الخبير المالي أمحمد حميدوش لـ«الشعب»:

عدم تناسق بين إستراتيجية مكافحة ظاهرة الفساد والخطط العملية

أجرى الحوار : سعيد بن عياد

يرصد الخبير في الشؤون المالية أمحمد حميدوش معالم مؤشرات الفساد ومدى الخطر الذي تحمله ممارساته على النمو الاقتصادي.
 إنه آفة أشبه بطاعون يهدّد الاقتصاد في مختلف البلدان، وخطورته تتمثل خاصة في أنه عابر الجغرافيا والأسواق.
غير أن الخلل يبقى في ضعف أداوت التصدي له، وهو ما تحرص الجزائر على تأطير المنظومة الاقتصادية بمختلف التدابير القانونية والتنفيذية لقطع أذناب الفساد والمتورطين في جرائمه. بعد أن يرسم المشهد، يبرز أهمية اعتماد القيم لتعزيز سياسة مكافحة الفساد الذي لا يتوقف استئصاله على الترسانة القانونية بقدر ما يستوجب مرافقتها بإرساء ثقافة واسعة تنبذ الفساد وتمقت التعاطي معه، كقناعة لدى الأفراد على كل المستويات. إلى جانب التدابير القانونية والآليات التي تختص في انجاز المهمة، يشير إلى الدور النوعي للبورصة في إضفاء الشفافية على المنظومة الاقتصادية، بفضل  توسيع نطاق فتح رأسمال المؤسسات العمومية بنسبة 20 بالمائة، توجّه للقطاع الخاص، سعيا للرفع من الأداء وتوسيع ضمانات الشفافية حول المؤسسات ومواردها. وفي ما يلي مضمون الحوار كاملا:

«الشعب»: ارسم لنا صورة حول حجم الفساد وتأثيره على النمو؟
أمحمد حميدوش: الفساد آفة تهدّد النمو ولذلك يوجد توجّه عالمي لمكافحته وفقا لمعايير الشفافية. من الصعب تقدير حجم الخسائر التي يتكبّدها الاقتصاد جراء أشكال الفساد، لكنها بالتأكيد مبالغ هائلة لها ثقلها في الاستثمار.
الدورة الاقتصادية تتميز بأنها تسير وتموّل بميزانية تعادل نصف الدخل الوطني، وهذا بحدّ ذاته يعكس حجم المبالغ المالية التي تضخّ من خلال إعادة التوزيع، مما يعطي للمشهد خصوصية مقارنة بالدول الأخرى، مثل أمريكا، حيث القطاع الخاص هو القلب النابض في دواليب الاقتصاد، والدولة تتواجد في قطاعات حسّاسة محدودة، ومن ثمّة يمكن تأطير مراقبة ومكافحة الفساد.
لمواجهة الفساد ينبغي أن تتوفر كافة الآليات لإنجاز المهمة، ومن الخطأ الاعتقاد أن الآليات والأدوات القانونية فقط يمكنها أن تحقّق الغرض، فهو مسار غير كاف، وإنما يجب أن يرافقه توجّه لإرساء ثقافة الامتناع عن ممارسة الفساد في الساحة الاقتصادية بالخصوص وهي مسألة ترتبط بالمجتمع.
ما هي معالم هذا التوجّه لثقافة مكافحة الفساد؟
 هو نظام يقوم على القيم ويتشكّل من أربعة فروع، الأول يتعلّق بالقيم الشرعية وهي الأفكار التي تتقاسمها أغلبية المجتمع على الأقل وتخصّ الأسرة، العمل، الدين والأخلاق، وقد تكفّلت بها العلوم الاجتماعية في البلدان التي حقّقت تقدما كبيرا في هذا الشأن.
منذ الخمسينات شرعت الدول التي أدركت خطر الفساد في إرساء وتنمية هذه القيم حسب خصوصية كل مجتمع وفي كل عشر سنوات يجري تشخيص وتطوير هذا السلم من خلال القيام بدراسات معمقة لمواكبة التحولات.
الفرع الثاني يخصّ القيم العملية، ويشمل المعايير الاجتماعية وهي ممارسة الحياة في المجتمع وتتضمن التسامح، الحرية، العدالة والعلاقة بين السياسة والاقتصاد، فكلما كان المجتمع على علاقة بالسياسة تهيمن ممارسة لعلاقة بين الحاكم والمحكوم، بحيث تربطهم علاقة تفاعلية، وإذا غابت تلك العلاقة فيصعب حينها محاربة الفساد.
الفرع الثالث لنظام القيم، يتعلّق بالقيمة الشخصية التي تُبنى على انخراط الأسرة والقبيلة بحيث تعطي صورة للذات والانجازات والنجاحات، وبالتالي تترك الفرد في المجتمع يهتم بالمثال النموذجي الناجح حوله، والقناعة بأن إتباع المثال الفاسد يشكّل خطرا.
والفرع الرابع يخصّ القيمة المادية وهي المال، أي كيف ينظر المجتمع الجهد وما ينجر عنه مثل مستحقات العمل.
في ضوء كل هذا إذا أظهرت الدراسة تحفظ المجتمع، فإن الفساد ينكمش وإذا كان طغيان للظاهرة فإنها تصبح لنية ونوع من النجاحات وهذا في حدّ ذاته خطر على مستقبل المجتمع برمته وأجياله.
ما هي أشكال الفساد بالثقل الاقتصادي؟
 تتمثل أشكاله في ممارسات عديدة تنخر الاقتصاد وتثبّط إرادة البذل والإنتاج، ويتعلّق الأمر بالرشوة، المحسوبية، المحاباة، الوساطة، الابتزاز والتزوير، نهب المال العام، الإنفاق غير القانوني، التباطؤ في انجاز المعاملات، الانحرافات الإدارية والوظيفية والتنظيمية وكل ما يقابلها من انحلال سلوكي وخلقي، وكذا المخالفات التي تصدر عن الموظف العام خلال تأدية مهامه إضافة إلى عدم احترام أوقات العمل وإفشاء أسرار الوظيفة ومخالفة القواعد المالية والقانونية وتضخيم الفواتير... الخ.
في الساحة الاقتصادية، هناك أشكال تتولّد عن الريع حول اقتسام الثروة مع إنفاق عمومي غير مدروس العواقب يؤدي إلى التبذير، الصفقات العمومية والتلاعب بالقانون من خلال التحايل على دفتر الشروط الذي يعطّل القانون نفسه.
 ماذا عن المنظومة الاقتصادية بالتدقيق؟
إنها تعاني من غياب إطار واضح للتعيين ومن إطار واضح للمراقبة (بالنسبة لمجلس الإدارة وكيفية تعيين مسؤول المجمع والفروع).
بالطبع هذا يترك المؤسسة تتبع ورقة طريق غير اقتصادية، وبالتالي الوقوع في حقل الفساد أو أقرب منه بمختلف أشكال الممارسات التي تحيط بالمؤسسة .
 أمام مثل هذا الوضع، ما هي آليات وأشكال التصدي للفساد أو الحدّ منه على الأقل؟
 توجد عدة هيئات لها صلاحية القيام بمثل هذه المهمة، مثل المفتشية العامة للمالية، مجلس المنافسة، الضبطية القضائية، والمفروض أن هذه الجهات تخضع للشفافية على مستواها أولا. للعلم يجري اعتماد قانون ضبط الميزانية السنوية على مستوى البرلمان، وبالتالي نتساءل من أين تبدأ الشفافية.
المفروض أن يتمّ نشر تقرير مجلس المحاسبة وكذا نشر النقاش الجاري داخل البرلمان حول قانون ضبط الميزانية ونشر تقارير مجلس المحاسبة على مستوى الصحافة، التي تتابع قضايا الفساد على مستوى العدالة وتنظر تفاصيلها بالدقة المطلوبة.
إن الشفافية تكون من خلال آليات التسيير بالنسبة للهيئات العمومية، أيضا مثل صناديق الضمان الاجتماعية والتقاعد التي تسير أموال المشتركين ويجب أن تشملها الشفافية عن طرق إصدار تقارير سنوية حول مخططات عملها على مستوى مواقع شبكة الانترنيت.
في هذا الإطار، من الضروري مراعاة ترتيب المنظمات العالمية ذات الصلة والمطابقة مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الإداري.
في بلادنا، لدينا ترسانة قانونية إلى جانب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. لدينا القانون رقم 05 - 01 ،المتعلق بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب المعدل بالقانون 115 - 06 الصادر في 15 فيفري 2005، والقانون 06 - 01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومحاربة الرشوة.
حقيقة للجزائر أرضية قانونية شاملة، غير أن المشكل يكمن في قلة أو عدم التناسق بين الإستراتيجية والخطط الموضوعة وهو ما ينبغي العمل عليه لتعزيز البنية القانونية والإجرائية قصد انجاز أهداف مكافحة الفساد.
وبودي أن أذكر تجربة ماليزيا في مكافحة الفساد، حيث اعتمدت في الأساس على خطة سنة 2004، ترتكز على محاور:
- الحد من سوء استخدام السلطة. ـ زيادة كفاءات تقديم الخدمات العامة. ـ تعزيز حوكمة الشركات العمومية. ـ تنظيم ندوات بهدف التوعية حول مخاطر الفساد. والأهم إقحام المواطن في هذه المعركة من خلال تشجيع مشاركته عن طريق الحوكمة الالكترونية بما في ذلك التصريح للضرائب عبر الانترنيت وهو المجال الذي نعاني فيه من تأخر.
 وماذا عن دور البورصة في كل هذا؟
 إذا كان فتح رأس المال للشركات العمومية بنسبة 20 بالمائة، فإن هذا يضفي شفافية بالتأكيد.
 ومن شأن نشر المؤشرات على الموقع الالكتروني للبورصة تمكين أكبر عدد من المتعاملين والمستثمرين والمهتمين على الاطلاع على الأسهم من حيث القيمة وحركية التداول، وهذا أفضل بكثير من الإجراءات البيروقراطية.
ويمكن حينها توجيه الأموال التي تدخل من بوابة البورصة إلى تمويل مشاريع استثمارية إنتاجية.——

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024