استفاض الدكتور فاتح شيباني، أستاذ العلوم الاقتصادية، بجامعة الجزائر في تشريح تحدّيات الرقمنة، واعتبرها رهانا جوهريا من أجل تسريع وتيرة النمو، بل قال إنها مفتاح حقيقي من مفاتيح النجاح في تطوير الاقتصاد وغزوالأسواق الخارجية، ولم يخف أن القطاع الاقتصادي والحياة الاقتصادية في الوقت الراهن باتت في حاجة ماسة إلى ثورة رقمية من أجل تحقيق الأهداف التنموية المنشودة وبالتالي قطع مراحل متقدمة في تطوير وتنويع الاقتصاد الوطني، وتحدث عن ضرورة إيلاء عناية بالغة بالمورد البشري، واستحداث تخصصات ومراكز بحث في المجال الرقمي تواكب كل التطورات الرقمية في العالم وتستقطب الموهوبين وتشجع المبتكرين.
«الشعب»: في رأيك.. إلى أين وصل مسار الرقمنة في المنظومة الاقتصادية؟
الدكتور فاتح شيباني: حسب اعتقادي بالنظر إلى مسار الرقمنة، يمكن القول أنه قطع أشواطا مهمة لا يستهان بها وتحتاج إلى تفعيل وجهود متواصلة، على خلفية أن كل ما تحقق ينبغي أن لا يتوقف، أي الانطلاقة تحققت وينبغي المواصلة، بل صرنا مطالبين في المرحلة الراهنة والمقبلة الرفع من وتيرة التجسيد في جميع الهياكل المتعلقة بالمنظومة الاقتصادية بشكل عام، ولا يجب الاقتصار على هيكل أوهيكليين محددين، لأن القطاع الاقتصادي والحياة الاقتصادية يحتاجان إلى ثورة رقمية حتى نصل إلى أعلى نسب النمو ونقطع مراحل متقدمة في تطوير وتنويع الاقتصاد الوطني.
تكثيف الدورات التكوينية
ما هي العوائق التي تمنع توّسع النسيج التكنولوجي في عمق الآلة الإنتاجية؟
فيما يتعلق بالعوائق المانعة لتوسيع النسيج التكنولوجي في عمل الآلة الإنتاجية، أرى بحسب تقديري أن من الأسباب، نذكر قلة التأطير في هذا المجال الحيوي والدقيق، ويضاف إلى كل ذلك التعوّد على طريقة التعامل التقليدي الذي ترسخ وسط الموظفين وكذا الإطارات وحتى المواطنين، إلا أن السبب الجوهري والرئيسي في اعتقادي يكمن في التأطير غير الكافي، وبالإضافة إلى قلة الدورات التكوينية التي صارت عاملا مهما خاصة مع الاختراعات الجديدة السريعة وباتت تظهر في فترات قصيرة، لذا نجد بين اختراع جديد واختراع أحدث لم تعد مدة زمنية طويلة، كما عهدناه في السابق، ولهذا وجب تكثيف الدورات حتى تصبح العملية الإنتاجية فعالة.
ماهي الإمكانيات الكامنة والحقيقية لتدارك التأخر والانطلاق بوتيرة أسرع في مجال الرقمنة؟
وأذكر على صعيد الإمكانيات الكامنة والحقيقية لتدارك التأخر والانطلاق بوتيرة أسرع، لا أظن أنه هناك تأخر في نظام الرقمنة وحده بل يوجد نقص ينبغي استدراكه في وقت زمني قصير على مستوى المنظومة الاقتصادية بشكل عام، بل من الضروري إحداث تشريعات في هذا المجال مع توفير التكنولوجيا اللازمة ومنح الفرص الحقيقية لخريجي الجامعات الذين يواجهون شبح البطالة لممارسة الوظائف التي لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بالرقمنة، ومنح الفرص للكفاءات وفتح الأبواب أمام الموهوبين، بمعنى الاستثمار في المال البشري بشكل عميق وواسع، وهذا يعد من أهم الخطوات التي تحتاج إلى ترسيخ وتعميم، وخلاصة القول في هذا المقام أن توفير اليد العاملة المؤهلة مع إرساء التكنولوجيا، من شأنها أن تجعلنا نقفز بخطوات متقدمة في عالم الرقمنة السريع التطور وفي تغير مستمر بل ومذهل.
فتح تخصّصات ومخابر في الرقمنة
كيف يمكن تفعيل مساهمة الخبرات البشرية في الجامعات ومراكز البحث؟
لاشك أن كل ذلك من شأنه أن يتم ويتجسد على مستوى الجامعات والمعاهد عن طريق فتح مخابر علمية داخل المؤسسات الجامعية، حيث تتخصص في مجال الرقمنة، إلى جانب فتح تخصصات على مستوى «الماستر» تكون مهنية ولديها صلة بمجال الرقمنة، ومن الأمثلة الساطعة والتجارب الناجحة نذكر تجربة الدول الأوروبية، لأنها مباشرة بعد تخرج الطالب يلتحق بالوظيفة المسندة إليه، وكذلك إنشاء المخابر العلمية على مستوى الجامعات مهم جدا، على خلفية أنه يقلص المسافة ويختصر الزمن، ويضاف إلى كل ذلك وضع رؤية دقيقة وفرض فعالية فائقة وتسيير راشد.
كيف يمكن انتقاء الشراكات الأجنبية ذات الجدوى والتي بإمكانها المساهمة في تقديم القيمة المضافة محليا..علما أن هناك مبادرات تمت لكنها تحتاج إلى تفعيل؟
أؤكد بخصوص كيفية انتقاء الشركات الأجنبية والتي بإمكانها تقديم قيمة مضافة محليا، أقول أن الرقمنة في حد ذاتها هدفها الجوهري يكمن في منح قيمة مضافة، لذا يجب الإشارة في البداية إلى أن كل شركة تتبع طريقة ومسار خاص بها يتناسب ويتوافق مع إمكانياتها، وكذلك على ضوء التحديات التي تواجهها والرهانات التي تخوضها يكون إختيار الشريك، ويفرض ذلك التشابه في النموذج الرقمي المتبع، وفي الحقيقة أعترف في هذا المقام أنه من الصعب أن تجد التشابه، ولكن رغم ذلك نجاح البرنامج يعتمد على مدى حسن اختيار شريك مناسب ومتوافق وناجح بمعنى يكون قد قطع أشواطا كبيرة في المجال وتجربته مثالية وتمنح للطرف الجزائري أسباب التحكم في التكنولوجيا وتكون اليد العاملة الجزائرية في دورات تكوينية.
تحدّيات التحوّل الرقمي
ما هي الفروع الاقتصادية التي تحتاج إلى الرقمنة بأقل كلفة وبأكثر مردودية مثل الفلاحة وتربية الأبقار؟
لا أخفي أن جميع القطاعات في الوقت الراهن باتت في حاجة إلى رقمنة حتى تواكب التطور وتطرح منتوجا منافسا يمكنه أن يخوض معركة الأسواق الخارجية الشرسة، والسؤال الجوهري الذي ينبغي أن يثار في هذا المقام.. كيف يمكن النجاح في تحويل جميع الفروع الاقتصادية نحو الرقمنة؟.. بل يعتبر تحديا حقيقيا، ويضاف إليه التحدي الثاني..المتعلق بان كان هناك أولوية لفرع دون الأخر في مسار التحول الرقمي..؟ لكن خلاصة القول إنه إذا نجحنا في مواجهة تحديات التحول الرقمي أعتقد أن قطاع الفلاحة سيكون ذا أولوية قصوى لأن الفروع الأخرى مرهونة بنجاحه كتربية المواشي والأبقار وطرق الزراعة المتطورة وما إلى غير ذلك.
هناك أزمة في إنتاج أدوات الرقمنة .. كيف يمكن إطلاق إنتاج حقيقي للتصدير نحوإفريقيا؟
نتطلع جميعا دون شك من أجل أن يعرف الإنتاج الوطني تطورا ويقفز إلى مصاف المنتجات ذات الجودة العالية وبالتالي يصبح ذا تنافسية عالية، وبعد ذلك وبشكل تلقائي يمكن التوجه بالمنتجات الوطنية إلى التصدير نحوأسواق خارجية خاصة الإفريقية، ومن الضروري دراسة الأسواق مسبقا ومعرفة ما تحتاجه الأسواق الإفريقية على وجه الخصوص، ويمكن للمؤسسات الاقتصادية أن تأخذ بعين الاعتبار هذا الشق المهم في عملية التصدير حتى يكون تصديرا مستمرا من دون انقطاع.