كشف التقرير الأخير لمكتب الاستشارة «أوكسفورد بزنيس غروب» الذي تضمن حوار لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة المؤشرات الكبرى للتوجهات الاقتصادية في المديين القريب والمتوسط، تحت عنوان عريض التنويع الاقتصادي للجزائر هدف استراتيجي.
المعالم التي ترسم المشهد الاقتصادي الشامل للسنوات القليلة القادمة تندرج ضمن الخيارات المحورية المعتمدة منذ سنتين والتي يجري تجسديها لاستكمال حلقات الإقلاع على طريق النمو، من خلال الحرص على انجاز الأهداف، وفقا لسياسات اقتصادية ملائمة.
تنويع الاقتصاد الوطني الذي تم الشروع في تحقيقه بعد أن توفرت له الشروط الأساسية بفضل برامج استثمارات عمومية ساعدت على النهوض بالمنشآت القاعدية وتحديثها، وفقا لسياسة مندمجة رافقتها أخرى تتعلق بتحسين جوانب الحياة المعيشية للسكان، يتطلب، اليوم، كما أوضحه رئيس الجمهورية العمل على توفير بعض الشروط.
تتعلق هذه الشروط الكفيلة بإنجاح التنويع الاقتصادي ضمن هذه الرؤية، تعزيز دور القطاع الخاص المنتج في مختلف المجالات الخلاقة للثروة، ومواصلة تحسين الجوانب المناجيريالية في إدارة المؤسسات وتنشيط المشاريع ذات الصلة بالقيمة المضافة، وثالثا مكافحة صارمة للبيروقراطية التي تكبح المبادرة وتعيق الابتكار الاقتصادي، وهوالمسعى الذي يندرج بالضرورة في صميم تحسين مناخ الاعمال.
كل هذا الزخم يصّب في نطاق إرساء أكثر فعالية لمسار النمو على امتداد العشرية القادمة بتجاوز آثار الصدمة المالية الناجمة عن تراجع أسعار النفط، من خلال تنمية سليمة ومستدامة ترتكز على تجميع القدرات الوطنية وانفتاح أكثر جرأة وواقعية على شراكات أجنبية تستجيب لمقتضيات ورقة الطريق لتجاوز أزمة شحّ إيرادات النفط.
من أجل ذلك وحسب الرؤية المستقبلية فإنه يتم الرهان أكثر على توسيع الاستثمارات في قطاعات تشكل أبرز التحديات للمرحلة المقبلة، ويتعلق الأمر أساسا بالاستثمار في فروع يمكن ربح معركتها، مثل الطاقات المتجدّدة، الصناعة الغذائية الزراعية، الخدمات، الرّقمنة، السياحة، المناطق اللّوجيستية.
من شأن هذه القطاعات، التي تنصهر فيها الموارد المالية والذكاء الصناعي وتثمر القيمة المضافة، إذا ما توفرت حولها مشاريع ذات جدوى بأهداف اقتصادية منسجمة بعيدة الأمد، أن تضخ نفسا جديدا في ديناميكية النمو لترتفع وتيرتها، خاصة في الصناعة والتصدير، من أجل بلوغ هدف ملموس يتمثل في الرفع من نمو الناتج الداخلي الخام.
يرتقب أن تدعم عملية مراجعة قانون المحروقات المتواصلة في ظل هدوء وتبصر خيار بناء شراكة جزائرية أجنبية قائمة على تقاسم الأعباء والكلفة وكذا المنافع ضمن الرؤية الاقتصادية الجديدة التي تراعي متطلبات الاقتصاد الوطني، الذي كما أكده رئيس الدولة، يتجه أكثر فأكثر إلى الأسواق الإفريقية، خاصة مع التوصل في المستقبل الى إقامة منطقة التبادل الحر للقارة السمراء التي تمثل في هذه المرحلة مقصدا للأدوات الاقتصادية للبلدان الكبرى، بحثا عن مصادر الطاقة والأسواق الناشئة.
المؤشرات الكلية للاقتصاد الجزائري تبقى على درجة من الايجابية التي تعزز الثقة في السوق ومن أبرزها حالة الاستقرار التي تخيّم على المشهد بروح متفتحة على التحوّلات التي تعرفها مختلف الأسواق، وقد أظهرت قطاعات عديدة، وفقا لذات التقرير، الذي يسقط قراءات أخرى تسوق لرؤية سلبية غير موضوعية، أنها على درجة من النجاعة، بحيث يمكن أن تساهم في تحسن معدل النمو، على غرار الفلاحة والصناعة الغذائية وبعض الخدمات.
مثل هذا الرصد الشامل الذي تم القيام به بعيدا عن تأثيرات بعض الأوساط التي تسعى لبث التشاؤم، والاستثمار السلبي في بعض الصعوبات الظرفية، يعيد التوازن للرؤية الشاملة، بحيث يقدم التفاصيل التي تساعد المهتم بالسوق الجزائرية على قراءة سليمة للمؤشرات وإدراك عميق للتطلعات، خاصة في مرحلة يتأكد فيها مدى الثقة في المستثمرين الجادين من كل جهات العالم.