تحسبا لزيادة الطلب في شهر رمضان

هل ترفع مصالح التجارة تحدي تسقيف الأسعار؟

سعيد بن عياد

أعلنت مصالح وزارة التجارة عن التوجه لاعتماد نظام تسقيف الأسعار تحسبا لشهر رمضان الذي ترتفع فيه وتيرة النشاط التجاري خاصة بالنسبة للمواد والمنتجات واسعة الاستهلاك مثل اللحوم والخضر والفواكه.
وحتى لا يكون الإعلان مصنفا في خانة «الشعبوية» ينبغي طرح تساؤلات حول مدى امتلاك تلك المصالح للأدوات والآليات لتطبيق ورقة طريق حماية الأسواق من المضاربة وهيمنة الاحتكار، في وقت أثبتت التجربة في سنوات سابقة مدى عجزها في مواجهة قوة التجار.

تثير الأسواق الخاصة بالمنتجات الفلاحية واللّحوم انشغال عموم المستهلكين، بما فيهم أصحاب الدخل المرتفع بفعل ارتفاع نسبة التضخم في الأشهر الأخيرة، ويرتفع الضغط مع اقتراب الموعد، في ظل رصد مؤشرات في الظرف الراهن تشير إلى أن معركة الأسواق الغذائية سوف تكون ساخنة.
بالموازاة مع تنفيذ برنامج لاستيراد اللحوم الحمراء، لتأمين توازن العرض والطلب، إلى جانب تموين السوق بالمتطلبات الاستثنائية مثل الفواكه الجافة المختلفة، تبرز المنتجات الزراعية من خضر وفواكه كرقم ثابت في المعادلة وتحتاج إلى مرافقة لتكون في متناول المستهلك.
يتزامن الشهر الفضيل مع موسم زراعي وفير بالنسبة لمعظم المنتجات، فيما يراهن على غرف التبريد المنتشرة على مستوى مختلف المناطق لتموين السوق بالمنتجات الأخرى حتى يضمن توازن العرض والطلب، بينما يمكن لعقلنة الاستهلاك وترشيد النفقات أن يعزز هذا التوجه.
غير انه من الطبيعي أن يتساءل أكثر من طرف يتقدمهم المواطن عن مدى قدرة قطاع التجارة على انجاز برنامج التحكم في الأسعار، وعن طبيعة الخطة المنتهجة.
والى حين أن تتوصل تلك الجهات إلى الإحاطة بدواليب أسواق الجملة حيث يبدأ تصحيح ميزان السوق، عن طريق فرض العمل بالفوترة وإخضاع المخازن للشفافية وفقا لنظام تسيير جانب يرتبط مباشرة بقوت العائلات خاصة محدودة الدخل.
لا تزال منظومة الأسواق تقاوم كل تدابير إعادة تنظيم عملها وتأطير نشاطاتها مفضلة البقاء في حالة فوضى الأسعار وهو ما يضع العلاقة بين التاجر والمستهلك في حالة توتر، يمكن تجاوزه لو توجد ضوابط منتظمة تحقق الاستقرار بما يسمح لكل طرف من تحقيق مصلحته الموضوعية.
وتتعلق المصلحة بكلفة القفة التي يحملها المواطن في كل يوم لتوفير الغذاء لأسرته، فيما تتلخص بالنسبة للتاجر في حجم الفائدة التي يجنيها على مختلف مستويات التسويق بدءا من الجملة إلى التجزئة مرورا بالوسطاء.
حقيقة الأسعار حرة ومفتوحة للمنافسة بحكم خيار اقتصاد السوق، إلا أن ذلك لا يعني إطلاقا ترك السوق عرضة لتلاعبات يمارسها دخلاء على التجارة أصبحوا يتحكمون في دواليب الساحة الاقتصادية ومنها خاصة النشاطات التجارية.
ولا يمكن انتظار الكثير من مبادرات تنظيم أسواق جوارية عبر نقاط للبيع تكون في قريبة من المستهلكين وتطبق أسعار منخفضة نوعا ما مقارنة بتلك المتعامل بها في فضاءات تجارية تقليدية.
ويمكن بناء مقاربة من هذا القبيل، عنوانها وفرة واسعة بأسعار في المتناول، لو يتم إقامة بنية تحتية متكاملة تستوعب مسار الإنتاج سواء الفلاحي أو كل الفروع المشكلة للصناعة الغذائية والتحويلية، بحيث يتحقق الربط بين المنتج والمستهلك من خلال حلقة وسيطة واحدة وليس أكثر.
إن الخلل الذي تعاني منه المنظومة التجارية خاصة في ظروف يتغير فيه مؤشر الطلب سببه ضعف السلسلة ذاتها نتيجة انفلات السوق من مراقبة دقيقة دون المساس بحرية العمل، وتسلل دخلاء وانتفاعيون إلى ساحة يحكمها الميزان، بمعنى أن يحصل طل متدخل على حقه وفقط.
لقد أدى هذا الوضع غير الطبيعي، والذي لا يوجد حتى في بلدان ذات اقتصاد رأسمالي بمعنى الكلمة، إلى إبعاد المنتج عن معادلة الأسعار، نتيجة وقوعه لقمة سائغة في قبضة تجار جملة ومضاربين ووسطاء يسيطرون على مزارع ومراكز تبريد، أصبح من الصعب إعادتهم إلى سكة الشفافية، والالتزام بالمعايير، خاصة فيما يتعلق بنسبة الفائدة المحققة.
تسمح مقارنة بين سعر الإنتاج والتكلفة من جهة وسعر البيع لأغلب المنتجات الفلاحية ومواد اللّحوم وغيرها من المواد الغذائية المحولة بتسجيل هامش ربح واسع يجنيه التاجر على مستوى مرحلة بيع المنتوج على الأرض أو بسوق الجملة، وهذا لضعف بنية الأسواق نفسها ليس من حيث الهياكل أو المنشآت، وإنما من حيث الممارسات التجارية نفسها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024