاع الاقتصادي يتوقف على زمن هذه الأزمة، فإذا طالت مدتها تزداد دون شك المصاعب في توفير حاجات المواطنين المختلفة ويمكن على ضوء المتاح من إمكانات مالية وثروات طبيعية وبشرية، أن تضع الدولة خطة إنقاذ تبدأ أولا بإصلاح المنظومة البنكية، لتجعل من البنوك مؤسسات استثمار وقادرة على تعبئة الادخار أينما وجد، ثم تنويع القاعدة الإنتاجية، بهدف الحد من التبعية وتلبية الحاجات المحلية دون استنزاف الاحتياطي من العملة الصعبة وتوفيره لأيام قد تكون أصعب، لأن العالم بعد هذه الأزمة سيدخل في إعادة تشكل جديدة لا نعرفها ولا نعرف مآلاتها حاليا، ولكن يُتوقع حدوثها، ونترقب أنها ستبنى على الاقتدار الاقتصادي أولا ثم معطيات أخرى على غرار التكتلات الجديدة.