حتميــة عصرنــة الجبايــة تكتسي أولويـــة
إنشاء منظومـة تشريعية خاصـــة بالاستعـمـال الرقمي للنقــود
تخفيـض الضريبـــة علــى إجمــالي الدخــل الضعيــف
يرصد امحمد حميدوش الخبير الاقتصادي والمالي، أهم الرهانات القائمة التي تتطلب الشروع في إرساء إصلاحات عميقة وجذرية على مستوى المنظومتين المالية والجبائية، خاصة أن الجزائر في الوقت الراهن مقبلة على مرحلة هامة من الانفتاح على الاستثمار واستحداث القيمة المضافة خارج قطاع المحروقات، ولأن الإصلاحات أوضح الخبير، تبدأ كذلك من القطاعين المالي والجبائي، واغتنم الفرصة ليدعو إلى ضرورة تكريس عدة تعديلات في قانون المالية، ووضع حد لعجز الميزانية، وتحرير أسعار مختلف المواد بشكل تدريجي، بعد إعادة النظر في الدعم الاجتماعي حتى يوجه للفئات التي يحق لها أن تستفيد منه. ودافع عن خيار إدراج الحوكمة في التسيير العمومي عن طريق الرقمنة.
- الشعب: ما هي الإصلاحات التي تكتسي أولوية في المنظومة المالية في ظل الرهانات القائمة لتفعيل هذا القطاع الهام؟
الخبير امحمد حميدوش: من الأولويات أذكر، إصلاح قانون المالية من خلال تمويل ميزانية التسيير من الجباية العادية، في حين الميزانية البترولية تموّل من الجباية البترولية وكذا المداخيل الضريبية، بالإضافة إلى وضع حد للعجز في الميزانية، والذي لا يجب أن يفوق من 3 إلى 4 ٪، ولا ينبغي أن يكون التراكم أكبر من الدخل القومي، مع إلغاء صندوق ضبط الموارد بشكل نهائي، وتعويضه بصندوق سيادي للاستثمار تكون مهامه، تشكيل حقيبة مالية تتكون من أوراق مالية، تتضمن أسهم وسندات وعمولات صعبة ومعادن نفيسة مع التوجه إلى اقتصاد السوق، حيث تحرر أسعار مختلف المواد لكن بشكل تدريجي ومن دون استثناء، ولكن هذا يقابله مسح وطني للفئات الهشة وذوي الدخل الضعيف والمتوسط، وكذا أصحاب المهن الظرفية والمؤقتة والمعوقين والمسنين وجميع الحالات الاجتماعية، التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار لتدرج ضمن منظومة دعم وحماية اجتماعية، وبالتالي تحرير الأجور، وهذا يفضي بشكل تلقائي إلى تخفيض النفقات الحكومية، ومن جانب آخر على المؤسسات والإدارات العمومية التخلي عن هذه الخدمات العمومية للقطاع الخاص مع تحديد دفتر شروط خاص بهذه الخدمة العمومية، أي يجب أن يتم التوجه إلى ميزانية تسيير لا تفوق 30 مليار دولار، كما يفترض إدراج الحوكمة في التسيير العمومي عن طريق الرقمنة، وإشراك الفاعلين في العملية مع اعتماد الديمقراطية التشاركية في جميع الهيئات العمومية، وكيفية اختيار المشاريع وإدارتها.
من الضروري إعادة النظر في قانون المالية 84-17وقانون الصفقات العمومية وقانون ضبط الميزانية، وجعل ذلك من الأولويات على المدى القصير، كما يجب إعادة النظر فيما يخص أداء الخزينة العمومية والمنظومتين التشريعية والتنظيمية الخاصة بها، انطلاقا من منطق متعامل عوضا عن إدارة وراء الشباك. مع إعادة صياغة وعودة البنك الجزائري للتنمية الذي تم إنشاؤه مع بداية الاستقلال، لكن تم تحويله إلى صندوق الاستثمار خلال العشرية الماضية، حيث يكون طرف فعّال في الشراكة والتعاون اللذين تقوم بهما الجزائر، لاسيما مع دول جنوب-جنوب من منظور مساعدة اقتصادية وضمن دول عدم الانحياز أو الدول الغنية ضمن شراكة رابح رابح، كما أنها يجب أن تستفيد من هذه التجارب لتكون الهيئة المخوّلة للتفاوض مع الهيئات المالية الدولية مثل البنك العالمي والبنك الأوروبي للاستثمار.
التداول بالنقود المشفرّة
- كيف يمكن تحرير البنوك وإدماجها في مسار تكثيف الاستثمار والرفع من وتيرة التنمية؟
ينبغي التخلي نهائيا عن البنوك التجارية عن طريق البورصة، بل والتخلي على الأقل عن 60 أو 70٪ من حصص رأسمال هذه البنوك، كما يمكن أن تدخل وتشجع هذه البنوك للتموقع حيث تفتح فروع لها في قارة إفريقيا، عن طريق جمع ادخار الجزائريين المغتربين في أوروبا ومختلف دول العالم، بمعنى المقر الاجتماعي يضم ممثلين في أوروبا ويضم كذلك مختلف أعضاء الجالية الجزائرية خارج الوطن لاستقطاب العملة الصعبة، فيتسنى الاستثمار في إفريقيا.
كما يحبذ تعويض وإنشاء بنوك للاستثمارات العمومية، تكون مختصة في تمويل المشاريع على المدى الطويل، وتختص في قطاع السياحة بالدرجة الأولى والقطاعات الإستراتجية، مثل السدود وصناعة الأسلحة والسيرورات التكنولوجية بالدرجة الثانية، كما يتحكم اعتماد تشريع خاص برقمنة الاقتصاد لاسيما كل ما هو مصرفي، لأنه لا يتوفر لدينا قانون ضمان، وبالتالي إنشاء منظومة تشريعية خاصة، بكل ما يتعلق بالاستعمال الرقمي للنقود والمعاملات والصيرفة والتحويلات والدفع الإلكتروني للعملة الصعبة، كما يتحتم إلغاء القوانين أو أحد إجراءات قانون المالية لعام 2017، الذي يمنع التداول بالنقود المشفّرة، ومن الضروري العودة إلى هذا النوع من النقود المشفّرة مثل «بيت كوين»، مع تشجيع وتمويل إنشاء عملة مشفّرة للجزائر.
من الضروري إعادة صياغة قانون النقد والقرض، من خلال استعمال الأدوات المالية العصرية، والخروج من الآليات القديمة التي وضعها القانون التجاري التي ليس لها محلا عمليا، بالإضافة إلى إعادة النظر في قانون النقد والقرض الذي تجاوزه الزمن، ولأنه لم يعد فعالا في الوقت الحالي، مع الأخذ بعين الاعتبار الآليات الخاصة بالمالية الإسلامية.
تفعيل صندوق التجهيز
- كيف يتم تنويع تمويل الاستثمار حتى لا يقتصر الدور وحده على البنوك التقليدية؟
من الأمور التي باتت حتمية استحداث الأوراق للتمويل في قانون النقد والقرض، عوض العمل بالسفتجة والكمبيالة، مع أهمية تقنين عملية اقتناء الفاتورة وكذا رأسمال المخاطرة وأدوات المالية، التي تتضمن عملية التمويل الداخلي والخارجي، مثل الخيارات والمستقبليات وفتح رأسمال المؤسسات العمومية على البورصة، حتى تتوفر السيولة للأسهم وتصبح البورصة لها القدرة على التمويل، أي تصبح وجهة لتمويل المشاريع الاستثمارية والمؤسسات، مع تشجيع إرساء صناديق الاستثمار الأجنبية، واستحداث في الآليات من صناديق خزينة إلى صناديق استثمار، مثل في عملية الحج، كما هو الحال في ماليزيا «يدفعون تكلفة الحج قبل 10 سنوات» وعندما يصل الوقت يتم اختبارهم إذا كانوا متمكنين من المناسك، وبعد ذلك، يتم إدراجهم في قائمة الحجاج ويستفيدون من الرحلة والتغطية من دون أن يدفعوا المال، لأنهم سددوا قبل 10 سنوات». وبالنسبة لصناديق الكوارث الطبيعية لدى وزارة الداخلية، يجب أن تستثمر حتى لا تدخر الأموال ولا تبقى راكدة من دون استغلال وبالتالي تحقيق المنفعة. والتمويل يتم تنويعه من خلال البورصة وصناديق الاستثمار، واستحداث الأوراق المالية في قانون النقد والقرض ورأسمال المخاطرة والقرض الإيجاري.
بإمكان تفعيل صندوق التجهيز الذي قد يلعب دورا مهما في تمويل المؤسسات التي تحصلت على صفقات عمومية، عندما يتعطل أو تتأجل عملية الدفع.
تشديد الرقابة على التحويلات المشبوهة
- ما هي الرهانات المستعجلة لإصلاح القطاع الجبائي الذي يحتاج إلى جهود التغيير؟
لدي نظرتين حيث الأولى تتعلق بالأجل القصير: وفي هذا الشق لا أخفي أنه لدينا مشكل الطلب الداخلي، الذي يحتاج إلى تغيير وتحسين، من خلال تحفيز الاستهلاك، وبالتالي تشجيع المؤسسات على الإنتاج بعد تحقيق الأرباح، من خلال توسيع الاستثمار، والإجراءات الأولية تتمثل في تخفيض الضرائب بالنسبة للدخل الضعيف تحت مستوى 30 ألف دينار، بينما الضريبة على إجمالي الدخل تكون تصاعدية، حيث يؤخذ بعين الاعتبار الأجر الخام وعدد الأطفال أقل من سن 18 سنة، إلى جانب الأخذ بعين الاعتبار، تكلفة التنازلات الضريبية المتراكمة منذ 20 سنة، للنظر في أدائها وفعالياتها للخروج، عن قرار إلغائها أو إبقائها، مع إلغاء الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، التي تقدم تحفيزات جبائية، والتي يمكن أن تقدمها إدارة الضرائب لوحدها، بينما الشباك الوحيد يبقى على مستوى السجل التجاري.
في الأخير تشجيع الادخار من خلال إرساء منظومة ضريبية مالية خاصة بكل ما يتعلق بالاكتناز، كما تخصص ضريبة مع غرامة خاصة، لكل ما يتعلق بالنشاط التجاري غير رسمي ونشاطات التهريب والغش الضريبي، مع تفعيل مراقبة ضريبية خاصة بالثروة وعدم الفوترة والتحويلات المشبوهة للخارج، واستحداث اللجان المختلفة التخصّصات للرقابة في دفع مستحقات جمركية وضريبية. أما على المدى الطويل ينبغي إعادة النظر الكلي في المنظومة الجبائية التي تم استحداثها في بداية التسعينات، دون إشراك الفاعلين من أرباب عمل وجمعيات حماية المستهلك ونقابات وما إلى غير ذلك. والسهر على عصرنتها لتواكب التطور ومختلف المستجدات.