يعد التّسيير العصري ورقمنة آداء المنظومتين المالية والاقتصادية تحديا حقيقيا، يقتضي التعجيل بسريانه لمواكبة التطور السريع للاقتصاديات التي باتت تغزو الأسواق بشراسة وذكاء وجودة عالية التنافسية، وهذا ما يفرض العودة إلى خوض إصلاحات جديّة ومستمرّة في منظومة التّسيير، لبعث حركية التنمية بما يتناسب مع القدرات الوطنية، ومن أجل بعض حيوية الاقتصاد الوطني الذي لن ينتعش من دون تنمية محلية عميقة وشاملة تحقّق التّوازن الجهوي من حيث انتشار الاستثمار بما يتناسب مع طبيعة الولاية.
مازالت المشاريع الاستثمارية تنتظر الضّوء الأخضر لتغيّر وجه ولايات الجنوب والهضاب العليا، لأن كل ما يبدو مستحيلا سيكون متاحا وقابلا أن يكون تجربة اقتصادية ذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وللسوق المحلية، ونأخذ على سبيل المثال ولايتي الوادي وبرج بوعريريج اللّتان أسّستا لحركية اقتصادية غيّرت وجه الولايتين بداية من امتصاص البطالة وسط المنظومة الاجتماعية إلى تلبية حاجيات الولايات المجاورة بالمنتجات بأسعار منخفضة، حيث انفتح المستثمرون في هذه الولايتين على مختلف الصّناعات الخفيفة، نذكر من بينها الصّناعة الغذائية والكهرومنزلية والالكترونية، وحتى بكل ما يتعلّق بالصّناعة الصيدلانية والتجميلية. يمكن لمختلف الولايات حتى ذات الطابع الفلاحي أن تكون قطبا للصّناعة الغذائية، وبعد ذلك تتحوّل إلى منصّة تصدر منها المنتجات الغذائية للأسواق العربية والإفريقية. بالنظر إلى جودة المنتجات الزراعية الجزائرية التي تحتاج إلى البحث المستمر والتكنولوجيا المتطورة لتكون رائدة بتنافسية وجودة عالية.
يمكن تحديد خارطة أو ورقة طريق لكل ولاية، بعيدا عن الانتقائية أو الوساطة تستقبل المشاريع الواعدة والمهمة وتمنح لها فرص يمكن أن ترى النور، حيث يمكن للشباب كما يمكن لكل من يحمل مشروعا مهمّا يحمل في طياته أسباب النجاح، وبعد ذلك يهيّئ مناخ الإنشاء، وبفضل تنوّع الولايات وتنظيم الاستثمار عبر كل منطقة، يمكن أن ينتج ذلك تنوعا في الاقتصاد الوطني، وينعكس ذلك على ارتفاع في تحصيل الجباية، ويضاف إليها إيرادات التصدير بالعملة الصعبة وتغطية حاجيات السوق المحلية، وبالتالي تقليص فاتورة الواردات، وتراجع التضخم وارتفاع معدل النمو.
إذا التنمية المحلية باتت قاطرة لبعث حركية النسيج الاقتصادي، وتصحيح مسارها وتنظيم تركيبتها وتحديد وجهتها الصّحيحة، كفيل بوصول الاقتصاد الوطني إلى برّ الأمان، وينتظر الضوء الأخضر للانطلاق، والخطوة الثانية ستكون حتمية المرافقة وتقييم وتقويم نشاطها في ظروف شفّافة، وفي إطار احترام قوانين الاستثمار. ولا يكفي الاقتصاد الأخضر ونقصد به الفلاحة والصناعة الغذائية، وكذا مختلف الصناعات الخفيفة الأخرى، وتضم كذلك الصّناعات الالكترونية والتكنولوجية، وإنما الشروع اليوم قبل الغد في استغلال الطّاقات المتجدّدة بداية من الطّاقة الشّمسية إلى طاقة الرياح، ولعل إعادة التفكير في مشروع بثقل «مشروع دزارتيك» سينعكس على التنمية الاقتصادية بأثر إيجابي عميق، وينوّع من مداخيل الثروة، وينوّع من مصادر الطاقة التقليدية القابلة للاختفاء، ومرشّحة أن تنضب في آفاق عام 2050