رغم ارتفاع كلفة النقل توقع قدوم مكثف لأفراد الجالية الجزائرية
المتعامل في السياحة، إبراهيم جلواج «مدير وكالة ميد للأسفار» ، يرصد في هذا الحوار مختلف مؤشرات المشهد الراهن، داعيا إلى إدماج المؤشرات الايجابية التي أظهرها «الحراك»، خاصة السلمية في التعبير والانفتاح على الآخر والحرص على حماية البيئة، كما يبرز دور المتعامل في تحسين وتيرة النشاطات السياحية، والاستثمار في وجهات ذات نوعية مثل الصحراء والواحات مع إطلاق جسور تبادل على مستوى البحر الأبيض المتوسط.
«الشعب»: عشية موسم الاصطياف كيف يبدو لك المشهد السياحي حاليا؟.
إبراهيم جلواجي: بداية أملي كمتعامل في السياحة أن يكون الموسم القادم ايجابيا من الجانب الاقتصادي، لتستعيد وجهة الجزائر مكانتها في السوق العالمي للسياحة ولو بالتدريج، بحيث تستقطب الطلب المعبر عنه من الجزائريين بالدرجة الأولى وبالأخص الجالية المقيمة بالخارج، خاصة وأن الحظيرة الوطنية للفنادق تسجّل تقدّما بفضل انجاز منشآت جديدة.
الملاحظ منذ سنتين أن بعض المتعاملين في الفندقة بدأوا يواكبون الطلب من كافة جوانبه وبالتالي يحاولون تحسين الأداء مقارنة بما هو موجود على الصعيد العالمي وهي مؤشر لبادرة خير يشير إلى انتهاج مسار الاحترافية وفقا للمعايير الدولية.
المبادرة الثانية تسجّل على مستوى الحجوزات بشركات النقل المختلفة الجوية والبحرية، فالمعطيات لدينا تفيد أن وسائل النقل عبر وكالاتها في مختلف المدن الأوروبية تحقّق نسبة إقبال مرتفعة، مما يؤكد أن القدوم إلى الجزائر سوف يشهد ارتفاعا معتبرا، رغم كلفة النقل المرتفعة، بحيث تقدّر تذكرة الطائرة بين 400 إلى 500 أورو ذهابا وإيابا. فبالرغم من غلاء ثمن النقل هناك طلب موجود وهو بحد ذاته مؤشر لعودة مكثفة للجالية الجزائرية إلى الوطن الأم في الصيف.
في نفس الإطار أي انفتاح المجال أمام السياحة يلاحظ أن «الحراك» الشعبي الذي يميّز المشهد الجزائري منذ أكثر من ثلاثة أشهر، أعطى نفسا جديدا لسوق السياحة، من خلال إعطاء وتسويق صورة لمجتمع متمدن ومسالم، عبر مسار للتغيير يتكرّس بالتدريج، واتجاه البلاد إلى انفتاح، بينما يبرز المجتمع المدني في الميدان يمكنه أن يساهم في تنشيط الفعل السياحي. هذا التطور، ينبغي أن يتمّ استثماره لما يحمله من حيوية للمجتمع المدني مما يحقّق مكاسب في تطوير السياحة مثل باقي القطاعات الأخرى أيضا.
في هذا المجال، فإن اتساع مجال الحرية وترسيخ الديمقراطية والطابع السليم الذي يحفزّ حركة التنقل ترمز لعنوان كبير يعبر عن صورة جميلة ترسم المعامل الجدية للمجتمع الجزائري والجزائر.
كل هذا التطور الذي يسجل في الساحة يمنح نقاطا إضافية لمكانة الجزائر في تصنيف البلدان المطلوبة للسياحة على مستوى البحر الأبيض المتوسط. ويكفي أن نعرف كيف نوظّفها في الاتجاه الايجابي وفقا لرؤية واضحة المعالم، علما أن أسواقا سياحية مجاورة بدأت تستعيد رواجها من خلال ارتفاع في الأسعار، مما يؤكد وجود طلب دولي بمعدل يتوقع أن يرتفع بين 4 إلى 6 بالمائة في هذه السنة. لذلك يبقى الاستثمار في السياحة خيارا اقتصاديا مربحا ويتطلّب فقط الجدية والتعامل الناجع مع الطلب.
في هذا الظرف الراهن، كيف يمكن إدراج «الحراك» خاصة مميزاته السلمية والحريات، ضمن الديناميكية الاقتصادية لتعزيز النمو؟.
إن خبراء علوم التسويق يرصدون ميزانيات ضخمة لترويج وتغيير صورة البلد (الوجهة السياحية)، وهناك دول لها إمكانيات علمية وتقدم استراتيجي لكنها لا تملك صورة جيدة، بحيث لا تستطيع استقطاب السياح.
بالنسبة لنا كنا بعيدين عن سوق السياحة لسنوات لغياب الاهتمام لاعتبارات مختلفة، لكن اليوم، الصورة بدأت تتغيّر نحو الأحسن، لترسم معالم جديدة للمجتمع الجزائري، من خلال الديناميكية الشعبية التي تجري في الشارع، خاصة وأن الدولة تسيّر الأزمة بعقلانية، كما أن مؤسسة الجيش الوطني الشعبي حامي الوطن يتصرّف بمسؤولية في مرافقته لمسار «الحراك».
في هذه اللحظة المفصلية، وحتى تتحقّق مكاسب اقتصادية عبر السياحة، كنت انتظر مبادرات من الجهات التي تروّج للسياحة والثقافة حتى يتمّ استغلال الحماس الشعبي، وخاصة ما أظهره من حرص على السلم والأسلوب الراقي للمواطن في التعبير، وهي جوهر لصورة جميلة للجزائر، التي ترتكز على ماض حضاري عريق.
هناك كثير من العمليات التي يمكن إنجازها على هذه الخلفية من بينها إطلاق مسيرات وقوافل سياحية بين المدن تحمل الموروث الثقافي لتشمل كل ولايات الوطن، فقد أصبح المواطن الجزائري حقيقة محل احترام من الشعوب التي انبهرت بسلوكه الراقي. لقد زرت أحد المعارض الدولية لمهنيي السياحة في مارس الماضي، بمرسيليا، فوجدت من خلال النقاشات والتبادل حديثا ايجابيا عن الجزائر وهذا أعطاني قوة وفخرا، علما أن تلك الآراء كانت لخبراء في السياحة ويدركون التقييم.
هذا المكسب المعني ينبغي أن نعرف كيف نوظّفه ونستغله في الترويج لوجهة الجزائر السياحية، خاصة وأن لبلدنا أوراق حاسمة في كسب المنافسة، مثل الموروث الثقافي، التعبير السلمي، فلتكون بذلك الأبواب مفتوحة. وهنا أمام الجزائريين مجال واسع لإيجاد الحلول الايجابية وفقا لخيار الديمقراطية بحيث يتجسّد التغيير المنشود بما ترافقه من حركية اقتصادية مطلوبة اليوم أكثر من الماضي.
لكن كيف يمكن تجسيد هذا الطموح، وأقصد دور المتعامل في السياحة، حتى لا تضيع تلك الإرادة وتدرج في الاتجاه السليم؟
ينبغي أن يتمّ العمل على مستوى الجالية الجزائرية باعتباره خير سفير للبلد، خاصة وأنه تضم مثقفين يريدون المجيء إلى بلادهم للمساهمة في التطوير.
في هذا الإطار، بعد إنجاز علمية في فيفري الماضي باستقدام مجموعة ضيوف أجانب تضمّ مسرحيين ومثقفين لزيارة الجزائر وتنقلوا إلى مدينتي تيبازة وبوسعادة، حيث اكتشفوا عن قرب نوعية السوق السياحية وتنوعها وترحيب السكان وانفتاحهم على العالم، اقترحت على زملاء من ستة بلدان بمنطقة المتوسط تنظيم رحلة ثقافية بحرية، ووافق على المبادرة التي يرتقب أن تتجسد في أكتوبر 2020، بحيث تنطلق القافلة من مرسيليا وتشمل تونس، المغرب، اسبانيا، ايطاليا والجزائر، التي تكون بلد الشرف.
هذه القافلة تضمّ رجالا ينشطون في الفنون والثقافة والآداب إلى جانب متعاملين اقتصاديين في السياحة، تختلف عن أخرى تقليدية، فرصة جوارية لتنظيم ندوات وورشات تبادل طيلة مدة الرحلة بحضور أكبر الشركات، ونسعى لحضور 10 مؤسسات اقتصادية من كل بلد مشارك، حيث يصعد في كل محطة وخاصة بالجزائر فنانون، مسرحيون، ورؤساء مؤسسات وحرفيون في الطبخ واللّباس التقليدي لعرض مشاريع شراكة، خاصة وأن التكنولوجيات الجدية تسمح بذلك، ونسجل اليوم أول دعم من المجلس الجهوي لجنوب مرسيليا ونتطلّع لدعم من مختلف البلدان المعنية.
وفي أكتوبر القادم سوف تنظم قافلة تجوب الواحات، ويجري ضبط كل الإجراءات التنظيمية، بحيث تنطلق من واحدة توزر التونسية باتجاه الوادي ثم غرداية فتيميمون، حيث توجّه الجولة إلى الواحات بهذه المناطق، لإبراز خصوصياتها، علما أن الجزائر تتوفر على واحات رائعة يمكن إدراجها في التطوير السياحي البيئي، والهدف هو السعي إلى جمع متعاملين وخبراء والسلطات المحلية حول موضوع السياحة والتنمية المستدامة، لذلك القافلة عبارة عن جامعة متنقلة تمهد للمنتدى الدولي المسطر بالمغرب، وأحرص على أن أطلب من الوزير المساعدة لاحتضان الطبعة الموالية بالجزائر سنة 2021. للتوضيح هذا الملتقى الذي ينظم كل سنتين وبدأ بجوهانسبورغ في 2003 ترعاه اليونيسكو المنظمة الدولية للسياحة يرمي إلى حماية خصوصيات كل منطقة في مواجهة التغيرات المناخية والمخاطر المهدّدة للبيئة.
ينظم اجتماع 5+5 لضفتي غرب المتوسط بمرسيليا يومي 23 ـ 24 جوان الجاري، ما هي مساهمة المجتمع المدني في إقامة جسور للتبادل السياحي؟.
طبيعة السائح اليوم أنه لم يعد بتلك الصورة النمطية التقليدية، فالزبون الذي يزور بلدا في ظلّ انفتاح المجتمعات يريد دائما أن ينفق أمواله في مجتمع منفتح يتوفر على حدّ أدنى من الحريات والممارسة الديمقراطية، وبالتالي أصبح السياح يحجمون عن التوجّه إلى وجهات سياحية في بلدان تفتقر لهذه المعايير.
نحن في سياحة فاعلة وليست مجرد عبور سوق، بمعنى السائح الحديث يبحث عن التفاعلية من خلال الوصول إلى عمق المجتمع الذي يرغب في زيارته، ويختلف هذا عن سياحة الأعمال التي تنحصر في فنادق ومواقع اقتصادية لا توجد فيه خصوصيات الإنسان المحلي.
والحراك الجزائري يقدم اليوم صورة لمجتمع حي، مبدع وخلاق يتجسّد في سلمية فريدة تعطيه ذلك الاحترام لدى الشعوب الأخرى، وبذلك فجر طاقات لا ينبغي أن تضيع لترسم صورة جيدة عن السياحة في بلدنا، ومن ثمّة فإن مجتمعا يبقى على ذلك المستوى من التطلّعات ويدرك الرهانات الكبرى سوف يكون له موقع في سوق السياحة العالمية.