يرتبط نجاح استثمار بجملة من الشروط تشمل مكونات المشروع المادية والمالية ولكن أيضا ضرورة التحكم في الجوانب القانونية. فبدون السيطرة على الإجراءات التي يسطرها المشرع والفهم الجيد للتشريعات في أسواق أجنبية، يصعب على المتعامل والمؤسسة أن تحصن مصالحها في حالة حدوث نزاع قد يكلف المتعامل الجزائري الكثير.
يشرح البروفيسور، نور الدين بعجي، في هذه المقابلة أهمية أن يحيط المستثمر نفسه بمستشارين قانونيين ذوي كفاءة، وان يولي لهذا الجانب نفس الأهمية أوأكثر من التي يوليها للعقار الصناعي والتمويل البنكي.
يوضح أستاذ القانون الذي يرأس مخبرا هوالأول من نوعه يساهم في تحسين مناخ الاستثمار من الجانب التشريعي، أن البلدان المتطوّرة اقتصاديا بلغت تلك الدرجة من النمو الاقتصادي وما رافقه من الجانب الاجتماعي بفضل العمل القائم بين المؤسسة ومراكز البحث العلمي، فالتكوين البشري أو ما يعرف بالعقول هومن يساهم في إنتاج الفكر الاقتصادي، أي تقديم حلول لمعضلات تثيرها مؤسسات.
بينما في البلدان الناشئة حتى لا نقول المتخلّفة توجد مشاكل عديدة على مستوى العلاقة بين الجامعة والمحيط الاقتصادي، وان كان في بلادنا اليوم ترصد بعض المبادرات يندرج في إقامة جسر انفتاح، لكنها تبقى محدودة وتستوجب التوسيع.
السبب بحسب رأيه أن أغلب المؤسسات الاقتصادية التي تواجه تنافسية شرسة، وتعاني من انكماش مراكزها في السوق، لا تولي عناية بالحجم والثقل المطلوب للجانب المعرفي(اقتصاد المعرفة)، في وقت يتأكد فيه، كل يوم، أن النتائج الباهرة التي تقدمها الأسواق الاقتصادية عبر العالم، مصدرها الإبداع والابتكار المعرفي، فاقتصاد المعرفة يمتاز بالوفرة والمواكبة والتجديد، خلافا للاقتصاد التقليدي الذي يتسّم بالندرة، فالأول يقوم على الإنتاج الفكري البشري، خاصة في ظل اتساع نطاق التكنولوجيات الجديدة.
في هذا الإطار، يرصد في قراءة لمركز الجامعة في هذه المعادلة أن مراكز البحث (المخابر العلمية) تجد صعوبة كبيرة في التعامل مع المؤسسات الاقتصادية، كون المخابر العلمية تقوم على عامل المعرفة، وهوما يتطلب من المؤسسة أوالمتعامل الاقتصادي التزوّد بإطارات ذات مستوى علمي عال، في حين أغلب مؤسساتنا تعاني من ضعف في هذا الجانب المرتبط مباشرة بإنتاج القيمة المضافة.
الجودة حلقة حاسمة في تنافسية الأسواق
بخصوص دور الجودة في كسب معركة المنافسة، ليس محليا فقط، وإنما الأكثر أهمية على الصعيد الإقليمي والعالمي، أكد بعجي أن المنافسة في الساحة الاقتصادية تقوم حقيقة على عنصر الجودة، كونها تتمثل في جملة معايير وشروط يستوجب توفرها في السلع والخدمات التي تعرض في السوق. فهذه السلع والخدمات يجب أن تكون على مستوى عال من الجودة وتتطابق مع المعايير الدولية لتستطيع المنافسة في أسواق مفتوحة إقليميا وعالميا.
أضاف في تشخيصه للمسألة أن هناك سلعا وخدمات كثيرة في الجزائر تغطي الطلب بفضل فورتها، وبالإمكان توجيهها للتصدير، وبالطبع تصطدم حينها حتما بمشكلة الجودة، خاصة بالنسبة للمواد الغذائية من حيث التركيبة والتوضيب والشحن إلى غيرها من عمليات التسويق. فالاستثمار لا يتوقف عند الرأسمال والعقار، بمعنى أن المتعامل الذي لديه أموال ضخمة لا يمكنه أن ينجز استثماره دون الاعتماد على أصحاب الفكر، إذ من الضروري اقحامه في السلسة الاستثمارية والتسويقية متخصصين في كل مجالات المشروع لتأمين الربح وتحصين المركز في السوق.
هنا يكتسي الجانب القانوني أهمية بدليل مثلا لما تم تبني خيار الإصدار النقدي كان من اللازم أولا القيام بتعديل لقانون النقد والقرض، ونفس الأمر بخصوص الاندماج المالي والتوجه إلى نظام شامل لاستيعاب المالية الإسلامية قصد استقطاب الموارد المتفقة في السوق الموازية أوالمكتنزة خارج البنوك. ويستطرد قائلا: إن النخبة هي التي توفر الضمانات للاقتصاد من خلال مرافقة المتعامل والمؤسسة على كل محطات الدورة الاستثمارية.
عن دور القانون في عالم الاستثمار والأعمال، أشار إلى انه يكتسي أهمية قصوى خاصة في مجال الشراكة الجزائرية الأجنبية بحيث من الضروري أن يكون المستثمر على دراية بالتشريعات، وبالأخص في مجال التحكيم الذي ينبغي ان يولى كل الاهتمام.
في هذا المجال، يرأس البروفيسور بعجي مخبرا يبحث في المسائل القانونية المتعلقة بالاقتصاد الرقمي (الرقمية) والاقتصاد الأخضر وقانون الأعمال، وتم اعتماده هذه السنة على مستوى كلية الحقوق لجامعة الجزائر 1 من طرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. ومن موقع إدارته للمخبر، فإن الهدف المسطر يتمثل في تأطير البحث العلمي لفائدة طلبة الدكتوراه، حيث يسجل حاليا 17 طالبا في هذا المستوى يعالجون مسائل تثير إنتاجا علميا غزيرا يثري حقل الاقتصاد الرقمي والاقتصاد الأخضر، مثل تدوير النفايات واسترجاعها من حيث الآليات القانونية والإجراءات من اجل تطوير التشريعات وملاءمتها مع التغيرات الاقتصادية.