ضرورة إرساء استراتيجية تنموية واضحة والحوكمة مفتاح التّطوّر
عكف الهاشمي صياغ، الخبير الاقتصادي بنظرته الدقيقة على تشريح الراهن الاقتصادي، مقترحا حلولا واقعية لتجاوز الظرف الصعب، وبالتالي تجنب أي حالة انسداد، ويعتقد أن مكافحة الفساد تتطلب صرامة في تطبيق الترسانة التشريعية، قائلا إن عملية استرجاع الأموال المنهوبة والمحولة إلى بنوك أجنبية، ليست سهلة وتتطلّب جهدا ووقتا وتكلفة مالية. وراهن صياغ، على المقدرات الهامة في قطاع السياحة والزراعة والخدمات للنهوض بالتنمية، ولم يغفل في حديثه أهمية تطوير الصناعة البديلة للحد من فاتورة الاستيراد. التفاصيل في هذا الحوار الذي أجرته معه «الشعب».
- الشعب: ما هي السّبل الفعّالة من أجل مكافحة الفساد والتّخفيف من آثاره على مسار التّنمية الاقتصادية؟
الخبير الهاشمي صياغ: إنّ فعالية مكافحة لن تتجسّد من دون تطبيق القوانين بطريقة صارمة، لأنّه في هذه الحالة فقط يمكن القول أنّ شأفة الفساد سوف تختفي، علما أن جميع المتعاملين والفاعلين في المشهد الاقتصادي، يمكنهم المساهمة في عملية مكافحة الفساد نذكر من بينهم، المنظومة البنكية إلى جانب قطاعي الجمارك والضرائب، لأنه كل جهة لديها دور ينبغي أن تلعبه، حتى نتفادى أن يكون تهريب للعملة الصعبة أو تضخيم للفواتير، وكذا الزيادة في حجمها وما أشبه بذلك، ومن الضروري فرض الكثير من الصرامة من طرف الجهات الرقابية التي تراقب النشاط الاقتصادي، أي عندما يتم تسجيل أي تحويل للعملة الصعبة، يتم الإخطار بذلك وتقديم كل المعلومات، ويمكنهم المساعدة في فضح كل من يساعد على تهريب الأموال على سبيل المثال، من خلال إنشاء شركات في الخارج بالتعاون مع المستوردين في الجزائر أي شركات تابعة للمستوردين نفسهم.
- هل توجد امكانية لاسترجاع الأموال المنهوبة والمحوّلة إلى الخارج؟
بالطبع توجد امكانية لكن المسألة تتطلّب جهدا كبيرا ومختصّين في هذا المجال، لأنّ الأموال المهرّبة تمّ تهريبها باسم شركات وأسماء مستعارة، ويعلم الجميع أنّها حوّلت إلى عدة بلدان، ويمكن أن تكون قد أنفقت في شراء الذهب وعدة عقارات في عدة بلدان، لذا عملية الحصول على مختلف التفاصيل وتقصّي المعلومات، تعد عملية صعبة وحسّاسة، وبالنظر إلى تجارب سابقة، فإنّنا عندما نقف على تجارب في كل من تونس أو ليبيا، تبين أن هذه الدول لم تتمكّن من استرجاع الأموال التي هربت، بل استعادت من جزء بسيط منها، وعلى خلفية أن العمل يتطلب جهودا دبلوماسية، وبالإضافة إلى جهود مختصّين في المالية وآخرين مختصين ويملكون تجربة في إنشاء شركات في الخارج، وخلاصة القول أن استرجاع الأموال المنهوبة يتطلّب جهودا متضافرة، وفوق كل ذلك العملية تتطلّب بدورها رصد ميزانية مالية، لأنّ تقصّي الأخبار يتطلّب دون شك جهد وسفر وتحريات وتنقّل.
- ما هي القطاعات القادرة على إرساء النّمو وخلق القيمة المضافة، وبالتالي يمكن الرّهان عليها في تنويع الاقتصاد الوطني في الوقت الحالي؟
توجد قطاعات عديدة على سبيل المثال، نجد قطاع السياحة والزراعة، حيث يجب أن يولى لها اهتمام أكبر في الوقت الراهن، وبالإضافة إلى ذلك من الضروري تطوير قطاع الخدمات، وكذا القطاع التكنولوجي إلى جانب عصرنة قطاع التكوين أي تكوين المختصين في التسيير وكل ما يتعلق بالشؤون الادارية، وخلاصة القول أن كل هذه القطاعات يمكن أن تعطي دفعا تنمويا كبيرا للمنظومة الاقتصادية. لكن لا ينبغي التخلي عن إرساء المشاريع التنموية واستحداث مشاريع صناعية بديلة بهدف الحد من الاستيراد، من خلال تحقيق الاكتفاء الوطني سواء في الأغذية أو الأدوية أو الألبسة وما إلى غير ذلك.
الجزائر تفتقد إلى حوكمة اقتصادية والكفاءات الحل
- ما هي مقترحاتكم للانتقال إلى برّ الأمان والتّفرّغ لتنمية حقيقية؟
ينبغي العمل بمقاييس قاعدية، بهدف إرساء على أرض الواقع تطور اقتصادي من خلال تبني حوكمة جيدة، لأنّه ما ينقص الجزائر الحوكمة الاقتصادية، أي اتخاذ مختلف القرارات الاقتصادية بشفافية كبيرة، ومنح الكفاءات كل الفرص لتبوأ مكانتهم في التسيير والابتكار، وبمعنى المساهمة في معركة النمو الاقتصادي، و تعتبر عوامل جد مهمة، وبالإضافة إلى ضرورة وضع وتكريس على أرض الواقع إستراتجية تنموية واضحة، قبل الحديث عن تجسيد أي برنامج تنموي، مثلا نتحدث عن تطوير القطاع التكنولوجي ثم تطوير قطاع الطاقة، وبعد ذلك السياحة والزراعة أي بشكل تدريجي، ومن الضروري التعويل على الكفاءات التي تعد العنصر المهم والذي ينبغي أن يكون في الصدارة.
وبالموازاة مع ذلك يجب ترقية ودعم العملة الوطنية، حيث لا يمكن طباعة النقود من دون أن يكون ما يقابله من إنتاجية وقيمة مضافة للاقتصاد، ولأن القدرة الشرائية سوف تتضرّر وارتفاع في نسبة التضخم، أي عملية طبع النقود تتطلّب القدرة على تعويضها أو تحويل ما يقابلها إلى مشاريع المنتجة والتي من شأنها أن تستحدث الثروة وتعوض الأموال المطبوعة، وإذا كان العكس ستكون ديون تتراكم على عاتق الدولة. والجدير بالإشارة أن ترقية العملة واستحداث الثروة عاملان جوهريان لتجاوز الظرف الاقتصادي الصعب. وأرجع الوضعية الاقتصادية الصعبة في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، إلى كون الجزائر تعتمد على الصادرات الطاقوية، وهناك منافسة شرسة من طرف دول أخرى منتجة للبترول.