تتطلع المشاريع الاستثمارية عن مصادر تمويلية لتجسيد العديد من المؤسسات على ارض الواقع وفي ظل شح التمويل بسبب الظرف الاقتصادي الراهن الصعب، والأزمة التي بدأت بوادرها تلوح في الأفق بفعل استمرار تذبذب أسعار النفط، وتراجع احتياطي الصرف، مازال المتعاملون الاقتصاديون يعترفون بأن البنوك وحدها، لا يمكن أن تمول الاقتصاد الوطني خاصة المشاريع الحيوية الواعدة، وجاءت الدعوة واضحة للبحث عن مصادر تمويلية متنوعة، من بينها البورصة وإيجاد شركاء أجانب يجلبون الأموال والتكنولوجيا والنظرة الصحيحة، التي يتقاسم فيها الشركاء ورقة رابح- رابح وإزالة البيروقراطية وتوخي الشفافية في الأداء والتعامل.
في ظل زخم فرص الاستثمار المتاحة أمام المستثمرين الجزائريين والأجانب، يفترض وجود إرادة لدى المهتمين من المستثمرين، ووفرة التمويل المالي لتجسيد الأفكار الجدية التي تحمل بين طياتها مشاريع واعدة، وإن كانت أموال ضخمة ما زالت تحت قبضة السوق الموازية، لم يتم استقطابها بإجراءات كانت قد أطلقت خلال السنوات الأخيرة، لكنها لم تجذب سوى القليل من هذه الأموال نحوالبنوك، وهذا ما يستدعي تعزيز الثقة أكثر فأكثر، وإن كانت الحلول التي يقترحها بعض الخبراء ممكنة التجسيد والمتمثلة في التعامل بالصك لمبلغ يناهز 50 ألف دينار، وكل من يخالف ذلك، تفرض عليه عقوبة تسديد غرامة مالية، لأن عملية تعميم التعامل بالصك، لا يمكن تجسيدها في ظرف زمني قصير بل أنها تحتاج إلى سنوات حتى يتم ترسيخها بشكل عميق.
نعم إن الحديث في الوقت الحالي عن نظام بنكي عصري متين مزود بميكانزمات شجاعة ونظام مركزية المخاطر يتسم بالمتانة، يتطلب فتح المجال أمام الكفاءات لان الوظيفة البنكية تعد اقتصادية أكثر منها إدارية، علما أن تقديرات الخبراء ذهبت إلى التأكيد أن توظيف الكفاءات في مجال الإعلام الآلي يجعلنا نتطور بأزيد من 11٪ وبالتالي تحديد الرؤية الصائبة على ضوء تحليل صحيح للمؤشرات المستقبلية.
إن كان الاستغلال الأمثل للمنظومة المالية يقابله وتيرة نمو عالية وقيمة مضافة للاقتصاد، وتوسع رقعة تدفق الأموال والقفز نحو تنافسية أكبر في الأسواق المالية والاقتصادية، ومواكبة التحول التكنولوجي العالمي فمن بيده الأموال يمتلك زمام التكنولوجيا، ويمكنه جذب الكفاءات واستقطاب الابتكارات وتجسيدها في مخابره وطرحه عبر شركاته في الأسواق العالمية. تجاوز التسيير التقليدي للبنوك.
لكن الإشكالية الجوهرية تتمثل في كيفية التوجه نحو الأسواق لجلب الأموال الكافية، لبناء استثمارات ناجعة ذات جدوى، علما أن أي مؤسسة تقرر أن تتوجه نحوالسوق المالي، يتطلب ذلك منها التحلي بالشفافية والتميز بالحوكمة في تسييرها، مع حيازتها الضمانات الكافية، أي تكون لديها القدرة على تسديد ديونها على الأقل على المديين القصير والمتوسط. وبالنسبة للجزائر فإن الأرقام تشير إلى أن منظومة البنوك وحدها تمول بصورة كبيرة لا تقل عن 90 ٪ الاقتصاد الوطني، لذا هناك من المهنيين والخبراء باتوا يعتقدون أن البنوك تعرف خطر نقص السيولة، إذا تواصل كل العبء التمويلي على عاتق البنوك، وفي ظل وجود بورصة الجزائر، إلا أن مختلف المؤسسات والمستثمرين يفضلون طريق البنوك، ويتجنبون خوض مسار البورصة المفتوح أمامهم، كونها تلزمهم التحلي بالشفافية، والكشف عن كل معلومات الشركة بدقة ووضوح، انطلاقا من رقم أعمالها إلى أرباحها، وتصريحها لدى الضمان الاجتماعي والتزامها بمعايير الجودة وما إلى غير ذلك. لكن السؤال الجوهري يكمن في الطريقة المثلى القادرة على جلب المستثمرين الأجانب إلى بورصة الجزائر.
خلاصة القول أن المنظومة المالية تحتاج بشكل عاجل إلى إصلاحات فورية، خاصة أن قانون المالية لعام 2020، نص على ضرورة مواصلة مرافقة وتشجيع مشاريع الشباب سواء تعلق بـ «ستارتاب» أوالمشاريع الفلاحية التي توجد بها أرضية خصبة.