بفعـل أزمة ماليـة وفسـاد فاق التوّقعات

تــركيب السيــارات فـي مفترق الطــرق

سعيد بن عياد

 مــا هـو المخـرج.. وبــأي كــلفة؟

عرف نشاط تركيب السيارات صدمة قوّية لعدة عوامل أبرزها تراجع إيرادت النفط وانعكاس ذلك على مشاريع عديدة، غياب رؤية دقيقة لهذا الفرع الصناعي، تحويل بعض المتعاملين لهذا الاستثمار الى منصة للفساد بتضخيم الفواتير وتحويل مكثف للعملة الصعبة للخارج، الغش وعدم احترام المعايير الدولية وبالتالي عدم القدرة على التصدير.
بعد التوقف الذي حدث جراء التغيير الذي عرفته البلاد بفعل ضرب مراكز الفساد في المنظومة الاقتصادية ومن بينها فرع تركيب السيارات، التهبت أسعار السيارات في السوق المحلية وعاد الحديث عن اللجوء الى استيراد «الماركات» القديمة من الخارج بكل ما يترتب عنه من انعكاسات مالية وبيئية في انتظار ان يعاد رسم التوجهات لهذا القطاع في ظل أزمة مالية لا تزال تلقي بظلالها على المشهد الاقتصادي، أمام متطلبات تتزايد باستمرار بالموازاة مع تزايد الطلب المدفوع بالنمو الديمغراقي ومتطلبات الحياة العصرية.

غياب رؤية استراتيجية حول مدى تأثير استيراد السيارات أقل من 3 سنوات على أسعار السوق الحالية المرتفعة بشكل غير عادي، اعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمان مبتول ان هذا ليس إنعكاسا طبيعيا وبالتالي التوقع المرتقب لا يحصل آليا، ذلك كما أوضحه، ان المستورد الذي يجب ان يودع رأسماله في بنك تجاري بالجزائر يصطدم بمعضلة معدل صرف العملة الأجنبية، بين السعر الرسمي بـ 135 دينار مقابل 1 أورو وسعر الصرف الموازي ليكون حينذاك الفارق بنسبة 50 ٪، وفي الحالتين، اضافة للرسوم الجمركية فإن الكلفة تكون مرتفعة.
أضاف ان هناك في الواقع، كما أعلنه، منذ عشرية مضت، غياب رؤية استراتيجية لقطاع تركيب وتصنيع السيارات، ومن ثمة، كما أوضح لو تواصلت السياسة السابقة لتركيب السيارات لكان استنزافا للعملة الصعبة بشكل يدمر الاقتصاد، كون مقابل تركيب 500.000 سيارة يكلف خروج بين 9 و 10 ملايير دولار في 2020، ما يعادل ثلث (1/3) مداخيل شركة المحروقات «سوناطراك»، بسعر برميل النفط بين 60/65 دولارا.
برأي محللين دوليين بشأن الأمن الوطني، فإن السياسة الصناعية الحالية التي تفتقر للانسجام تقود مباشرة الى الاصطدام بجدار أزمة لا يمكن النهوض منها، تتمثل في اللجوء حتما بتلك الوتيرة الانتحارية الى الاستدانة الخارجية والتبعية من خلال التكنولوجيا واحتمال الوقوع في افلاس محقق.

الحوكمة على كافة المستويات

أما بخصوص مسألة استيراد السيارات القديمة فإن القانونيين يثيرون جانب احترام القانون، متسائلا ان لم يكن هناك تسرّع في سن هذا الاجراء بالنظر لانعكاسه على مصانع التركيب الموجودة واضطرارها للتوقف علاوة على وجود بعض أصحابها في السجن، بسبب ملفات فساد تضخيم فواتير وتحويل العملة الصعبة الى الخارج. بعد ان أشار الى ان الأمر لا يتعلق بتأييد أو رفض إقامة صناعة ميكانيكية وأن الحل في نظر الخبير ان يتم اعتماد صناعة ميكانيكية منسجمة وواقعية ترتكز على معيار المردودية، من خلال التنافسية.
أشار الى ما قامت به مجموعة رونو في المغرب بإنتاج أكثر من 375000 سيارة على مستوى مصنعي طنجة والدار البيضاء ومنها جزء كبير موجه للتصدير لتغطية ميزان العملة الصعبة.
من هذا سجل ان بعض المسؤولين الجزائريين يتجاهلون العولمة الموجودة أمامنا بانعكاساتها السياسية والاقتصادية، ويريدون اعادة انتاج نمط السياسة التصنيعية لفترة السبعينات التي تقود الى التبعية والاستدانة، مبرزا ان محرك التنمية يكمن في البحث والتنمية وأن الرأسمال المالي ما هو سوى وسيلة وانه بدون حوكمة مركزيا ومحليا مع ادماج اقتصاد المعرفة لن يكون لا سياسة اقتصادية مستقبلا في هذا القرن 21 في عالم مضطرب وسريع التوترات.
لذلك برأيه فإن السبيل الآمن للجزائر ان تستثمر سياسيا في مؤسسات ديمقراطية، وإقتصاديا في قطاعات تملك فيها أفضلية تنافسية مثل الفلاحة والسياحة حيث تعتبر «مناجم» كبيرة للثروة، الى جانب التكنولوجيات الجديدة في فروع الصناعة التي تحتاج الى اعادة هيكلة عميقة.
كما ينبغي الأخذ في الاعتبار ان الاقتصاد الجزائري لا يزال يرتكز على ايرادات النفط التي تحدّد القدرة الشرائية للمواطن، أمام عودة التضخم وتأثيره السلبي عليها.

اقتراحات تحتاج لخيارات دقيقة

وضمن قراءته لسوق تركيب السيارات يرصد مبتول جملة اقتراحات حصرها في 10 محاور تشمل القدرة الشرائية، خطر نفاد احتياطي العملة الصعبة الى جانب تضخيم الفواتير غير المتحكم فيها، مدى قدرة المتعامل المحلي على التصدير لتغطية الجزء المتعلق بالعملة الصعبة، سقف المردودية والكلفة، المناولة، المنافسة الدولية والتحولات التكنولوجية، الاستثمار للسوق المحلية أو الخارجية، التحكم في العلوم واتقانها، صنف السيارات التي تشتغل بالبنزين أو الديزل أو الغاز والعلاقة مع الدعم وأخيرا، كيف الدخول الى أسواق خارجية.
كل هذا يثير نقاشا واسعا يشمل كافة جوانب تركيب وصناعة السيارات بأبعادها الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية آخذا في الحسبان الأمن المالي للبلاد، ومن ثمة ادراج هذا الملف ضمن اطار سياسة صناعية اقتصادية علمية شاملة، بحيث يتم قطع الطريق أمام مغامرين لا يهمهم سوى الربح دون مراعاة المصلحة الاقتصادية، وفقا لرؤية عالمية ترصد الأسواق والتطورات التكنولوجية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024