في كل مرة لا تبخل الجزائر وتتحرك بإيجابية وفعالية لمواجهة تحديات اختلال التوازن في السوق النفطية وتصحيح الأسعار المتذبذبة أو المنهارة، في إطار عضويتها في منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، حيث تلعب دورا بارزا في تقريب وجهات النظر بين الشركاء المنتجين، وتعتمد في ذلك على دبلوماسيتها النفطية المحنكة المرتكزة على الخبرة والكفاءة وبعد النظر ودقة التقدير، ولأنها تنطلق من نفس المسافة وتحظى بالتوافق من طرف جميع الأعضاء حتى الشركاء في «أوبك+».
تمكنت منظمة «أوبك» وشركاؤها من المنتجين الكبار، تتصدرهم روسيا، من اتخاذ قرار تاريخي لم يكن يتوقع التوصل إليه في هذا الظرف الاقتصادي والاجتماعي والصحي، الذي يعصف بالعالم، خاصة على اعتبار أن السوق خلال الأسابيع الماضية شهدت إغراقا بالعرض. ويأتي القرار المشترك للمنتجين في العالم في إطار «أوبك+» بتخفيض ما لا يقل عن 9.7 ملايين برميل شهري ماي وجوان، كمرحلة أولى، ثم 8 ملايين برميل يوميا من شهر جويلية إلى ديسمبر، وبعد ذلك من جانفي المقبل إلى أفريل 6 ملايين برميل. علما أن هذا الاتفاق الأول من نوعه وفي هذا الوقت بالذات، تم التوصل إليه والجزائر تترأس المنظمة، ودون شك أن قيادتها لأوبك وفرت جميع أجواء التوافق وهيأت الظروف وأذابت التباين والخلاف في وجهات النظر.
صدمة تاريخية قاسية
تبقى الجزائر إحدى الدول التي تسهر دوما على الدفاع عن معادلة توازن العرض والطلب وكذا اعتماد أسعار عادلة، وفي نفس الوقت تحرص على حماية مصالح المنتجين والمستهلكين. لذا من الطبيعي أن ينظر إليها بعين الثقة ومختلف تدخلاتها تكون موفقة ومشاوراتها كوسيط وطرف ضمن المنتجين مثمرة، حيث يمكن تسليط الضوء على دورها الأول والريادي في صياغة أرضية الوفاق في اجتماع الجزائر عام 2016.
تنطلق الجزائر من خبرة ورصيد ثري في رسم معالم طريق التوافق والتقاطع في وجهات النظر، في ظل تحديات لا يستهان بها، خاصة بعد أن عصف الفيروس التاجي «كوفيد.19» بالاقتصاد العالمي وعمق من فائض العرض في أسواق النفط الدولية.
ولا يخفى أن أي تحرك للجزائر في مواجهة تصحيح تقلبات السوق السلبية، يكون مثمرا ونتائجه إيجابية تظهر بعد ذلك في صيغة قرارات حاسمة تتخذها البلدان الأعضاء وكذا شركاؤها من خارج المنظمة النفطية.
وفيما يتعلق بتطورات السوق النفطية، التي تعرضت فيها الأسعار لانهيار غير مسبوق، ورغم أنها من يوم لآخر تسجل انتعاشا طفيفا معرض في أي وقت للتراجع، تتوقع منظمة الدول المصدر للنفط «أوبك» انهيارا في الطلب العالمي على النفط خلال عام 2020 بسبب ما وصفته بالشلل الاقتصادي العالمي الناتج عن وباء كورونا، ولم تخف «أوبك» أن السوق تشهد صدمة تاريخية عالمية ترى أنها شديدة وقاسية.
انخفاض غير مسبوق
وتترقب المنظمة، بحسب ما أوردته في تقريرها الشهري، أن يصل الاستهلاك العالمي إلى 92,82 مليون برميل يوميًا في 2020، مسجلا انخفاضا غير مسبوق لا يقل عن 6,85 برميل يوميا مقارنة بعام 2019.
من جهتها، تعتقد الوكالة الطاقة الدولية تسجيل انخفاض تاريخي في الطلب على النفط الخام، في حين تأتي تقديرات بعض البلدان صاحبة الإنتاج الكبير في انخفاض الطلب العالمي على النفط بما لايقل عن 8 ملايين برميل يوميا طيلة العام الجاري.
ووصف خبراء عالميون في شؤون الطاقة القرار الحاسم والاستثنائي، الذي توصل إليه تحالف «أوبك+» بالتاريخي وطويل المدى، حيث يستمر لمدة سنتين كاملتين وهذا ما اختزل في نفس الوقت قناعة المنتجين بضرورة التعاون من أجل استعادة الثقة ودعم انهيار استقرار السوق، في ظل صعوبة هذه المهمة، كونها تتطلب مراقبة ومتابعة تطبيق هذا الاتفاق بهدف إرساء وضمان سقف عال من الفعالية وصلابة التنفيذ على أرض الواقع، وأكدوا فرضية أن يكلل بالنجاح في حالة استمرار التنسيق والتعاون والتقارب لفرض المزيد من الحماية على الأسواق وجعل الأسعار عادلة بالنسبة للمنتجين والمستهلكين.