أحمد مشراوي في حوار لـ«الشعب»:

نظرة استشرافية وإرساء صناعـــة طاقويــــة في صلب التحديات

حاورته: فضيلة بودريش

 تجديد الاحتياطي الطاقوي بطيء ويسير بوتيرة 30 بالمائة

رصد أحمد مشراوي في بداية حديثه اهم التحديات الطاقوية التي تواجه رئيس الجمهورية الجديد، قبل أن يقيم قطاع الطاقة، حيث وقف بعد ذلك على حصيلة ما تحقق في سوق النفط الداخلية والخارجية، وتأثيرات «أوبك+» على منحى الأسعار، وسلط الضوء على قانون المحروقات لعام 2019، الذي ينتظر منه الكثير على صعيد جذب وتعزيز الشراكة والاستثمارات الأجنبية.
«الشعب»: ماهي التحديات الطاقوية التي يواجهها رئيس الجمهورية الجديد؟
 أحمد مشراوي خبير طاقوي: يتمثل التحدي الأول في الاستمرار في تمويل السوق الداخلية بالطاقة من دون انقطاع، والتحدي الثاني يتمثل في ضرورة ترسيخ قناعة أنه لا يمكن أن يبق قطاع الطاقة وحده يوفر العملة الصعبة، وأن الظرف الراهن يتطلب نظرة استشرافية دقيقة ومستعجلة، لأنه لم تعد المهمة اليوم تقتصر على الانتاج والبيع، بل حان الوقت لإرساء صناعة طاقوية، أي صناعة تحويلية للطاقة والنفط، وتشجيع انتاج التجهيزات الخاصة في هذا القطاع الاستراتيجي، بما فيها التجهيزات الموجهة للطاقة المتجدّدة، وإدراج مختلف القطاعات الأخرى لتساهم في تنمية الاقتصاد وجلب العملة الصعبة، أي فرض توجه قوي لتنويع الاقتصاد. بالإضافة إلى تحسين جاذبية مناخ الأعمال واستئصال البيروقراطية وتبني الشفافية كخيار جوهري.

تخوف من تراجع الإنتاج

- كيف تقيّمون الاستهلاك الطاقوي في السوق الداخلية؟
 إن الطاقة عنصر حيوي في حياة الإنسان، بل توجد في صلب حياة الإنسان، وفي غيابها تختفي الحياة لأنه يستحيل إقامة التنمية في ظل عدم وفرة الطاقة، وبالتالي يختفي النقل ولا يمكن تلبية الطلب على الخدمات الصحية، بسبب ذلك جميع البلدان تمنح أهمية كبيرة للعنصر الطاقوي، وتبذل جهودا لتأمين الطاقة، والجزائر بدورها لا تختلف عن سائر الدول، لديها إستراتجيتها الخاصة لتوفير الطاقة اليوم وغدا وبعد غد، أي على المدى القصير والمتوسط والطويل، ولا يخفى أن الجزائر حرصت في قلب إستراتجيتها على منح الأولوية في تموين المواطن الجزائري بالطاقة منذ عقد الستينيات، حيث يمثل الربط بالكهرباء نسبة 99 بالمائة، ويعد ذلك رقما قياسيا في إفريقيا، وجميع المواطنين سواسية ولديهم الحق في الاستفادة من الكهرباء والغاز، لكن في الفترة الممتدة ما بين 1980 و2015، فإن عدد السكان قد تضاعف، وحجم الطلب على الطاقة في السوق الداخلية بدوره تضاعف من 0.7 طن معادل للبترول في 1980إلى نحو 1.40 طن معادل للبترون في سنة 2015، ويدرج ذلك ضمن تحسين رفاهية المستهلك، لكن تسعيرة الطاقة كانت منخفضة، وهذا ما شجع التبذير، لذا اليوم في الإستراتجية الجديدة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار إجراءات تحد من هذا التبذير العشوائي في الاستهلاك، من خلال إعادة النظر في الدعم وتوجيهه لمستحقيه، ومن ثم العودة إلى الأسعار الحقيقية بهدف وضع حدّ للهدر الذي تتعرض له الطاقة، أي من الضروري التوصل إلى حلول تسمح بتوفير الطاقة للمستهلك من جهة ومن جهة أخرى توقف تبذير هذا المنتوج الحيوي. ولا يقتصر التبذير على الطرق المباشرة لأنه نجد في السوق تجهيزات كهربائية وكهرومنزلية تستهلك طاقة مضاعفة.
وبالموازاة مع ذلك، نجد أن القوانين السارية بما فيها قانون المحروقات تمنح الأولوية للسوق الوطنية وتعنى بالمواطن، والتصدير مبني على قاعدة تحقيق الاكتفاء الوطني والكميات المتبقية توجه للتصدير نحو الأسواق الخارجية، لكن إلى غاية اليوم تمكن قطاع الطاقة من توفير حصة كبيرة نحو التصدير، لكن مستقبلا التخوف قائم والمؤشرات واضحة في تراجع الإمكانيات الانتاجية للطاقة في ظل المنحى التصاعدي للاستهلاك، رغم أن الطلب الداخلي مضمون اليوم وغدا، لكن سجل خلال السنوات الأخيرة قيام سونطراك باستيراد بعض المواد البترولية مثل «غازوال».

- ماهي الحلول الناجعة برأيك لتصحيح الخلل وتجاوز الصعوبات والسير بشكل صحيح لتحقيق الأمن الطاقوي؟
 من التوصيات التي أقترح، أذكر تحسيس المواطن بكلفة إنتاج الطاقة الباهظة، علما أن غلاف مالي كبير لا يقل عن 12 مليار دولار يوجه لدعم استهلاك الطاقة محليا، ويعد رقما ضخما، ويحتاج الدعم إلى إعادة النظر حتى يستفيد منه من يستحقه. وبالنسبة لمسألة التأمين الطاقوي يعد شقا لديه خصوصية، خاصة أن 99 بالمائة من الطاقة التي نستهلكها ونصدرها نجد أن مصدرها الطاقة الأحفورية غير متجدّدة، والحل المعلن حاليا السير نحو اللجوء إلى استغلال جميع أنواع الطاقة، بما فيها الطاقة الشمسية ومختلف الطاقات المتجدّدة، ولا يخفى أن إنتاج الطاقة المتجدّدة، يحتاج إلى تكلفة وتجنيد للموارد المالية. إذا إن الجزائر اليوم أمام فرصة للحصول على مصدر طاقوي بديل ومتكامل مع الطاقات الأحفورية أو الطاقة التقليدية، وبهدف تحقيق التكامل من الضروري إرساء سياسة من المهم أن ترتكز على الطاقات المتوفرة، ومن ثم تسير في طريق موحدة لتحقيق التكامل المنشود، في وقت الجزائر في حاجة إلى تجديد الاحتياطي النفطي كون الطاقات الأحفورية غير متجدّدة.

الطاقة المتجدّدة تساهم بنسبة  2٪ فقط


- هل هناك برامج واعدة تهدف إلى تجديد الطاقة الأحفورية المستخرجة من باطن الأرض؟
 توجد برامج ضخمة للتنقيب، لكن للأسف تجديد الاحتياطي الطاقوي يسير بوتيرة 30 بالمائة كل سنة، أي نستهلك 100بالمائة ونجدّد الاحتياطي بحوالي 30 بالمائة، لكن في الواقع الاتجاه الاستراتيجي للطاقة مبني على قاعدة التكامل بين مصادر الطاقة، وقانون المحروقات مبني على جلب الاستثمار أي تجديد الاحتياطي الوطني الذي لن يتجسد سوى بالاستثمار، وخلال السنوات الأخيرة تولت سونطراك مهمة تجديد الاحتياطي، وعملية الاستثمار في هذا المجال يتطلب إمكانيات كبيرة ويتطلب الأمر كذلك وضع إستراتجية قوية، من أجل البحث عن مدد للاحتياطي الذي ينخفض بفعل الاستهلاك الكبير، أي بعد استهلاكنا لما لا يقل عن 60 بالمائة من الاحتياطي النفطي الوطني، علما أن الاحتياط يعد الأساس الجوهري الذي يحتاج كثيرا إلى الطاقات المتجددة، التي ستسمح بتقليص استهلاك الطاقة التقليدية، لكن للأسف الطاقة المتجددة وغير تقليدية، تشارك في تلبية الطلب الوطنية بنسبة لا تتجاوز 2 بالمائة.

- على ذكرك للطاقات المتجددة.. هل يمكن تسليط الضوء على ما تمّ إنجازه في البرنامج الوطني المسطّر إلى غاية اليوم؟
 تم إنجاز 400 ميغاواط، علما أن الهيكل القاعدي لإنتاج الطاقة يناهز حوالي 21 ألف ميغاواط، أي ما تعلق بإنتاج الطاقة من الغاز، علما أن الهدف المسطر منذ عام 2011 أن حصة الطاقات المتجدّدة في إنتاج الكهرباء تصل إلى 27 بالمائة في عام 2030، ويبدو أننا مازلنا على بعد مسافة كبيرة من تحقيق هذا الهدف، خاصة بعد استغراق 60 بالمائة من التوقيت المبرمج، أي البداية سنة 2011، ونحن مع نهاية 2019، ولم يتبق من الزمن سوى 11عاما، والاستثمار يتطلب موارد مالية ضخمة. بالمناسبة أقترح الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة بإمكانيات أقل كلفة، من خلال إقحام المواطن في هذا التحدي، حيث تتجه الدولة للمواطن من خلال تشجيعه على الاستثمار في الطاقة الشمسية لتلبية احتياجاته، وهذا من شأنه أن يقلص من فاتورة الكهرباء العادية، ومن جهة أخرى يخفض من استهلاك الغاز لإنتاج الكهرباء، وطبعا المجال مفتوح حتى تستثمر الدولة وسونطراك وسونلغاز في الطاقة الشمسية، وبالتالي المشاركة بطريقة مباشرة في الصناعة الطاقوية، في وقت جميع مصادر الطاقة اليوم في تحسن كبير بفضل التطور التكنولوجي، وهذا يتطلب إنتاج التكنولوجيا وصناعة التجهيزات التكنولوجية الضرورية لإنتاج الطاقة، والجدير بالإشارة أن إنتاج الطاقة سواء تعلق الأمر بالغاز أو البترول، كان في منحى تصاعدي إلى غاية 2005، وبعد هذه السنة سجل التراجع، فمثلا خلال العام الماضي فقدنا 10 بالمائة من الانتاج.

حفر 100 بئر استكشافية

- كيف تقيّمون أداء مجمع سونطراك في عام 2019؟
 حافظت سونطراك خلال السنة الجارية التي توشك على نهايتها على نفس المستوى في عدد الآبار المكتشفة، علما أنها وصلت إلى حفر 100بئر استكشافية، وهذا رقم قياسي بالنسبة للجزائر منذ عام 2013، غير أنها لم تتحصل في نفس الوقت على استكشافات كبيرة. وفيما يتعلق بمدى تطور شراكتها مع الشركاء الأجانب، يمكن القول أن شراكاتها بدأت بقوة بفضل قانون المحروقات لعام 1986، بعد أن سمح هذا القانون للجزائر بإبرام عدة عقود، وأفضى إلى نتائج إيجابية، حيث نصف إنتاج البترول الخام أسفر عن بناء مشاريع شراكة بين سونطراك وشركات أجنبية، لذا تبقى الشراكة مستقبلا جد ضرورية بل حتمية لتطوير الإنتاج والاستكشاف، وعلى خلفية أن الاستثمار في الاستكشاف يحمل مخاطرة، ولكن القانون الجزائري يترك المستثمر الأجنبي يتحمل تكاليف الاستكشاف، سواء تعلق بقانون 2005 المعدل في عام 2013 أو في القانون الجديد لعام 2019، والقانونين منحا لسونطراك إذا رغبت في المخاطرة فرصة أخذ نسبة 51 بالمائة من الاستكشاف مع الشريك الاجنبي و20 بالمائة إضافية إذا رغبت في ذلك. يذكر أن سونطراك سنويا تستثمر ما قيمته 10 ملايير دولار، وبالنسبة للعقود، فإنها وقعت على ملحقات بعض العقود المبرمة خلال السنوات القليلة الماضية خلال 2019.

-  من أبرز ما تحقّق في قطاع الطاقة تعديل قانون المحروقات، ماهي المزايا والإضافات التي ينتظر أن يكرسها؟
 دون شكّ جلب الشراكة وتعزيز سقف الاستثمار، علما أن قانون 2005 جعل سونطراك شركة اقتصادية هدفها تمويل السوق الوطنية بالطاقة وتصدير ما يمكن تصديره، لكن منذ الاستقلال المكامن ملك للمجموعة الوطنية، وليس ملكا لسونطراك أي الملكية تعود للدولة الجزائرية، وسونطراك أداة إقتصادية لديها تراخيص وعقود تسمح لها باستخراج الطاقة من بترول وغاز، وبالمقابل تسدد سونطراك الجباية البترولية.
 
الأسعار بين 60 و65 دولار/ برميل في 2020


- لم تستقر أسعار النفط في 2019، وشهدت تذبذبا واضحا ما هي قراءتكم لمنحى الأسعار؟
 ترتبط أسعار النفط بالعرض والطلب، فعندما يزداد العرض تنهار الأسعار والعكس لما يتقلص العرض تنتعش، ويمكن الوقوف على حرب للأسعار سجلتها السوق منذ عام 2014، والتي أثرت كثيرا على البلدان المنتجة، من بينها الجزائر التي خسرت حوالي النصف من مداخيلها المالية بالعملة الصعبة، وهذه الحرب حركتها الزيوت الصخرية الأمريكية بفعل السياسة التي انتهجتها هذه الدولة، علما أن ملكية المكامن في أمريكا ترجع للأشخاص وليس للدولة، أي الإنتاج الأمريكي يتحكم فيه الخواص، وبخصوص معدل الأسعار كان بمستوى 60 دولارا للبرميل.

- كيف جاء تأثير منظمة أوبك في تصحيح مسار الأسعار وإعادة الاستقرار للعرض والطلب؟
 في عام 2014، قررت أوبك في إستراتجيتها الدفاع عن حصتها في السوق وليس الأسعار، وهذا ما نتج عنه انهيار كبير في الأسعار، لكن بعد 3 سنوات غيرت أوبك من سياستها وتحالفت مع المنتجين الكبار مثل روسيا، لتدافع عن الأسعار العادلة، علما أن الأسعار يتحكم فيها حجم الطلب، والدفاع بات يكمن في تقليص حجم العرض لامتصاص التخمة، وفي كل مرة «أوبك+» تواصل في تبني خيار خفض الإنتاج، وهذا ما أسفر عنه اجتماعها الأخير المنعقد خلال شهر ديسمبر الجاري، بعد أن قررت تعميق التخفيض من خلال خفض 500 ألف برميل نفط يوميا.

- ماذا تتوقّعون بخصوص مستقبل تطورات السوق النفطية؟
 لا يخفى أن إمكانيات الإنتاج الأمريكي وصلت إلى سقف معتبر، حيث صارت تنتج نحو 11 مليون برميل يوميا، وعندما يبلغ الإنتاج الأمريكي ذروته، بإمكان أوبك وشركائها استعادة دورها في تنظيم السوق في ظلّ الإمكانيات الأمريكية الرهيبة في الإنتاج. وأتوقع أن تتراوح أسعار النفط في عام 2020 مابين 60 و65 دولارا للبرميل، والانتعاش متوقف على سقف الإنتاج والموقف الأمريكي من السوق، وكذا نمو الاقتصاد العالمي الذي من شأنه أن يشجع الطلب على الطاقة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024