لا يخلو العمل السياسي والنشاط الإقتصادي في الجزائر من الدعوة إلى الحوار بين كل الفاعلين لترقية عالم الشغل والتكفل بانشغالات العمال المهنية خاصة، انطلاقا من القناعة العميقة بأنه سلوك حضاري لا مفر منه. ولا بديل عنه لحل المشاكل القائمة وتسوية الملفات العالقة.
وحرصت السلطات العمومية على تأطير هذا الجانب وإدراجه ضمن رؤية استراتيجية بعديدة المدى قادرة على الإتيان بالإضافة المرجوة في كل ما يتعلق بالمسائل ذات الطابع الإجتماعي تليها مباشرة التحديات التنموية التي يحمّل فيها كل الشركاء مسؤولية المساهمة في إثراء المسار الإقتصادي للجزائر سواء في القطاعين العمومي والخاص.
ويعود تاريخ انعقاد أول ثلاثية إلى ١٨ ، ١٩ ، ٢٢ نوفمبر ١٩٩١وفي حين كانت هناك جولة من المفاوضات الثنائية من ٢٣ إلى ٢٥ أكتوبر ١٩٩٠، ومنذ تلك الفترة هناك ١٦ لقاء للثلاثية و١٤ اجتماعا للثنائية، وبالتوازي مع ذلك ولدعم التوجه انعقدت قمة اقتصادية في ٢٨ ماي ٢٠١١، وأخرى في ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢، وطيلة هذا الشوط المقدر بـحوالي ٢٤ سنة، ترسخت تقاليد هذا التشاور في طرح كل القضايا الشائكة ضمن خيار نظامي بعيدا عن كل التشنجات التي كنا نقف عندها خلال تطبيق برنامج التصحيح الهيكلي، وما انعكس ذلك من تداعيات مباشرة على المؤسسة الجزائرية.
جاءت الثلاثية المتكونة من الحكومة، الإتحاد العام وأرباب العمل من أجل التحكم الجيد في حركية الشؤون المهنية والإجتماعية في الجزائر إنطلاقا من المخلفات القاسية لصندوق النقد الدولي آنذاك، بالرغم من هذا المحيط الصعب، فإن الأطراف المشاركة تناولت مواضيع جديرة بالتذكير منها خاصة تثمين الأجور والقدرة الشرائية، الضمان الإجتماعي، المعاشات، الإنتاج الوطني، والعقد الإقتصادي والإجتماعي، ونقاط أخرى تتعلق بالتعاضديات والإتفاقيات الجماعية.. ولا بد من التأكيد هنا، بأنه كانت إجراءات فورية اتخذت من أجل تطبيق كل ما تم التوقيع عليه بين هذه الأطراف .. وهي تدابير سارية المفعول اليوم في عالم الشغل وما تزال في طور التجسيد منها تنصيب لجنة متابعة وتطبيق العقد الإقتصادي والإجتماعي للنمو.
والتفكير جديا في إلغاء المادة ٨٧ مكرر، وهذا من خلال قراءة جديدة لمفهوم الأجر الوطني القاعدي المضمون الذي هو الآن في سقف ١٨ ألف دينار.
هذا ما يؤكد على مبدأ التواصل في الحوار المتبوع بقرارات ملموسة وفي هذا السياق وإمتدادا لهذه القناعات كانت الحكومة قد أصدرت تعليمة صارمة في هذا الشأن تدعو إلى تحسين وضعية أو حالة العلاقات الإجتماعية، المهنية، وهذا بتسوية الأجور المتأخرة وكذلك إضفاء طابع الحيوية على الحوار بداخل المؤسسة، وفتح المجال للمفاوضات بالصيغ القانونية المتعارف عليها، (التصالح، الوساطة، التحكيم)..
مباشرة بعد هذه الإرسالية المؤرخة في ٢٩ أفريل ٢٠١٣، كانت هناك دعوة أخرى في ١٨ جوان ٢٠١٣، والتي تتحدث عن ترقية الحوار الإجتماعي، وهذا بتعزيز التشاور داخل المؤسسة يكون بصفة دائمة وبناءة، والأكثر من هذا عقد اجتماعات دورية لدراسة كل ما يترتب عن التمسك بهذا الخيار وكذلك تقريب وجهات النظر.
بالإضافة إلى ذلك فإن التعليمة السالفة الذكر، تشدد على دعم الحوار الإجتماعي من خلال تثمين روابط الثقة بين الشركاء، والإطلاع على المعطيات وإقامة إستراتيجية للتنسيق فيما يخص النشاطات لحماية المؤسسة.
والتعليمتان السالفتان موجهتان إلى الأطراف التي تشرف على القطاعات الإقتصادية والإجتماعية كأعضاء الحكومة، والولاة، ورؤساء الهيئات المديرة لشركة تسيير مساهامات الدولة، واضحتان كل الوضوح في مضمونهما الثري الذي يحدد بدقة كاملة وبمنهجية ثاقبة الكيفية التي يتم بها بلوغ الأهداف المنشودة عبر آلية فعالة ألا وهي الحوار في إشتراك كل طرف في الحفاظ على استقرار المؤسسة الإقتصادية الجزائرية حتى يسمح لها بأن تدخل فضاء المنافسة ومجال التصدير الخارجي باقتحام الأسواق العالمية.
ولابد من التأكيد هنا، بأن مرافقة السلطات العمومية، للمركزية النقابية من أجل ترسيخ ثقافية الحوار في المؤسسة الجزائرية إنما هو انشغال دائم في الحفاظ على مناصب الشغل، وحماية القدرة الشرائية للعامل وتوضيح الرؤية للجميع بخصوص الضمانات المتوفرة في المؤسسة في جميع الجوانب الخاصة بالعامل وهذا الإلتزام يزداد تجذرا مع التفاهم الحاصل بين كل الشركاء.
ولم تعد اجتماعات الثلاثية ذات طابع مطلبي فقط أي الزيادة في سقف الأجور والقروض البنكية، وإنما تغيرت النظرة باتجاه إمتحان قدرة الشركاء في تجسيد عقد النمو، الذي يطلب من الجميع التفكير في كيفية رفع تحدي المؤشرات كالنمو وتقليص نسبة التضخم، والبطالة، وهذا التوجه ي؛/عد منعطفا حاسما بالنسبة لهؤلاء الشركاء.
التحليل الاسبوعي
الحوار الإجتماعي نظرة بعيدة المدى
جمال أوكيلي
شوهد:1063 مرة