المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

ضمان الديمومة والبقاء في سوق شديدة المنافسة

سعيد بن عياد

لا يزال نسيج المؤسسات الصغيرة والمتوّسطة يحتاج إلى التدعيم بإحداث الآلاف من الوحدات الإنتاجية في كافة القطاعات الاقتصادية.استنادا لما يشير إليه الخبراء فإن المنظومة الاقتصادية بالنظر للطموحات في بلوغ أهداف النمو تحتاج إلى ما لا يقل عن 2 مليون مؤسسة صغيرة ومتوسطة، بينما لا يزال العدد اليوم أقل من 1 مليون.

لقد أظهرت خيارات اعتماد نمط المركبات الضخمة والشركات الكبرى محدوديتها خاصة في المدى الطويل، وتأكد هذا التشخيص في ضوء التداعيات الناجمة عن أزمة أسواق النفط، التي لا تزال تشكل فجوة تتطلب أن تعجل بآليات اقتصادية.بهذا الخصوص ينبغي التذكير بالكلفة المالية التي تطلبتها عمليات التطهير المالي للقطاع العمومي ولا تزال أهداف التطهير أقل بكثير، مما ينبغي أن تكون، كون نسبة كبيرة من تلك الموارد المالية كانت تذهب إلى تغطية كتلة الأجور، لتبقى المؤسسة في حلقة مفرغة.
لذلك، كان الرهان أخيرا على المؤسسة الصغيرة والمتوسطة لتكون البنية القاعدية للنمو، بالنظر لمرونتها وقلة الكلفة وإمكانية التلاؤم مع متغيرات السوق، وهي تجربة ناجحة في البلدان المتقدمة، خاصة من حيث قدرتها على الديمومة. انطلاقا من هذه الأهمية، استفاد قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في السنوات الماضية من مرافقة وفّرتها الدولة لتمكين هذا النسيج من توسيع نطاقه أفقيا، من أجل تغطية الفضاء الجغرافي، مع تخصيص عناية مركزة للمؤسسات التي تستجيب للتوجهات الإستراتيجية للتنمية، ويخصّ الأمر الانتشار في الهضاب العليا والجنوب.غير أن الطريق لا يزال طويلا لاستكمال البنية الهيكلية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بصيغة تواكب التحوّلات، بحيث يمكن حينها استغلال كل الفروع التي تتوفر على فرص إنتاج الثروة وتجسيد القيمة المضافة، بما يعزز القدرات الاقتصادية الوطنية في مواجهة المنافسة التي سوف تشتد في المستقبل.
إن ميزة المؤسسة الصغيرة والمتوسطة غير مكلفة مقارنة بالمؤسسة الضخمة، كما أنها بفضل التكنولوجيات الجديدة، المتمثلة في الرّقمنة، تستطيع أن تتكيف مع تقلبات السوق والاستجابة للطلب، شريطة أن تحاط بمرافقة ذات طابع اقتصادي من تمويل وإصغاء وتكوين.
 في هذا الإطار، فإن المؤسسة التي يمكنها أن تحقق نجاحا في المدى المتوسط فتكبر من صغيرة إلى متوسطة، هي تلك التي تقوم على أسس اقتصادية، تشمل قراءة في العمق للأسواق المحلية والإقليمية، اهتمام أكبر بالجهاز الإنتاجي، وضع الكفاءات في مراكز القرار المناجيريالي، الانفتاح على الجامعات ومراكز البحث، إدخال الرّقمنة ومواكبة الطلب بالإصغاء للزبائن.
 لعلّ من أسباب المناعة الاقتصادية وتأمين الديمومة التوجه إلى بناء شراكات محلية مندمجة خاصة في الهضاب العليا والجنوب حيث العوامل الأساسية للاستثمار المنتج للثروة خارج المحروقات قائمة وحقيقية، فتتعدى العقار إلى الموارد الباطنية مرورا باليد العاملة غير المكلفة.
 من المفيد الإشارة مجددا إلى فروع جذابة يمكن التوجه إليها من خلال مؤسسات صغيرة ومتوسطة على غرار الصناعة الغذائية، الصناعة التقليدية، الخدمات المرتبطة بالسياحة، المناجم وغيرها من الفروع الناشئة التي تعدّ بيئة مناسبة لتأسيس مؤسسات صغيرة ومتوسطة قابلة للحياة.  هنا يكمن دور الجماعات المحلية لتلعب دورها الاقتصادي انسجاما مع التوجهات الكبرى التي أرستها الدولة من خلال توسيع التقسيم الإداري وملاءمته مع الخصوصيات الاقتصادية المحلية. فليس هناك من سبيل للانطلاق في بلوغ الأهداف المحدّدة تحت عنوان النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية سوى إعطاء دفع قوي للمبادرة الاستثمارية، بحيث يمكن إدماج الطاقات على محدوديتها في ديناميكية تترجم في الميدان في شكل مؤسسات.
لكن حتى يمكن ضمان الديمومة والبقاء في سوق شديدة المنافسة، يصبح حتميا على أصحاب المؤسسات التوجه إلى بناء تكتلات لتعزيز القدرات والتنسيق للفوز بالأسواق والتكامل، خاصة في التصدير واستيراد المدخلات، وهي مهمة تقع على عاتق الهيئات الاقتصادية المحلية، أولها غرف الصناعة والتجارة التي يمكن أن تأخذ المبادرة للتوجه إلى الميدان حيث المعركة الاقتصادية الحقيقية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024