التحليل الأسبوعي

معالم التغيير

سعيد بن عياد

 يسطّر مخطط عمل الحكومة الذي صادق عليه مجلس الوزراء، نهاية الأسبوع، ويعرض على البرلمان، الثلاثاء المقبل، معالم التوّجهات التي تقود المرحلة الراهنة لمواجهة التحديات المختلفة بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تستوعبها في العمق عملية مراجعة الدستور الجارية لإرساء أرضية متينة تؤسس للإقلاع الشامل.
 
 يحتل الشق الاقتصادي جانبا بارزا في مخطط حكومة جراد التي يداهمها عامل الزمن وتراكمات المرحلة السابقة ليتم الشروع في انجاز الأهداف المسطرة للخروج من مرحلة التردد والانتظار إلى مرحلة الفعل والنشاط ضمن رؤية منسجمة ومتكاملة ترافق المنظومة الاقتصادية بكل فروعها في الرفع من وتيرة النمو.
  هذا الطموح لا يتشكل من فراغ وإنما يستند إلى مؤشرات يمكن البناء عليها،تتقاطع في الرغبة القوية لرفع التحديات، كما أكد عليه الرئيس تبون، محددا المسار الذي يتجه إلى أفق واسع تستعيد فيه المؤسسة الإنتاجية والاستثمار الخلاق للثروة والمبادرة المكانة اللائقة في المشهد الجديد.

النوايا، الواقع والأخلاقيات

  ورشات كبيرة تفتح صفحات المستقبل لتتضمن كافة التطلّعات التي يحملها عالم الاقتصاد بالمعايير السليمة ليفتح المجال أمام تنافسية ترافقها السلطات العمومية العليا بالتحفيزات التي تعود بنتائج اقتصادية ومالية وتنموية ملموسة، بحيث يكون التوازن بين حجم المرافقة ونظيره في مساهمة المتعامل في النمو.
  بين النوايا والواقع ترسم مساحة لأخلاقيات العمل وإشارات القوانين لمنع أي انحراف أو اعوجاج بحيث يلزم نقطة الانطلاق بضبط إطار المشهد بما يسمح بفرز الشركاء ليتصدر المسيرة أولئك الذين لديهم القناعة الراسخة بالالتزام بقواعد «اللّعبة» من احترام لدفاتر الشروط وانتهاج الشفافية والتطبيق الطوعي للقوانين خاصة ما يتعلق بدفع الضرائب والتأمين الاجتماعي للعمال والامتناع عن كافة أفعال الفساد.
  هذا الأخير يبقى المنعرج الذي يجب تجاوزه نحو طريق أكثر وضوح من خلال انتهاج مسار إصلاح تسريعي يسمح بإعادة صياغة قوانين تكون لها الديمومة لأكثر من عشرية، كما أكد عليه تبون وتتضمن أحكاما واضحة تواكب التغيرات الجارية محليا وعالميا بصيغة تزاوج بين تحرير الاستثمار والمبادرة وإنشاء شراكات متنوعة من جانب وضمان حقوق الدولة من خلال آليات تحصيلها وضمان الجانب الاجتماعي أيضا من توفير للشغل وتنمية موارد إضافية تصّب في الإطار الواسع للنمو.
  ملتقى الحماية القانونية والقضائية للاستثمار الذي جرى، يومي الجمعة والسبت، سمح بوضع النقاط على الحروف حول الرؤية الجديدة لعالم المال والأعمال بالمعنى الاقتصادي الصحيح، لطمأنة سوق الاستثمار ضمن الرؤية الجديدة التي تتقاطع فيها الإمكانيات المتاحة والأهداف المرجوة لإحداث الوثبة التي تنقل الوضع إلى أفق ترتسم فيه صورة جزائر جديدة بمعايير حداثة في كل المجالات تمد فيها جسور العبور إلى مربع البلدان الناشئة.
  ورشات كبيرة سوف تفتح لانجاز الإصلاحات التشريعية والتنظيمية والهيكلية على أساس هذه المعادلة، وهو ما يتولاه الجهاز التنفيذي في ظرف زمني ضاغط وفي ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية لا تحتمل الانتظار، بالنظر لتآكل احتياطي الصرف بالعملة الصعبة وارتفاع تعداد الساكنة.

الحوكمة في إدارة المشاريع

  يتعلق الأمر هنا بقطاعات أولى يقع عليها عبء التغيير لتسحب معها باقي القطاعات الأخرى، وهي بإجماع الخبراء، الصناعة التحويلية المرتبطة بالفلاحة، السياحة بكل مواردها، الرقمنة والطاقة، التي بقدر ما تشكل ثقلا مرهقا بقدر ما فيها أيضا الحل المطلوب، بحيث يشكل التحول الطاقوي نحو مصادر الطاقة الجديدة مفتاح الحل الشامل في المدى المتوسط على الأقل.
  عناوين كبيرة أكد عليها الرئيس تبون في خوض معركة الإقلاع تشكل معادلة التغيير، وهي الأمن الغذائي، الرقمنة والتحوّل الطاقوي تمتد بين فروعها حتمية الحوكمة في إدارة المشاريع لتوفير ما يمكن من أعباء واقتصاد في النفقات توجه لتمويل برامج اجتماعية تصنف ضمن الاستثمارات التي ليس لها مردودية مادية ولكن تساهم في بناء البنية الاجتماعية السليمة مثل المدرسة والصّحة والمرافق الخدماتية.
  بالموازاة تتجه الإصلاحات الى المنظومة البنكية الحلقة الجوهرية في البناء الجديد لتلعب دورها كعامل فاعل في الاستثمار وليس مجرد خزائن للمال تمنح وتتفرج، وإنما تنخرط في الديناميكية المأمولة لتكون قاطرة وأيضا حارسا لمآل الاستثمارات حتى لا تتكرر تجارب ماضية فاشلة.
 لعل بنك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المرتقب أول تجربة لاختبار مدى مواكبة المنظومة المصرفية لمسار الانتقال الاقتصادي الذي يرتكز على خيار المؤسسات الناشئة بحيث تكون ذات جدوى بالمعيار المالي من خلال دقة المؤشرات ومردوديتها بعيدا عن أي انزلاق للواقع في مطبات تجارب سابقة.
  كل هذا يندرج ضمن نموذج اقتصادي متنوع وإنتاجي يستوعب التحدّيات ويحمل الحلول وفقا لخارطة الطريق التي تستمد من الالتزامات 54 للرئيس تبون المعوّل عليها في تخليص البلاد من تبعات حازمة خانقة، سببها تراجع إيرادات النفط وأيضا فساد استشرى طيلة السنوات الماضية بلغ درجة كادت أن تكون عواقبها مدمرة لو لا تحركت القوى المخلصة لمرافقة الحراك الذي أنهى مغامرة القوى غير الدستورية والعودة إلى المسار الدستوري الصحيح وإدراك تحدّيات التنمية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024